سلسلة حقوق الإنسان عبر التاريخ – الجزء الثاني
في القسم الأول تعرفنا على الفرق بين الحقوق والقوانين، وبدأنا جولتنا التاريخية حول حقوق الإنسان، ونبدأ الآن بالتعرف على هذه الحقوق في الحضارة الفرعونية:
1) الحق في الحياة:
وهذا الحق يتمثل في:
أ. عدم وأد الأطفال أو نبذهم.
ب. ولُزُوم موافقة الملك لتنفيذ عقوبة الإعدام، وكانت العقوبة تُخفَّف في بعض الأحيان.
2) الحق في الحرية:
كانت مصادر الرقّ مَحدودة للغاية، إذ كانت تنحصر في أسرى الحروب ومرتكبي جرائمَ بالغةِ الخطورة، ومن الأحكام التي أخذ بها القانون المصري وتنطوي على حق الإنسان في الحرية: ” قصر حق الدائن في اقتضاء دينه من أموال المدين دون شخصه “.
3) الحق في المساوة أمام القانون:
كان المجتمع المصري مُنقسِمًا إلى ثلاث طبقات هي:
أ. الأرستقراطية: تتكون من أفراد الأسرة المالكة، وكبار الموظفين، وكبار رجال الدين.
ب. والمُتوسِّطة: كانت تشمل صغار الموظفين, وأصحاب الحرف، والتجار.
ج. والطبقة الثالثة: كانت تضمُّ العاملين في الأرض، وهي أدنى الطبقات وأقلها تنعُّمًا وأكثرها أعباء.
ولكنّ الجميع أمام القانون سواءٌ، فلا فرق بين غني وفقير.
4) الحق في نظام حكم عادل:
عُدَّتِ الملوك في ظل الحكم الفرعونيّ آلهةً وأربابًا، وتمتّعوا بسُلُطات واسعة، لكنّ ذلك لم يَحُلْ دون تقييد سُلُطاتهم بقيدٍ من العدل واحترام القانون، ولمّا كان الفرعون -بنظرهم- إلهًا أو مُمثِّلًا له في حكم مصر وَجَبَ أن يكون عادلًا.
5) الحق في قضاء عادل.
6) المُساواة بين الجنسين:
لاحظ المُؤرِّخون القدامى ما كان عليه وضع المرأة المصرية من سموٍّ بالمقارنة مع وضعها لدى الشعوب الأخرى، فعلى سبيل المثال يقول المُؤرِّخ ( هيرودوت ) الذي زار مصر في القرن الخامس قبل الميلاد: “ إن النساء عند المصريين يذهبْنَ إلى الأسواق ويُمارسْنَ التجارة “.
7) التسامح الدينيّ والحق في حرية الاعتقاد:
تعدَّدَتِ المُعتقَدات الدينية في مصر القديمة تعدُّدًا بالغًا، ويرجع ذلك إلى أنّ مِصرَ كانت قبل توحيدها مُكوَّنة من دويلات عديدة، وكان لكلٍّ من هذه الدويلات مُعتقَدُها الدينيّ الخالص، وعندما وُحِّدَتِ البلاد لم يتبع ذلك توحيد المُعتقَدات الدينية، بل تُرِكت لكل مُقاطَعة إدارية الحريةُ في الاحتفاظ بالمعتقدات الدينية السائدة فيها، وقد ترتَّب على ذلك الكثيرُ من الاضطراب في المُعتقَدات الدينية المُختلِفة، والمُحاوَلة الوحيدة التي سعَتْ إلى توحيد العقيدة في مصر هي محاولة ( أخناتون ) في عهد الأسرة الثامنة عشرة، والتي كانت تقوم على عبادة القوّة الكامنة وراء قرص الشمس.
تقول الباحثة الفرنسية ” إليزابيث لافون ” عن التسامح الدينيّ لدى المصريين القدماء: ” كان التسامح يُشكِّل أحدَ العلامات البارزة في الحضارة الفرعونية “.
