اضغط على الرابط التالي للاستماع للمقال الصوتي:
مَنْ منَّا لم يشاهدْ تلك المخلوقاتِ الصَّغيرةِ والتي تصطفُّ واحدةً تِلوَ الأخرى في خطوطِ سيرٍ محدَّدةٍ؟
كان العلماءُ لعقودٍ من الزَّمنِ يعتقدونَ أنَّ تلكَ الظَّاهرةَ هيَ عمليةُ التواصلِ الأساسيةُ بينَ تلكَ الحشراتِ. وتفسيرُها يعودُ إلى إفرازِ الفرموناتِ وهي مادةٌ يفرزُها النَّملُ لمعرفةِ مواقعِ الأعشاشِ، كما تعطي معلوماتِ تواصلٍ بينَها عنْ طريقِ هذهِ المادَّةِ. لكنَّ دراسةً نُشِرَتْ في مجلةِ Current Biology أوضحتْ أنَّ النملَ يستطيعُ التواصلَ عبرَ الصوتِ، وأنَّ هذا التواصلَ هو أمرٌ ضروريٌّ لبقائِهِ.
يقولُ عالمُ الحشراتِ بجامعةِ نيو أورليانزِ والذي لمْ يشاركْ في الدراسةِ فيل دفريز “إنَّ الشيءَ الرائعَ في هذهِ الورقةِ أنَّ الباحثينَ يُظهرونَ وللمرَّةِ الأولى أنَّ الشرانقَ تصنعُ نوعّا منَ الصوتِ”. (الشرنقةُ مصطلحٌ يُطلقُ على الحشرةِ التي تكونُ في مرحلةٍ انتقاليةٍ بينَ طورِ اليرقةِ والحشرةِ البالغةِ).
على أيِّ حالٍ، منذُ عدَّةِ سنواتٍ بدأَ الباحثونَ يُلاحظونَ أنَّ الحشراتِ البالغةَ في بعضِ أجناسِ النَّملِ تُصدرُ ضجيجاً (على سبيلِ المثالِ جنسَ ال Myrmica) والذي يضمُّ مئتي نوعٍ وُجدَتْ مُنتشرةً في أوربا وآسيا. تمتلكُ هذهِ الأنواعُ منَ النَّملِ على بُطُونِها نُتُوءاً مُتَخَصِّصَاً specilizied spike تستخدمُهُ للطُّرقِ على أحدِ أرجُلِها الخلفيةِ بشكلٍ مشابهٍ عندَما تُجرُّ أسنانُ المشطِ على طولِ حافَّةِ الطاولةِ. ويبدو أنَّ الدراساتِ الأوَّليَّةَ تكشفُ أنَّ الضجيجَ يوفِّرُ بشكلٍ أساسيٍّ إشارةَ طوارئٍ، سامحةً للنَّملِ بالصُراخِ لطلبِ المساعدةِ عندَما تُهدَّدُ منْ مُفترسٍ.
تحتوي اليرقاتُ و الشَّرانقُ الصغيرةُ هياكلَ خارجيةً طريةً، والذي يعني أنَّ ذلكَ النتوءَ ليسَ مُتشكِّلاً إلى حدِّ تلكَ المرحلةِ التي يمكِّنُهُ إصدارَ الصوتِ . وفي المقابلِ نجدُ أنَّ غطاءَ الشرنقةِ الناضجةِ يُقَوَّى بهيكلٍ خارجيٍ صلبٍ، والذي يكونُ مشابِهاً لمَا في النَّملِ البالغِ. وتملكُ تلكَ الشرانقُ الناضجةُ نتوءاتٍ وظيفيةٍ بشكلٍ تامٍّ، لكنْ اُعْتِقَدَ سابقاً أنَّها لا تُصدرُ صوتًا.
الشرنقةُ الناضجةُ تصدرُ نبضاتِ أصواتٍ!
يعتقدُ عالمُ الحشراتِ في مركزِ علمِ البيئةِ والهيدرولوجيا_علمَ المياهِ_في المملكةِ المتحدةِ الدكتورُ كارستينُ سكونروغٍ Karsten Schönrogge أنَّهُ منَ الغريبِ أنَّ الشرنقةَ الناضجةَ لها القدرةُ على إنتاجِ الصوتِ ولكنَّها تبقى صامتةً. لذا استمعَ هوَ وزملاؤُهُ إلى مجموعةِ نملٍ منْ نوعِ الMyrmica Scabrinodis الذي يتميَّزُ بطولٍ يصلُ منْ أربعَ إلى خمسِ مليمتراتٍ، معَ لونٍ بنيٍّ مُحمرٍّ والذي ينتشرُ في شمالِ أوربا في المناطقِ المنخفضةِ مثلَ المستنقعاتِ. قامَ الباحثونَ وباستخدامِ لاقطٍ صوتيٍّ (مايكروفون) حساسٍ للغايةِ للأشاراتِ الصوتيةِ الواهيةِ، بقياسِ أصواتٍ أُنْتِجَتْ من عشرةِ يرقاتٍ و ستِّ شرنقاتٍ غيرِ ناضجةٍ و ستِّ شرنقاتٍ ناضجاتٍ كلِّها منْ نوعِ M. scabrinodis المذكورِ آنفاً.
