حديثنا اليوم حول خبرٍ نشرتهُ إحدى الصفحات الناشرة للإلحاد والإباحية تحت ستارِ العلم، والذي كان مَفادُه كالآتي:
((دراسة حديثة تُبين أنّ الاشخاص الذين يتفوهون بالشتائم يملكون مهاراتٍ لغوية وذكاءً لفظياً أكبر ممن لا يشتمون…نشرت مجلة علوم اللغة Language Sciences دراسة بينت عدم ارتباط استخدام الالفاظ النابية بانعدام الطلاقة الشفوية بل العكس…يقول مُعِد الدراسة د”.تيموثي جاي” أن الطلاقة في استخدام كلمات السُباب أو ما يسمى بـِ Taboo أي الممنوعة؛ ترتبط بشكل قاطع مع الطلاقة اللفظية الإجمالية؛ ما يعني أنه كُلما كبر مقدار معرفة الشخص بكلمات منتمية لفئة ما، كبُر بالتالي مقدار معرفته شفوياً و لفظياً بكلماتٍ تنتمي لفئات أخرى))!!
و قد أرفقت الصفحة العربية المقصودة مصدرين أجنبيين يتكلمان عن نفس الدراسة التي نشرت في نوفمبر 2015. الرابط هنا
ولأهمية الموضوع وخطورته على حياة القارئ قمنا بمراجعة الدراسة والمصادر المرفقة فكانت المفاجأة ..!!
انحرافٌ وتدليسٌ واضح في الترجمة، ولكي تفهم التدليس سنعطيك أولاً الفكرة الحقيقية من الدراسة:
إذ أوضحت الدراسة أن هناك فرضيتان عمّن يشتمون ويتفوهون بالألفاظ النابية: هنا
الأولى: أنهم لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بألفاظ أخرى؛ أي عندهم فَقر في قاموس تعبيراتهم اللغوية (poverty-of-vocabulary)
والثانية: أن الأمر لا علاقة لهُ بِفَقر التعبير اللغوي، بل إن الشخصَ أصلاً لهُ طلاقةٌ في التعبير؛ سواء في الشتائم أو غير الشتائم (Fluency is fluency).
أي أن الشخص إذا كان له طلاقة في الألفاظ النابية فهذا يعني أن له طلاقة في تعبيراته اللغوية عموماً، وأساساً قدرته التعبيرية جيدّة في كلّ المواضيع.
(ولا يعني هذا بأي شكلٍ من الأشكال أن من يشتم طلاقته اللغوية أكبر ممن لا يشتم، فلا ندري كيف استنتجت تلك الصفحة ذلك!)
بل إن الدراسة أشارت إلى وجود صفات سلبية مُميِزة للشخصية المتلفظة بالألفاظ النابية (البذيئة)؛ حسب اختبار Big Five personality test؛ وهو اختبارُ شخصيةٍ معروفٌ في علمِ النفس، وهذه الصفات للبذيء هي:
1- العُصابية Neuroticism: أي سهولةُ الوقوعِ فريسةً للمشاعر السلبية كالغضب والقلق والكابة و الضَعف.
2- الانفتاح Openness: كتقدير الأفكار غير العادية والمغامرة.
3- تتناسب شخصية البذيء عكسياً مع صفة الضمير Conscientiousness؛ كأن يكون مُهمِلاً وسهلَ الانقيادِ وغير مُنجزٍ ولا يُعتمَد عليه.
4- تتناسب شخصية البذيء عكسياً مع صفة القبول Agreeableness؛ كأن يكون شكّاكاً ومُعاديَّاً للاخرين. هنا
فهل هذا ما كانت عليه الترجمة العربية للدراسة من قِبل تلك الصفحة؟؟ في الحقيقة كلا..!!
لم تذكر الصفات الشخصية للبذيء أبداً (ربما حدث هذا سهواً ! لكنّ الموضوع مُهم ويستدعي التأكد!) .. لكنّ المُضحك المُبكي هنا: هو الغلطة التي لا تغتفر لأي باحثٍ علميّ حقيقي؛ وهي ترجمةُ وفَهمُ عبارة:
“Taboo or ‘swear word’ fluency is (positively correlated) with overall verbal fluency.
positively correlated هو مصطلح يُستخدم في إحصاءات الدراسات ومعناه هو (العلاقة الطردية) فإحصائياً قد تكون هناك علاقةٌ طردية بين شيئين؛ أي يزيد أحدهما بزيادة الآخر، أو علاقة عكسية Negative Correlation، أو لا يوجد علاقة اصلاً.
المصدر: هنا
فالترجمة المطلوبة هنا هي الترجمة (العلمية) إلى اللغة العربية وليس الترجمة (الحرفية) لكلمة positively والتي ترجمها فقيرُ العلم والأدب إلى (بشكل قاطع) فجعل عبارته
( …السُباب أو ما يسمى بـِ Taboo -أي الممنوعة- ترتبط ((بشكل قاطع)) مع الطلاقة اللفظية الإجمالية)
في حين أن الترجمة الصحيحة هي:
(… السُباب أو ما يسمى بـِ Taboo -أي الممنوعة- ترتبط ((بشكل طرديّ)) مع الطلاقة اللفظية الإجمالية)
كما ترون؛ تمَّ تحريفُ المعنى تماماً، وتمَّ استغفال بعض القرّاء، وتوليدُ (خرافةٍ جديدةٍ باسم العلم) !
و نشير أخيراً إلى نقطة مهمة وهي: أنّ مُعامل تأثير المجلة الناشرة للدراسة Language Sciences
هو ضعيف 0,79 خصوصاً بالمقارنة مع مجلاتٍ متخصصةٍ في علوم اللُّغة موجودة على الساحة وبمعامل تأاثير يتجاوز الـ 3.
المصدر: 1 2
– لذلك أيها القارئ العربي…تحقق من المصدر دائماً!
.