إعادةُ تقويم العملة (Redenomination)
تُعد عمليةُ إعادة تقويمِ العملة واحدةً من طرق الإصلاحِ النقديّ، والتي تشير إلى تغيير القيمة الاسمية للأوراق النقدية والعملات في التّداول، ويتم من خلالها تخفيضُ جميع الأسعارِ في الاقتصادِ بنفسِ القيمة، وعادةً ما تكونُ هذه العمليةُ مصحوبةً بخَتم الأوراقِ النقديّة القديمةِ المُتداوَلة، وإصدارِ أوراقٍ نقديّةٍ جديدة، ويتحققُ ذلك – غالباً- عن طريق إزالةِ الأصفارِ من العملة، أو نقلِ بعضِ المراتب العشريةِ إلى اليسار، وتكون إعادةُ التقويم بعد التّضخُّمِ المفرط عندما يتأثر الاقتصادُ بشكلٍ خطيرٍ بـ«الدَّولرة»، ويريد البنك المركزيُّ السيطرةَ على الوضعِ بشكلٍ جديّ.
إنّ عمليةَ تقويمِ العملةِ لا يوجد لها آثارٌ اقتصاديةٌ حقيقية؛ لأن التقويمَ لن يزيدَ الناتجَ المحليَّ الإجماليَّ، والذي يُعد المعيارَ المُستخدَم لقياسِ إنتاجِ السلع والخدماتِ في البلدان.
يمكن الإشارةُ إلى بعضِ فوائدِ وأهدافِ إعادة تقويم العملة، ومنها: إعادةُ الثقة للعملة في الداخل والخارج، وتسهيلُ حَملها، وتبسيطُ عملية التبادل بين المواطنين وغيرهم، وإزالةُ آثارِ التضخم، وتسهيلُ عملية تحويلِ العملةِ إلى العملاتِ الأخرى، وتسهيلُ الاندماجِ مع الأسواقِ العالمية، كما تساهم في حصول العملةِ الوطنيّة على قوّتها القانونية.
يوجد عددٌ من الآثارِ السلبيةِ التي يتحملها الاقتصادُ، والتي يوجهها المعترضون على إعادةِ تقويمِ العملة، مثل:
– ارتفاع التكاليفِ الناجمةِ عن طباعةِ الأوراقِ النقديّة الجديدة.
– الزيادة المؤقتة في الأسعار، المترتبة على التكيُّف مع الوضعِ أو النظامِ الجديد، والتي قد تصبح زيادة مستمرة ودائمة.
– التكاليف المترتبة على إتلاف العملاتِ الورقيَّة والمعدنيَّة القديمة.
وإن عملية حذف الاصفار في ظل وجود الفساد الماليِّ والإداريِّ تؤدي إلى آثارٍ ونتائجَ سلبية، بالإضافة إلى مشاكلِ التعبير عن القيمةِ الاسميةِ للسلع والخدمات، ومشاكلِ المحاسبة، ومشاكل مع المؤشراتِ الإحصائيّة، ومشاكل في التعامل مع البرمجيات وأنظمة الدفع للبنوك، وما إلى ذلك. ويمكن النظر إلى إعادة التقويم كخطوةٍ تضع اللمساتِ الأخيرةَ على جهود السُّلطاتِ المركزيَّة لتحقيقِ الاستقرارِ؛ لنموِّ الأسعارِ في الاقتصاد.
إعادة التقويم في التطبيق- حالة تركيا نموذجاً:
طُبِّقت عمليةُ إعادةِ التشكيل، بوصفِها عمليةً ساعدت على انخفاضِ القيمةِ الاسميَّة للعملةِ في حوالي (50) بلداً، وقد استُخدمت عادةً كواحدةٍ من خطواتِ تحقيقِ الاستقرار، على سبيلِ المثال: تمت إعادة التقويم في بولندا وبلغاريا بعد نجاحٍ مُقنِع من برامجها المُتَّبَعةِ لتحقيقِ الاستقرار، وكانت تركيا من أهمّ البلدان التي استخدمت إعادةَ تقويمِ العملة، وكانت قد عانت من ارتفاعِ معدلات التّضخُّم بشكلٍ مستمرٍ خلال العقودِ الثلاثةِ الأخيرةِ من القرن العشرين، جلبت التكاليفَ الاقتصاديةَ وعدمَ الراحةِ لرعايا السوق؛ فقررت السلطاتُ المركزيَّةُ الرَّدَ من خلال إعادةِ تشكيلِ الليرة (قطع ستة أصفار) في بداية عام (2005 م)، بعد النظرِ في إعادةِ التقويم في عام (1998 م)، ولكنّ التضخمَ كان لا يزال في ارتفاعٍ ذلك الوقت.
أصدر البرلمانُ في نهايةِ المطاف قانوناً مكّن من إزالةِ ستة أصفارٍ من العملة، وخَلْقِ عملةٍ جديدة (هي الليرة التركية الجديدة) في كانون الأول (ديسمبر) 2003، وقد جرت إعادةُ التقويمِ في الأول من كانون الثاني (يناير) 2005، فتم تحديدُ سعر الصَّرف على أن كلَّ ليرة جديدة تقابل مليون ليرة تركية قديمة. وفي الوقت نفسه، صدرت أوراقٌ نقديّةٌ جديدة، وظلّت العملةُ القديمةُ متداولةً حتى نهاية عام (2005 م).
كان هناك فترةٌ انتقاليةٌ حتى نهايةِ عام (2008 م). في الأول من كانون الثاني (يناير) 2009، تمت إزالةُ مصطلح «الجديد» من الاسم الرسمي للعملة، وعاد الاسم إلى الليرة التركية، وكانت نتائجُ إعادةِ التشكيل واضحةً؛ فقد زادت مصداقيةُ العملة، وتم تبسيطُ البيانات المحاسبية، وكان التعامل مع العملة عموماً أسهلَ بالنسبة لجميع رعايا السوق، وأصبحت القيمةُ الاسميةُ للعملةِ الجديدةِ قابلةً للمقارنةِ مع العملاتِ الأخرى: فأصبح اليورو يعادل (1.6361) ليرة تركية، والدولار (1.3448) ليرة تركية. وبعد إعادة التقويم، أصبح التّضخُّمُ في تركيا ضمن خانةٍ عشريةٍ مفردة أو قريباً من هذه القيمة.