أبو الطب العربي
أبو بكرٍ الرازي
جالينوس العرب
أعظم أطباء الإنسانية على الإطلاق
هي بعض الألقاب التي وصف بها أبو بكر الرازي.. فمن هو؟
ما مسيرته؟ وماذا فعل ليستحق هذه الألقاب؟
تابع معنا..
أبو بكر الرازي:
حياته ومسيرته العلمية:
هو الطبيب أبو بكر بن محمد بن زكريا الرازي؛ ولد عام 865 م (251 هـ) في مدينة الري في بلاد فارس وتوفي عام 925 م.
لم يكن الرازي طبيبًا عاديًّا وحسب، بل كان كيميائيًّا ومن أعظم أطباء المسلمين، وعُرِفَ في اللغة اللاتينية باسم Rhazes.
كانت بداية اهتماماته بالموسيقى ثم بدأ بدراسة الكيمياء والفلسفة؛ ولكنه أوقف تجارب الكيميائية وعمله في سن الثلاثين بسبب تهيج العين الذي أصابه خلال تعرضه لمركبات كيميائية مختلفة، ويعود الفضل له في اكتشاف الإيثانول وحمض الكبريت.
أما بالنسبة للطب، فقد تتلمذ على يد معلمه علي بن سهل ربان الطبري، وهو طبيب وفيلسوف يهودي عاش في ظل الحضارة الإسلامية، ثم اعتنق الإسلام في عهد الخليفة المعتصم الذي أحضره للخدمة في البلاط الملكي.
أصبح الرازي طبيبًا مشهورًا وفاق معلمه؛ وعرف بالكرم والإحسان تجاه مرضاه، ومعاملتِهم بطريقة إنسانية وإعطائِهم العلاج بدون ثمن.
عُيّن مديرًا لمستشفى الري، ووصلت شهرته إلى عاصمة العباسيين، واستدعاه الخليفة المكتفي بالله ليكون رئيسًا لأكبر مستشفى في بغداد.
بعد وفاة الخليفة المكتفي عام 907م، عاد الرازي أدراجه إلى مسقط رأسه ومدينته الري وكان مسؤولًا عن المستشفى هنالك، وكان لديه مدرسة طب يعلم فيها تلاميذه فنون العلاج.
عانى الرازي في سنواته الأخيرة من الإعتام في كلتا عينيه وأصبح كفيفاً وتوفي على الراجح عام 925 عن عمر يناهز الـ 60 سنة.
ما إنجازات الرازي؟
للرازي مساهمات عظيمة وفضل في علوم مختلفة، وإنجازات ستجعلك تظن أنه درس الطب في العصر الحديث لكثرتها، ثم عاد ليحسن الطب في عصره. وسنقف على بعض إنجازاته وأعماله الطبية:
• يُعزى للرازي طريقةٌ مبتكرةٌ في اختبار أماكن بناء المستشفيات الجديدة؛ عندما طلب منه رئيس وزراء المكتفي أن يبني مستشفى في المدينة. فوزع قطع لحم في مناطق مختلفة في المدينة واختار المكان الذي كان تعفن اللحم فيه أبطأ معللاً ذلك بأن الهواء أنظف وأكثر صحة.
• طوَّر العديد من الأدوات المستخدمة في الصيدليات كالهاون (mortar) والمدقة (pestle) والملوق (ملعقة الصيدلي: أداة شبيه بسكين عريضة النصل spatula) والقوارير الزجاجية وغيرها من الأدوات.
• ابتكر طرقًا حاذقة وذكية للتشخيص؛ فعلى سبيل المثال: قام بتشخيص داء السكري عن طريق الطلب من المريض المشتبه بإصابته بالتبول على الرمال وتركها، اجتمع النمل على البقعة بعد مدة، فإن المريض يعاني من داء السكري.
• ذكر أن الحمى عرض وليست مرض.
• استخدم مصطلح “الموت المفاجئ sudden death” باللغة العربية قبل 1000 عام، عندما لفت الانتباه إلى حقيقة أن القلب مسؤول عن الإغماء والموت المفاجئ قائلًا: ” يحدث الموت المفاجئ عندما يتقلص القلب ولا يسترخي”.
• له مساهمات علمية في علم الأعصاب والتشريح العصبي، منها:
ذكر أن الأعصاب لها وظائف حركية أو حسية. ووصف 7 أعصاب قحفية و31 عصبًا شوكيًّا، وقام بترقيم الأعصاب القحفية من العصب البصري إلى العصب تحت اللساني. وقام بتصنيف أعصاب العمود الفقري إلى 8 أعصاب رقبية و12 عصب صدري و5 قطنية و3 عجزية و3 عصعصية.
