هل تتذكر أول #مطعم خرجت إليه مع أصدقاءك؟ هل تذكر ماذا كنت ترتدي حينها أو ماذا كان يرتدي أصدقاؤك؟ هل تختلف الذاكرة التي خزنت المعلومة الأولى عن التي خزنت المعلومة الثانية!
نعم فالأولى للذاكرة الدلالية والثانية للذاكرة العرضية؛ وقد تحدثنا عن هذا سابقًا، وبدأنا بالحديث عن #الحصين وأهميته في تثبيت الذكريات؛ وسننقل اليوم لكم إحدى النظريات التي تفسر دوره في ذلك؛ تابعوا معنا 🙂
ذ
سنتناول في هذا المقال أهم #النظريات التي تناولت أهمية الحصين (hippocampus) في ترميز وتدعيم واسترجاع الذاكرة،
#أولًا: ظهرت أهمية الحصين في عمل الذاكرة عندما حدث فقدان ذاكرة لبعض المرضى الذين أُزيل أو تضرر هذا الجزء من الدماغ لهم كما في حالة المريض هنري مولاسون (اقرأ هذا المقال: muslims-res.com/ar/الحصين-والذاكرة-الصريحة.html )
ذ
#ثانيًا: ظهر اختصاص الحصين في تخزين أو استرجاع نوع من الذاكرة طويلة الأمد وهي الذاكرة الصريحة بخلاف الذاكرة الضمنية التي تتضمن المهارات الحركية والعادات وغيرها، وتنقسم الذاكرة الصريحة إلى قسمين:
الذاكرة #الدلالية (semantic memory): هي الذاكرة التي تُعنى بالمعاني والحقائق ولا تُعنى كثيرًا بالتفاصيل السياقية للمعنى الأساسي.
الذاكرة #العرضية (episodic memory): هي الذاكرة التي تُعنى بالتفاصيل السياقية للحدث أو للمعلومة الرئيسية.
مثال: عند تذكرك زيارتك الأولى لجامعة القاهرة -مثلًا- فإن ذلك يعد ذاكرة دلالية أما تذكرك للرداء الذي كنت تلبسه، وكم صديق ذهب معك، وماذا شربت داخل الجامعة؛ كل هذا يعد من التفاصيل السياقية التي تندرج ضمن الذاكرة العرضية.
#ثالثًا: أثر الذاكرة (memory trace): هو تغير افتراضي في الخلايا العصبية في الدماغ يحدث عندما تخزن ذاكرة جديدة. هنا
#رابعًا: الحصين كفهرس
#وضعت عدة نظريات لتصور وظيفة الحصين في تكوين واستدعاء الذاكرة العرضية والذاكرة الدلالية؛ نذكر أهمها وهي نظرية الأثر التنافسي (competitive trace theory)، وقد اعتمدت هذه النظرية على فكرة عمل الحصين كفهرس (نظرية فهرسة الذاكرة الحصيني) وتوضح هذه النظرية دور الحصين في ترميز واستدعاء الذاكرة.
طبقًا لهذه النظرية، فإنه عند ترميز أثر ذاكرة جديد (أي إضافة معلومة جديدة للذاكرة من الحواس) فإن المدخلات من مناطق القشرة الحسية تنشّط عددًا بسيطًا من مشابك الحصين العصبية والتي بدورها تنشّط شبكة عصبية في منطقة القشرة الحديثة.
ثم وأثناء تدعيم الذاكرة (كتكرار تلك المعلومة مثلًا بورودها من الأعضاء الحسية) يتم تقوية الترابطات بين الحصين والقشرة الحديثة مما ينتج عنه تجسيداً مادياً لما يسمى بأثر الذاكرة.
وأثناء استدعاء الذاكرة يلعب الحصين دورًا محوريًا أيضًا فإنَ تنشيط مجموعة فرعية صغيرة من مناطق القشرة الحديثة عند استدعاء الذاكرة يرسل إشارة للحصين ليعيد تمثيل النمط الكامل لأثر الذاكرة (وهذا يفسر كيف لتفصيلة صغيرة في إطار حدث معين قد يؤدي إلى تذكر أحداث أخرى لها علاقة بهذه التفصيلة الصغيرة)
مثال: عندما تسمع كلمة معينة قد تتذكر موقفًا آخر في فيلم -مثلًا- قيلت فيه نفس الكلمة، لذلك فإن الحصين لا يخزن المعلومات بداخله ولكنه يعمل كفهرس.
