سلسلة حقوق الإنسان عبر التاريخ – الجزء الأول
” يُولد الإنسانُ حُرًّا دون قيود لكنه يُقيَّد مع الوقت شيئًا فشيئًا حتى تُسلَب منه حُريتُه في فعل ما يريد “.
فعلى مر العصور، نجد أنّ حقوق الإنسان تختلف من حضارة إلى أخرى، وذلك من خلال وضع القوانين وتطبيقها حتى يعلم كل فرد ما يَحِقُّ له وما يجب عليه. ولكنّ هناك خلط كبير وقع فيه الكُتَّاب والباحثون -فضلًا عن عامة الناس- بين مفهومَي الحق والقانون، حتى أنّ المفهومين عُدَّا مُترادِفين، حيث يُمكِن استخدامُ أحدهما مَحلَّ الآخر، لكن مِن الخطإِ الكبير أنْ نَعُدَّ المفهومين مُترادِفين؛ لوجود الفرق والاختلاف بينهما، وَلِيَتبيَّنَ لنا الفرقُ بينهما يجب أنْ نتعرّف على معنى كلٍّ منهما.
أولًا: تعريف القانون
هو مجموعة من القواعد والأُسس التي تعمل على تنظيم المجتمع، فهو يُعدُّ أحدَ قوانين علم الاجتماع الأساسية المُهِمَّة، فالمجتمع لا يستطيع العيش إذا كان كلُّ أفراده يفعلون ما يَروق لهم دون مُراعاة لحقوق الآخرين، أو إذا كان أعضاؤه لا يعترفون بأنّ عليهم التزاماتٍ مُعيَّنة في مواجهة بعضهم بعضًا. فالقانون هو الذي يُقرِّر القواعد التي تُحدِّد حقوق أي شخص والتزاماته، وهو الذي يضع الجزاء وكيفية تطبيقه من قبل الحكومة على كل من يُخالِف القواعد التي وضعت.
ثانيًا: تعريف الحق
هو كافة ما يَحِقُّ للإنسان التمتعُ به والحصول عليه منذ تكوُّنه في بطن أمه، فهو يولد حرًّا، وهذه الحقوق تُسلَب منه سلبًا. وهناك البعض يُؤكِّد أنّ اصطلاح ” حقوق الإنسان ” يُشير إلى: مجموعة الاحتياجات والمطالب التي يَلزم توفيرها لعموم الأشخاص، وفي أي مجتمع، دون أيِّ تمييز بينهم في هذا الخصوص، سواءٌ أكان على اعتبار الجنس أو النوع أو اللون.
ومن هنا يتضح لنا الفرق بين الحقوق والقوانين، فالقانون هو: مجموعة من القواعد التي تُنظِّم البشر وتُنظِّم الناس. أما الحق: فهو الشيء المُقرَّر للفرد، أو هو الشيء الذي يكون ملك الفرد الممنوع قانونًا من التصرُّف به بما يؤذي به الآخرين، أي: التعسُّف في استعمال الحق.
والآن, تعالوا بنا إلى جولة عبر تاريخ الحضارات القديمة لنتعرف على حقوق الإنسان فيها، ونبدأ مع حقوق الإنسان في الحضارة الفرعونية: لقد ساهمت الحضارة الفرعونية والتي تُعدُّ من أقدم الحضارات البشرية في تجسيد الفكر القانونيّ لحماية حقوق الإنسان، ويذهب المؤرخون إلى أنّ أول صفحات التاريخ البشري المَكتوب بدأت في أراضي وادي النيل الأدنى من مصر الفرعونية عام 3300 قبل الميلاد تقريبًا، وذلك عندما تشكّلت القرى الزراعية على طول النيل في مملكتين هما: مصر العليا ومصر السفلى -تحت حكم الفراعنة آنذاك-، وأُخضِع أهلها إلى قانون سماوي اسمه ( ماعت )، وأهم الركائز التي كان يستند إليها هذا القانون هي: مفاهيم الحق والعدل والصدق، وبقي العمل بهذا القانون لفترة طويلة.
ويُذكَر أيضًا أنه أُنشِئ في عهد الأسرة الثامنة عشرة مجالسٌ للبلاد تحكم بالعدالة، وتُنادي بضرورة تطبيق معايير العدالة، فصار من حق كل فرد -ضمن حقوقه الدينية- أنْ يحفظ جُثّته بعد موته، خاصة أنّ التحنيط لم يكن من حقوق العامة، إذ تُمارِسه طبقة الأمراء والملوك فقط.
ونرى: إنه لَمِن المُفيد في هذا السياق الإشارة إلى أن ( ثورة أخناتون ) تُعدُّ من أهم الثورات التي جاءت لتُجسِّد معايير حقوق الإنسان ومفاهيم في تلك الحقبة، لقد دعت إلى السلام والرحمة والتسامح ونبذ الحروب ونشر المساواة بين الناس في شئونهم الدنيوية، كما دعَتْ إلى تحقيق العدالة للجميع دون تمييز، وألغَتْ التقديس المُبالَغ به للأسرة المالكة، وذلك بشكل أصبح بموجبه أفرادُ العائلة المالكة كسائر أبناء الشعب من حيث المُعامَلة والامتيازات.
كما أنَ أهم ما جاء في تعاليم الملك ( حريكارع ) -أحد حكماء الأسرة العاشرة- إقامة العدلُ وضرورة الشعور مع الآخرين في مِحَنِهم، وفي هذا السياق تقول أحد التعاليم: “ احتفظ بذكراك بين الناس بحُبِّهم، فالإنسان الذي يصل إلى الآخرة دون أن يرتكب خطيئة فإنه سوف يَمكث هناك ويمشي مَرِحًا مثل الخالدين “.
ونتابع عبر التاريخ، من الحضارة المصرية جميعُ الأمثال المرتبطة بحقوق الإنسان قدَّمها الحكماء المصريون في إطار التعليم والتربية، وقد كُتِبَتْ على قِطَعٍ من الخزف وشظايا من الحجر الجيري.