أظهر في تقارير حالاته السريرية وكتابه الحاوي قدرةً سريرية متميزة على تحديد مكان الآفات والتنبؤ بالإنذار، ووصف الخيارات العلاجية وتسجيل الملاحظات السريرية، مع تأكيده على العلاقة بين الموقع التشريحي للآفة والعلامات السريرية.
اعتُبر رائدًا في مجال علم التشريح العصبي التطبيقي. حيث جمع الرازي بين معرفته بالتشريح العصبي للحبل الشوكي والقحف والاستخدام الثاقب للمعلومات السريرية لتحديد موقع الآفات في الجهاز العصبي.
يُنسب إليه الفضل في أنه أول طبيب يحدد ويفصل الارتجاج بوضوح عن الحالات العصبية الأخرى المماثلة.
• اعتُبر الرازي رائدًا في مجال علاج الاضطرابات النفسية، حيث خصص قسمًا في مستشفى بغداد الرئيس للعلاج النفسي، وعامل مرضاه باحترام وتعاطف، وكجزء من التخريج من المستشفى كان المريض يعطى مبلغًا ماليًّا ليلبي احتياجاته، وهذا يُعتبر أول دليل مسجل للرعاية النفسية التالية للعلاج.
أما بالنسبة #لمؤلفاته النفيسة التي تركها إرثاً للبشرية:
فقد كتب الرازي أكثر من 224 كتاباً حول مواضيع مختلفة؛ وأثَّرت كتبه في الطب والفلسفة والكيمياء بشكل كبير على الحضارة الإنسانية، واعتبره بعض المؤلفين أعظم أطباء العرب المسلمين وأشهرهم لدى البشرية.
ومن أهم كتبه:
• الموسوعة الطبية المعروفة باسم الحاوي في الطب Liber Continens: يتألف من 22 مجلدًا، استعرض فيه الطب اليوناني والروماني، وملاحظاته السريرية والحالات التي درسها، وطرائق العلاج خلال سنوات ممارسته الطب. (ذكر مصدر آخر أنه جمع فيه الطب السرياني والعربي القديم وبعض المعلومات الطبية الهندية أيضاً). ويُعتقد أن طلابه قاموا بتجميعه بعد وفاته، عام 1279، وقد تُرجم على يد فرج بن سالم إلى اللاتينية.
• كتاب المنصوري في الطب: ألَّفه لحاكم الرِّيِّ أبي صالح المنصور بن إسحاق، والذي أصبح مشهور ومتداولًا في الغرب في القرن الثاني عشر الميلادي، بعد ترجمته إلى اللاتينية من قبل جيرارد كريمونا Gerard of Cremona.
• أطروحة سميت: كتابٌ عن الجُدَرِيِّ والحصبة:
وهو رسالة طبية تهتم بكل من المرضين وسنفرد لها مقال خاص بإذن الله تعالى.
ويوجد أيضاً كتب متعددة مثل كتاب يدعى “برء الساعة” وكتاب “من لا يحضره الطب” والتي كانت موجهةً لكل من الأطباء أو مبسطةً إلى العوام.
وختاماً:
تُظهر مقتطفاتٌ مترجمة من كتب الرازي أنه كان طبيبًا عظيمًا، يراقب ويجمع الأدلة ويقارن تجربته بتجربة زملائه والتجارب في الأدب الطبي في عصره، أي كتابات أبقراط وأرسطو وجالينوس. ويضع استنتاجاته الخاصة حول حالات طبية متنوعة، أي استخدم أحكامه وخبرته الطبية المدروسة في أعماله.
ولا يسعنا مقال واحد لنمنح هذا العالم المسلم العظيم حقه أو نناقش مساهماته في الفلسفة والكيمياء والطب؛ فقد استحق ألقابه بجدارة بما أفاد وأغدق به من علم على البشرية جمعاء.
ومما قيل فيه على لسان المؤرخ البريطاني إدوارد جرانفيل براون: قد يكون الرازي أعظم طبيب وأكثرهم أصالة، وواحدًا من أكثرهم إنتاجًا بالتأليف.
وأثنى عليه الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء الطبقة السابعة عشرقائلاً: “أبو بكر ، محمد بن زكريا الرازي الطبيب ، صاحب التصانيف، من أذكياء أهل زمانه، وكان كثير الأسفار ، وافر الحرمة ، صاحب مروءة وإيثار ورأفة بالمرضى، وكان واسع المعرفة، مُكبًّا على الاشتغال، مليح التأليف .. وله كتاب : الحاوي ثلاثون مجلدًا في الطب ، وكتاب : إن للعبد خالقا”. !!
رحم الله العالم الرازي ورحم جميع علماء المسلمين وغفر لهم.
إعداد ومراجعة:
د. أمامة بالي.
عبيد الله الصالحاني.
تقويم لغوي: عبد المجيد قدور.