8) الحق في عدم التعرض لعقوبات وحشية أو للتعذيب:
عرفت مصر في العصر الفرعوني أشكالًا عديدة للعقاب على الجرائم المختلفة، كان أقصاها عقوبة الإعدام فالعقوبات البدنية، وعقوبة الإعدام لم تكن مُقرَّرة إلا للجرائم الخطيرة؛ مثلَ التآمر لقلب نظام الحكم، وانتهاك حرية المقابر الملكية والقتل العمد، وقد رأينا أنّ تنفيذ حكم الإعدام كان يلزمه تصديق الملك، أي: الموافقة عليه وإن كان صدر فيه حكم قضائي، فكان من المُمكِن للملك أن يُخفِّف عنه عقوبة الإعدام ويستبدل بها عقوبة أدنى. أما العقوبات البدنية فكانت تتمثل في المَثُلَةُ والضرب، والمقصود بالمَثُلَةُ: ” قطعُ أحد أعضاء الجسم أو تشويهُه، مثلَ صلْم الأذنين أو جدع الأنف أو نزع اللسان أو قطع اليدين “. ويُستخدَم التعذيب -كقاعدة عامة- كوسيلة لحمل الشخص المُشتبَه به في ارتكاب إحدى الجرائم على الاعتراف، وكذلك للتنكيل بالخصوم السياسيين أو المنشقين الدينيين. وفيما يتعلق بالتعذيب للحمل على الاعتراف، فإن وسيلة الإكراه كانَتِ الضربَ بالعصا على الظهر أو القدمين، بخلاف الشعوب الأخرى التي كانت تُمارِس وسيلة الإكراه بأبشع الصور التي تنتهك الإنسانية.
9) الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
نتناول في هذا الجانب الحق في التملك والتكافل الاجتماعي والحق في التعليم.
أ. الحق في التملك: هناك كثير من الشواهد على وجود المُلكية الخاصة في مصر منذ عهد الدولة القديمة حتى استمرارها خلال العصور التالية، ولم تكن الملكية الخاصة مقصورة على المنقولات، بل كانت تشمل العقارات سواءٌ أكانت بيوتًا أم أراضٍ زراعية. وهناك خلاف بين المؤرخين حول الأراضي على قولين أصحُّهما أن الأفراد كانوا يمتلَّكونها.
ب. الحق في التكافل الاجتماعي: تدلُّ الشواهد العديدة على أن الثقافة المصرية القديمة كانت تقوم على أساس التكامل بين أفراد المجتمع في شتى شئون الحياة، وأساس التكافل هو مدُّ يَدِ المعونة إلى كل محتاج، وإغاثةُ الملهوف، وحمايةُ الضعيف، بل كان التكافل الاجتماعيُّ في مصرَ الفرعونية يُعَدُّ أحدَ الواجبات الدينية التي يُسأَل عنها الميت عند البعث والحساب أمام قُضاة الآخرة, ففي دفاعه عن نفسه أمام هؤلاء القضاة يُردِّد الإنسان ما قدَّمه لبني البشر من خير أو شر.
ج- الحق في التعليم:
قامَتِ الحضارة المصرية القديمة على أساس العلم؛ لذلك حرص حكماء مصرَ القديمةِ على تمجيد التعليم وحضِّ الناس على النهلِ من العلم، ولم يتركوا وسيلة تُغري الناس بالاتجاه إلى التعليم إلا أظهروها، فهناك قِطعَةُ بردي من ( طيبة ) يَعود تأريخها إلى ما بعد ( أمنحوتب ) الثالث بقليل، إذ وُجِد فيها أنها “ تمتدح العلم لمُجرَّد أنه علم ومعرفة “، وكانت مصر القديمة تُكرِّم علماءها وحكماءها أبلغَ تكريم، بل كانت تضعهم في مرتبة القديسين، ولم تكن الدعوة إلى التعليم مقصورة على الذكور، بل كانت تتوجه للإناث أيضًا، وهذا ما يُفسِّر مقولة أحد الحكماء: ” إذا علَّمتَ رجلًا فإنك علَّمت فردًا، وإذا علَّمتَ امرأة فإنك علَّمت أسرةً بأكملها “.