تُشيرُ النتائجُ إلى أنَّ اليرقاتِ و الشرانقَ غيرَ الناضجةِ كانتْ صامتةً كلِّياً بينَما كانتِ الشرانقُ الناضجاتُ تُنتجُ نبضاتِ صوتٍ موجزةً. كما أظهرَ تحليلٌ إضافيٌّ حولَ هذهِ الضجَّةِ أنَّها كانتْ نسخةً مُبسَّطةً منْ صوتِ النَّملِ البالغِ الأكثرِ تعقيداً. وكما لوْ كانتْ تلكَ الشرانقُ الناضجةُ تقولُ :ساعدونا! ،بينَما الحشراتُ البالغةُ تقولُ “مهلاً، أنا هنا! منْ فضلِكَ تعالَ وساعدْنِي! أنا صديقُك!”
وظيفةُ هذهِ الضجةِ
لاختبارِ وظيفةِ هذهِ الضجةِ الصادرةِ منَ الشرانقِ النَّاضجةِ ، قامَ الباحثونَ في البدايةِ بتسجيلِ أصواتٍ صُنعَتْ منْ قِبَلِ النَّمل البالغِ و الشرانقِ النَّاضجةِ والتي كانتْ تحتَ حالةٍ معيَّنةٍ ثُمَّ عُرضَتْ تلكَ التسجيلاتُ على عاملاتِ النَّملِ . وقدْ كانتْ استجابةُ العاملاتِ لا تختلفُ في كِلا التَّسْجيلينِ (الصادرةِ منَ الشرانقِ النَّاضجةِ أوِ الصادرِ مِنْ النَّملِ البالغِ) .
هذهِ السلوكياتُ المتمثلةُ بتتبُّعِ مصدرِ الصوتِ، و بمحاولةِ عاملاتِ النَّملِ حمايةِ أصحابِها، تُشيرُ إلى أنَّ الاتصالَ الصوتيَّ وفَّرَ نداءَ مساعدةٍ في كلٍّ منَ الشرانقِ الناضجاتِ والنَّملِ البالغِ و لكنَّ هذهِ الاستجابةَ لمْ تحدثْ عندَما كانَ مصدرُ الصوتِ منَ الشرانقِ غيرِ النَّاضجةِ (الشرانقَ البيضاءَ) . كما وعملَ الباحثونَ على إزالةِ تلكَ البروزاتِ المُتخصِّصَةِ منْ شرانقَ ناضجةٍ ثُمَّ وُضِعَتْ معَ شرانقَ غيرِ ناضجةٍ و يرقاتٍ تحتَ ظروفٍ معيَّنةٍ. أشارتْ تجربتُهُمْ في النِّهايةِ أنَّ عاملاتِ النَّملِ قدْ أَنقذتِ الشرانقَ الناضجةَ التي كانتْ تحوي البروزَ المُتخَصِّصَ ثُمَّ الشرانقَ غيرَ النَّاضجةِ ثُمَّ اليرقاتِ بالترتيبِ بينَما أُهملتِ الشرانقُ الصامتةُ (أي التي فقدتْ بروزَها المُتخَصِّصَ) وكأنَّها غيرُ موجودةٍ.
يقولُ سكونروغُ ” هنالكَ معلومةٌ معقَّدةٌ في تلكَ الإشاراتِ وأنَّ ربْطَها معَ الإشاراتِ الكيميائيةِ توفِّرُ مجموعةً منَ المعلوماتِ حولَ الفردِ.”
الجديرُ بالذكرِ أنَّ الاتصالَ الصوتيُّ رُبَّما يُعدُّ مهماً بشكلٍ خاصٍّ في الشرانقِ النَّاضجةِ لأنَّها لا تستطيعُ إنتاجَ المجموعةِ الكاملةِ منَ الفرمونِ المُنتَجِ منْ قِبَلِ النَّملِ البالغِ وكذلكَ لاتستطيعُ الشمَّ وتتصرفُ مثلَ اليرقاتِ. غيرَ أنَّ ذلكَ لا يُلغِي أهمِّيَةَ التواصلِ الكيميائيِّ في النَّملِ.