أبرز المُناظَرات العِلْمِيّة في العصر الحديث.
-1-جوزِف ليستر و الرافضون للنَّظَرِيَّةُ الجُرْثومِيَّة :
على الرغم من القبول الواسع الذي تحظى به النَّظَرِيَّةُ الجُرْثومِيَّة اليوم؛ إلا أنّها قوبلت بالتهكم والسّخرية عندما اقتُرِحَتْ لأول مرة وظهرت فكرة أن الكائنات المِجْهَريّة هي المسؤولة عن نقل الكثير من الأمراض.
لقد كانت فكرة أن مخلوقاتٍ غير مرئية بإمكانها أن تغزو البشر مسببة حدوث أمراضٍ لهم؛ فكرة مزعجة لكثير من الناس، وقد قادهم هذا الانزعاج لرفض فكرة الجراثيم ككل.
في نفس الوقت كان شبح كلٍّ من (غَنْغَرينَةُ المستشفيات وتَسَمّمُ وتَقَيُّحُ الدَّم وإصابة الجلد بالحُمْرَة –تنتقل أغلبها بالعدوى-) قد خيَّمَ على العمليات الجراحية، إذ لم يعرف سبب مصاحبة هذه الظواهر للجراحة، حتى أصبح الجرح المفتوح أشبه بحكم الإعدام على صاحبه في ذلك الوقت.
لكن بالاستفادة من أبحاث العالِم الفرنسي لويس باستور الدّاعمة للنظرية الجرثومية؛ ابتكر الجَرّاح البريطاني جوزِف ليستر Joseph Lister التعْقِيم للقضاء على طرق العدوى هذه مستخدمًا مواد مطهرّة أبرزها حمض الكربوليك carbolic acid المشتق من البنزين والذي يمتلك تأثيرًا مبيدًا للجراثيم، وقد أصدر تعليماته برش غرف العمليات وغسل الأدوات الجراحية بمحلول هذا الحمض وذلك لمنع العدوى من الوصول إلى الجروح.
قوبِلَت أفكار “ليستر” برفضٍ عنيف من قِبل أغلب نظرائه الجراحين، حيث ذكر فيتزاريس Fitzharris أنه كان من الصعب على العديد من الجراحين وهم في أوج عطائهم المهني مواجهة حقيقة أنهم من الممكن أن يكونوا قد قتلوا مرضاهم بشكل غير مقصود عن طريق السّماح لجروح المرضى بالإصابة بمخلوقات دقيقة غير مرئية في فترة تمتد من 20-15 سنة ماضية.
وقد نُظِّمتْ نتيجة لذلك مناظرات علنيّة بين “ليستر” وأبرز الشخصيات الرافضة للنظرية الجرثومية، وبالرغم من كون “ليستر” أحد المساهمين في تقديم الجِراحَة التَطْهيرِيَّة في المستشفيات؛ إلا أنه لم يكن مناظراً خبيراً ، لذا بدا بمظهر المهزوم أمام 15 صوت لأشخاص مناهضين للنظرية أمام جمهور من عشرات المهتمين في مسرح العمليات العامة.
وقد قام هؤلاء المعترضون (في نوبة من الغطرسة) بتلطيخ أنفسهم بمياه الصرف الصحي واللحم الفاسد لإثبات ثقتهم بعدم وجود الجراثيم، إلا أنهم تدريجيًا استسلموا لمرضٍ شديد طوال فترة المناظرة. وقد كان صوت باستور الاستثنائي الوحيد (والذي احتج على مصطلح البسْترة المستمد من لقبه) حيث قام بقطع أصبعه على منصة الإلقاء ورفض أن يقوم “ليستر” بمعالجة جرحه مما أدى لتفاقم المشكلة ليغادر الحياة لاحقاً تحت تأثير إصابته بغَنْغَرينَة (غرغرينا) المستشفيات.
لاحقًا مع ازدياد الوعي بالكائنات الدقيقة ترسّخ نهج “ليستر” في الجراحة شيئًا فشيئًا، حيث أدى تطبيق هذا النهج إلى انخفاض معدل الوفيات بعد العمليات الجراحية إلى نسبٍ كبيرة ليصبح التعقيم أحد ضروريات العمليات الجراحية، وليضيف “ليستر” بذلك إنجازًا مهمًا ليس للأمراض المنتقلة بالعدوى فحسب؛ بل للتقدم العلمي ككل أيضًا.
إعداد : مريم جمال.
تدقيق لغوي : فاطمة ططري.
تصميم : مي حسن.