يمكنك سماع المقال صوتيا على الرابط التالي:
وافقت إدارة الغذاء والدواء (FDA) الأمريكية مؤخرًا على علاج جديد يسمى “Zolgensma” ستقوم بإنتاجه شركة “Novartis” وهو مصمم لعلاج مرض ضمور العضلات الشوكي (Spinal Muscular Atrophy) عند الأطفال تحت عمر السنتين، ويعد هذا الدواء هو الأغلى في العالم حاليًّا بسعر يقارب 2.125 مليون دولار، عبر جرعة واحدة فقط يتم فيها ضخ هذا الدواء في جسم الطفل المصاب لمدة ساعة واحدة.
في الواقع، هنالك أدوية تفوق هذا السعر اذا ما حسبنا عدد الجرعات الواجب تلقيها شهريًّا أو سنويًّا مدى الحياة.
مرض ضمور العضلات الشوكي هو مرض جيني نادر يصيب واحدًا من ثمانية إلى عشرة آلاف شخص. يولد الطفل مصابًا إذا كان كلا الأبوين يحملان نسخة مصابة من الجين، مع العلم أن امتلاك نسخة واحدة مصابة من الجين لا تعطي أعراض هذا المرض، وبحالات نادرة جدًّا من ممكن أن يولد الطفل مصابًا نتيجة تلقيه لنسخة مصابة من أحد الأبوين بالإضافة لحدوث طفرة على النسخة الثانية أثناء تشكيل النطاف أو البيوض. وتشمل الأعراض ضعفًا بالساقين والذراعين ومشاكل بالحركة والجلوس والبلع والتنفس.
يحدث هذا المرض بشكل رئيسي نتيجة طفرة في الجين “SMN1” الموجود على الذراع الطويل من الصبغي الخامس، مؤدية بذلك إلى خلل في التعبير عن البروتين “SMN” الذي ينتمي لعائلة بروتينات تلعب دورًا هامًّا في صيانة الخلايا العصبية الحركية، الموجودة حول الحبل الشوكي أو المناطق الدماغية المتصلة به، والتي تقوم بإعطاء إشارات للعضلات الإرادية. بالتالي، فإن الخلل أو النقص في إنتاج هذا البروتين سيؤدي إلى موت الخلايا العصبية الحركية وبالتالي لن تصل الإشارات من الجهاز العصبي إلى العضلات وهذا سينتج عنه مشاكل في هذه العضلات وخلل في التحكم بها.
أما بالنسبة لآلية عمل هذا الدواء، فهو يعتمد على فيروسات تحتوي على نسخ سليمة من الجين SMN1 تقوم بإيصالها للخلايا واستبدال الجين الغير سليم، ومن ثم سيبدأ التعبير عن البروتين السابق ويتابع الطفل نموه وتطوره بشكل طبيعي. تكون نتائج العلاج أفضل إذا تم إعطاؤه قبل بلوغ ست أشهر من العمر، أما بعد ذلك، فسيحدّ العلاج من فقدان التحكم بالعضلات ولكن المريض سيعاني من أعراض أخرى.
لا شك أننا نعيش ثورة في العلوم الوراثية المختلفة بأصولها وفروعها العلمية بالترافق مع تطور مذهل ومتسارع لأدواتها وتقنياتها، ومن المتوقع أن يزيد عدد علاجات الأمراض النادرة إلى 60 دواء في السنوات الخمس القادمة.
ولكن من المهم أن ندرك أن قوة المعرفة العلمية والاستثمار في البحث العلمي هي أسلحة ستضع المجتهد فيها في كفة عليا تميزه عن ما يبقى في عالم الاستهلاك.
ولكن مع ذلك، فإن الوصول لعلاج لمرضٍ جيني مثل ضمور العضلات الشوكي هام جدًّا من الناحية العلمية، فهذا يعني أننا سنشهد في السنوات القادمة ثورة في إنتاج علاجات لأمراض مستعصية يتسبب بها جين واحد بآلية مشابهة لهذا المرض، و إذا كان اليوم بمليوني دولار فقد يكون شبه مجاني بعد ثلاثين عام.