ولكي نبسط هذه الفكرة دعونا نتخيل القشرة الحديثة كمكتبة والذكريات بالكتب موزعة في أجنحة المكتبة، فعند استدعاء ذاكرة ما فمن الضروري أن تستدعي معلومات موضوعة في أجزاء مختلفة من المكتبة وهنا يأتي دور الحصين (أمين مكتبتنا الماهر) والذي يعرف من أين يأتي بهذه المعلومات وكيف يعيد تخزينها مرة أخرى.
بداية، يوجد تمييز مهم بين الذاكرة الدلالية والذاكرة العرضية اعتمدتْه هذه النظرية، وهو أن الذاكرة الدلالية تشير إلى #المعلومة الدقيقة التي تُدعم مع الوقت عبر التكرار الكثير، أي أنه مصطلح نسبي وليس مصطلحًا مطلقًا؛ بمعنى أن الذاكرة تكون عرضية أكثر عندما ترمز للمرة الأولى ثم مع التكرار والتنشيط المستمر تصبح أقل عرضية (أي أن التفاصيل السياقية التي كانت دقيقة وواضحة في أول مرة يختفي بعضها أو تستبدل بتفاصيل مشوشة) وتدعم التفاصيل الرئيسية للذاكرة وتقوى؛ أي أن الذاكرة مع الوقت تفرغ من التفاصيل السياقية. ولكن كيف يحدث هذا؟؟
تفترض #النظرية أنه عندما يعاد تنشيط الذاكرة بسبب عامل داخلي أو خارجي يعمل الحصين على إعادة تمثيل المسار العصبي لأثر الذاكرة الأول حيث يعيد دمج عناصر الذاكرة المختلفة بكفاءة، فيتم تنشيط المكونات الرئيسية للذاكرة وتتغير التفاصيل السياقية بالإضافة أو بالسلب؛ مما يؤدي إلى تكوين ذاكرة جديدة، تمر بنفس مراحل التخزين المعتادة، متفقة مع الذاكرة القديمة في التفاصيل الرئيسية ومختلفة عنها في بعض التفاصيل السياقية؛ فينشأ تنافس بين الذاكرتين القديمة والحديثة على إعادة تمثيلهما. ويؤدي هذا التنافس إلى أمرين:
#أولهما: تقوية الجزء المشترك بين الذاكرتين (التفاصيل الرئيسية للذاكرة) فيما يسمى بتدعيم الذاكرة؛ نتيجة الاستدعاء المتكرر لهذه المكونات الدلالية، ويؤدي زيادة الاتصال الترابطي بين هذه المكونات الدلالية في القشرة الحديثة إلى جعلها غير معتمدة على الحصين للتنسيق بينها عند إعادة استدعائها، بحيث لو تم إزالة الحصين فإنه يمكن استعادتها مرة أخرى كما في حالة (هنري مولاسون) التي تحدثنا عنها سابقًا هنا
#ثانيهما: تثبيط متبادل بين التفاصيل السياقية غير المتطابقة بين الذاكرتين القديمة والحديثة والتي تتنافس على التمثيل؛ مما يؤدي إلى تقليل احتمالية نجاح استدعائها أي أنّ هذه التفاصيل تختفي مع الوقت وتصبح الذاكرة أكثر دلالية.
يتضح مما سبق حل #المعضلة التي حيرت العلماء في حالة المريض (هنري مولاسون) الذي تم استئصال الحصين من دماغه: من عدم تمكنه من تكوين ذاكرة جديدة؛ لأن الحصين حيوي في تكوين أي ذاكرة صريحة جديدة، ومن فقدانه للذكريات القريبة التي سبقت العملية؛ لأنها كانت لاتزال معتمدة على الحصين ولم تقوى وتدعم بالقدر الكافي لاستدعائها بدون الحصين. وكذلك مِن تذكّره لبعض الذكريات البعيدة قبل العملية؛ لأنها تم تقويتها وتدعيمها بالقدر الكافي مع الوقت فأصبحت لا تعتمد على الحصين.
وختامًا: يمكن أن تفسر هذه النظرية كيف يحدث اللبس بين الآيات المتشابهة في القرآن عند الحافظ لها؛ فقد علمنا أن الحصين يعمل كفهرس وعند إثارة جزئية (الكلمة المتشابهة) يعمل الحصين على إيجاد أثر #الذاكرة المرتبطة بهذه الجزئية من المكتبة (القشرة الحديثة) وحينها يحدث تنافس بين أكثر من أثر للذاكرة (تكملة الآيات المتشابهة) فيفوز في هذا السباق عادةً أكثرها حفظًا أو تلاوةً.