التاريخ ليس الماضي فقط.. ولكنه قاعدة الحاضر.. وانعكاس الاثنين على المستقبل.
التاريخ نور…….. نعم نور.. هو ترجمان حال الأمة.. هو مرآة الأمم ولسان الشعوب.. هو الأداة الكبرى للتحكم بالحاضر وبناء المستقبل.
أهمية دراسة التاريخ تأتي بعد القرآن والسنة.. لكن الأمة أهملته بشكل كبير للأسف، أما إذا نظرنا إلى الغرب: فإن مَن يتخرج من جامعة أكسفورد وما يوازيها من الجامعات الكبرى بهذا التخصص : فإن لديه صلاحية اتخاذ القرارات السياسية واقتراحها لمصلحة أمته.. أما نحن للأسف: فلا زال الكثيرون يرونه بلا فائدة.. ولا يدركون أن بناء أي دولة وأمة يحتاج إلى دراسة التاريخ دراسة عميقة… نحتاج أن نقتدي بمن أفلح وأصلح وشارك في البناء من قبلنا.
من منا يعرف اليوم مثلا سيرة الخليفة عمر بن الخطاب في سياسة دولته وليس دسنه وعدله فقط ؟ (وقد تم اختياره الشخصية رقم 51 في كتاب العظماء المائة لمايكل هارت لما تميز به حكمه من تنظيم وإدارة !!) وكم منا سمع أو قرأ عن ألب أرسلان أو ابن تاشفين أو عبدالرحمن الناصر وكيف أسسوا دولهم ؟
إذاً… بدراستنا للتاريخ نعلم كيف يتم بناء الدول وكيف تنزوي وتضعف أو تزول، الذي يقرأ التاريخ لن يعيش في حيرة من الحاضر .. ولن يخاف من المستقبل.. حيث بإمكانه ساعتها النظر إلى التاريخ ومقارنته بالحاضر ليعمل للمستقبل..
1- نستطيع معرفة أمور الدين الصحيحة بعد القرآن والسنة بدراسة تاريخ الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين وتابعي التابعين وتعاملاتهم في الحرب والسلم وفي الوفاق وفي الخلاف. حيث استجدت أشياء وفرق ومذاهب لم يحدث مثلها وقت النبي وإن تنبأ بظهورها، فدراسة التاريخ دراسة متأنية وتخليصه من الروايات المكذوبة والموضوعة يعطينا رؤية أدق لما كان عليه السلف الصالح الذين نهضت الأمة على أكتافهم.
2- بدراستنا للتاريخ نعرف سنن التغيير التي لا يفلت منها أحد، نعرف سنن نهوض الأمم والدول وسنن سقوطها، سنن القوة وسنن الضعف، سنن النصر وسنن الهزيمة. فبدراستنا للتاريخ لن يكون المستقبل مجهولا.. بل نستطيع إدارة المواقف لننظر للحاضر كيف مر على الذين من قبلنا في ظروفهم التي تتكرر، وكيف نصنع مثلما صنعوا من النهوض في أحسن أحوالهم وأوقاتهم، وتجنب ما تجنبوه.. وهكذا نقوم بأمة لا تعرف الذل والهوان.
3- التاريخ له علاقة قوية بالقرآن الكريم لأنه مليء بالتطبيقات والإثباتات العملية على صدق ما أخبر به الله، فمثلاً عندما يأتي أحد أبناء الأمة ذو الإيمان والعقيدة الضعيفين ثم يقرأ قول الله تعالى: “كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله” سورة البقرة 249 – فإن نظرته لنفسه وقوة إيمانه وحسن توكله على الله بعد اتخاذه للأسباب التي في وسعه تتغير – وكذلك عندما ينظر إلى التاريخ أكثر ليرى كيف انتصر المسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على المشركين في غزوة بدر رغم قلة العدة والعتاد – وكذلك معركة اليرموك ومعركة اليمامة في زمن أبي بكر الصديق ومعركة القادسية في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما – وهكذا على مر التاريخ مثلما وقع مع طارق بن زياد في فتح الأندلس وصلاح الدين الأيوبي في حطين وقطز في مواجهة التتار – وكلها امثلة على أهمية الإيمان والعقيدة في تعويض الفارق الكبير أمام جيوش العدو الجرارة
4- رفع الروح المعنوية بين أبناء هذه الأمة من ذكور وإناث.. وذلك عندما نقدم لهم القدوات والأمثلة العملية وليس الخيالية، فمثلا تقول لهم كونوا مثل ذات النطاقين أو الخنساء أو خالد بن الوليد أو طارق بن زياد أو ابن النفيس أو الكندي أو الجزري وذكرهم بتاريخهم المجيد الذي يتم تشويهه وإبعادهم عنه عمدا
من منا يعلم أن أول مستشفى بني في العالم هو مستشفى إسلامي
أن أول جامعة بنيت في العالم هي المدرسة الإسلامية
أن العلوم الطبيعية في شكلها التجريبي الحديث مثل الكيمياء والجبر والميكانيك والتسيير الذاتي نهضت على أيدي المسلمين ومعها مئات الاختراعات والاكتشافات التي نعيش عليها إلى اليوم ؟ هذا غير المعاملات والاقتصاد وغيرها الكثير
ولكن للأسف وألف مليون أسف : الأمة أهملت تاريخها بشكل لا يوصف.. واستسلمت لمحاولات طمس هويتها في كل مكان اليوم، وذلك عندما يتم التقليل من شأن العظماء والإنجازات، ثم يتم إبراز رموز الغرب والشرق ولو كانوا لصوصا أو مجرمين فتقام لهم المتاحف والتماثيل ويتم تزوير ذاكرة أجيال كاملة على مرأى ومسمع من العالم ومنا !!
أمة لا تعرف تاريخها : لن تعيش حاضرها بسلام .. ولن تستطيع صياغة مستقبلها !!
(مقال مختار من #مشاركات_متابعينا للأستاذ أحمد عبد الكريم مختار Ahmad Abdulkarim Mukhtar)
.