لا بد أنك قد واجهت في حياتك نوعًا من الناس تراه دائمًا يشعر بالتفاؤل وأن الأمور كلها على خير، ليس عن إيمان ودراية كاملة بما يحيط به من مخاطر ثم أخذ بالأسباب وتوقع للأفضل، بل عن تجاهل لكل ما من شأنه أن يعكر مزاجه وأحلامه الوردية أو يجبره على التعامل مع وضع لا يرغب بمواجهته، كالذهاب إلى الطبيب للحصول على التشخيص اللازم لما يعانيه من أعراض قد تكون خطيرة، لأن عدم معرفته بمرضه الحقيقي يجعله أفضل! وكأنه يدفن رأسه في الرمال مثل النعام تجنبًا لمواجهة الخطر، الفعل الذي بإمكاننا تسميته «أثر النعامة». صاغَ هذا المصطلح عام 2003 «DAN GALAI» و«ORLY SADE» إشارةً إلى سلوك بعض المستثمرين في السوق المالي.
يمثل أثر النعامة (1) «The Ostrich Effect» حالة من الاهتمام الانتقائي بالمعلومات (2) «Selective Attention to Information»، حيث يقوم بعض الناس بتوجيه وعيهم إلى منبهات أو معلومات يرون أنها مهمة ويتجاهلون المنبهات التي يرون أنها غير مهمة.
يمكن تعريف مصطلح «أثر النعامة» بشكل عام بأنه تجنب التعرض لمعلومات يخشى المرء أنها قد تسبب له انزعاجًا نفسيًّا، فعند وجود أخبار أولية سيئة فإن الناس قد يختارون تجنب جمع معلومات إضافية، فهم يضعون رؤوسهم في الرمال لحماية أنفسهم من المزيد من الأخبار السيئة (نسبة إلى أسطورة أن النعام يدفن رأسه في الرمال عند الشعور بالخطر)، وعلى النقيض، عند وجود أخبار إيجابية، يسعى الأفراد إلى الحصول على معلومات إضافية.
ومن الناحية المالية، يمكن تعريفه بأنه «تجنب المواقف المالية الخطرة ظاهريًّا بالتظاهر بأنها غير موجودة»، فعندما ينخفض مؤشر السوق بشكل عام، قد يتوقع المستثمرون بشكل معقول أن تكون محافظهم الاستثمارية الشخصية قد انخفضت قيمتها؛ فيحجمون عن مراجعة المحفظة للتحقق من قيمة الأسهم التي فيها ريثما يأخذ السوق منحًى صاعدًا، ولكن يبقى من المحتمل وجود أسهمٍ ضمن المحفظة قد ارتفعت قيمتها رغم انخفاض السوق ككل.
ولكن رؤية المستثمرين لن تكون واحدة بالطبع، وتصرفاتهم ليست متجانسة؛ فيمكن توضيح «أثر النعامة» بأن المستثمرين يصيرون أقل ميلًا إلى مراجعة محافظهم الاستثمارية أثناء هبوط السوق أو ثباته، لكنه –المصطلح– لا يعني عدم وجود مستثمرين يراجعون محافظهم.
النتائج المترتبة على «أثر النعامة»:
1- قد يؤدي أثر النعامة إلى تحفيز عوائد متفاوتة على الاستثمارات السائلة وغير السائلة ذات الدخل الثابت؛ فمتوسط العوائد على الاستثمارات السائلة ذات الدخل الثابت (سندات الخزانة الحكومية) أعلى من متوسط العوائد على الاستثمارات غير السائلة ذات الدخل الثابت (شهادات الإيداع) بسبب أن المستثمرين أقل ميلًا إلى الانتباه للتقلبات اليومية في قيمة الاستثمارات غير السائلة.
2- من الشائع أن تقل السيولة في أثناء فترات الانكماش، ويتفق هذا مع تجاهل المستثمرين لمحافظهم الاستثمارية مؤقتًا في فترات الانكماش (لتجنب التعامل الذهني مع الخسائر المؤلمة)؛ ومن ثم عدم توفر السيولة. وخلال فترات انتعاش السوق يعمل أثر النعامة على تحسين السيولة مع متابعة المزيد من المستثمرين للسوق بنشاط.
3- يسبب أثر النعامة عواقب اجتماعية تؤثر في نقل المعلومات: تؤدي العوامل الاجتماعية دورًا حاسمًا في الأسواق المالية، إذ إن ضجيج الأسواق ذات الاتجاه الصاعد واهتمام جميع المستثمرين بالأخبار والمعلومات الجيدة سيسبب انتعاشًا في السوق. إذا لم ينتبه الناس للسوق عندما تهبط الأسعار، فإن هذا من شأنه أن يؤدي بسهولة إلى قمع هذا الانتقال للمعلومات، وتفاقم الركود، وإذا كان المستثمرون يتعقبون قيمة محافظهم الاستثمارية عندما ترتفع قيم السوق، فمن المرجح أن يؤدي هذا إلى تيسير التواصل بين الأشخاص وازدياد الارتدادات الإيجابية.
المصادر:
1- https://www.researchgate.net/publication/226770945_The_Ostrich_Effect_Selective_Attention_to_Information
2- https://www.simplypsychology.org/attention-models.html