اتصالات الألياف الضوئية Optical Fiber Communication
تصنف الاتصالات حسب وسيلة نقل البيانات (transmission media) إلى اتصالات سلكية واتصالات لاسلكية. في الاتصالات اللاسلكية يتم استخدام الموجات الكهرومغناطيسية المبثوثة من الهوائي في الهواء لنقل المعلومات من المرسل إلى المستقبل. أما في الاتصالات السلكية, يتم نقل البيانات داخل أسلاك تربط بين الأجهزة, قد تكون هذه الأسلاك نحاسية مثل السلك المحوري (coaxial cable) أو السلك المزدوج المجدول (twisted pair cable) , حيث تنتقل الإشارات داخلها من المرسل إلى المستقبل على شكل تيار كهربائي. وقد تكون الأسلاك على شكل شعيرات زجاجية رفيعة تسمى بالألياف الضوئية تعمل على نقل البيانات من المرسل إلى المستقبل على شكل أشعة ضوئية. سنتعرف في هذا المقال على اتصالات الألياف الضوئية, وكيف يمكن لشعاع الضوء أن يسري داخل الشعيرة الزجاجية ويبقى محصورا فيها من دون أن يتسرب إلى خارجها.
أدى اختراع الليزر عام 1960 إلى تطور كبير في تكنولوجيا الاتصالات الضوئية. حيث يمثل الليزر مصدر ذو نطاق ضيق من الأطوال الموجية للإشعاع الضوئي مما يجعله ملائما لاستخدامه كناقل (carrier) للمعلومات في هذا النوع من الاتصالات. استخدام الليزر في الاتصالات الضوئية يماثل استخدام الترددات الراديوية في الاتصالات اللاسلكية الالكترونية. بعد اختراع الليزر تم تطوير أنظمة الاتصالات الضوئية, حيث كان يتم الاتصال عن طريق أشعة ضوئية تنتقل عبر الجو (unguided) من الجهاز المرسل إلى المستقبل. ومن سلبيات هذا النظام أنه يتطلب أن يكون المرسل والمستقبل متقابلان على خط واحد (line of sight), وبمجرد وجود أي عائق بينهما لن يتم الاتصال. وللتغلب على سلبيات هذا النظام, تم تطوير أنظمة اتصالات ضوئية تقوم بتوجيه الشعاع الضوئي خلال شعيرات رفيعة تسمى الألياف الضوئية تربط بين المرسل والمستقبل. في عام 1970 تم تطوير ألياف ضوئية ذو فقد قليل وأصبحت الاتصالات عبر الألياف الضوئية عملية وذو كفاءة عالية.
الضوء عبارة موجات كهرومغناطسية ذات ترددات عالية ( تيراهيرتز ), مما يعمل على توفير نطاق ترددات واسع (Bandwidth) يؤدي إلى تحسين سرعة الاتصال ويزيد من معدل نقل البيانات. وتتميز اتصالات الألياف الضوئية بالقدرة على نقل الضوء إلى مسافات طويلة وبفقد قليل مما يحسن من جودة الإشارة عند وصولها للمستقبل, لذلك يتم الاعتماد على هذا النوع من الاتصالات عند الحاجة إلى التوصيل سلكيا بين طرفين تفصل بينهما مسافات كبيرة (مثلا التوصيل بين القارات عبر المحيطات). وتوفر الألياف الضوئية اتصالاً بأمان عالي, حيث يصعب اختراق هذا النوع من الاتصالات أو التشويش عليه. وتتميز الألياف الضوئية على الأسلاك النحاسية بأن سرعة الضوء أكبر من سرعة حركة الالكترونات داخل الأسلاك النحاسية, بالإضافة إلى أن الفقد الحاصل في الألياف الضوئية أقل بكثير من الفقد الحاصل في الأسلاك النحاسية.
يتكون نظام اتصالات الألياف الضوئية من ثلاثة عناصر أساسية; المرسل والمستقبل والليف الضوئي. يحتوي المرسل على ليزر يقوم بتحويل الإشارات الكهربائية إلى ضوء يتم توجيهه داخل الليف حتى يصل للمستقبل. ويحتوي المستقبل على photodetector يقوم بتحويل الضوء إلى إشارات كهربائية. يتكون الليف الضوئي من طبقتين عازلتين شفافتين مصنوعتان من الزجاج عادةً هما الطبقة الخارجية(cladding) , والطبقة الداخلية (core) والتي يتم توجيه الضوء داخلها. ولكن كيف يمكن للضوء أن يبقي محصورا داخل الطبقة الداخلية؟
تعد كمية الضوء المنعكسة عند اصطدامه بحد فاصل بين وسطين عازلين شفافين من الأمور المهمة في تصميم الألياف الضوئية. يصطدم الضوء عند انتقاله عبر الألياف الضوئية بثلاثة حدود فاصلة بين وسطين مختلفين:
1) الحد الفاصل بين الهواء و الزجاج, حيث ينتقل الضوء من المصدر إلى داخل الليف.
2) الحد الفاصل بين الطبقة الداخلية والطبقة الخارجية لليف.
3) الحد الفاصل بين الزجاج والهواء عند خروج الضوء من الليف لينتقل إلى المستقبل.
توضح الصورة 2 الحدود الثلاثة التي ذكرناها.
عند الحد 1,3, يجب أن يكون الانعكاس عند اصطدام الضوء بالحد الفاصل بين السطحين أقل ما يمكن ليحدث أكبر انتقال للضوء والطاقة من المصدر إلى الليف ومن الليف إلى المستقبل (full transmission). أما عند الحد 2 يجب أن يكون الانعكاس أكبر ما يمكن حتى نحافظ على انتقال الضوء عبر الليف وبقائه محصورا فيه حتى يستطيع الوصول إلى المستقبل بأكبر طاقة ممكنة.
كمية الضوء المنعكسة عند اصطدام الضوء بحد بين وسطين تعتمد على زاوية سقوط الضوء وعلى استقطاب المجال الكهربائي بالنسبة إلى مستوى السقوط, وتعتمد على مقدار معامل الانكسار refractive index(n) لكل من الوسطين اللذين ينتقل بينهما الضوء والذي يعتمد على كثافة المادة لكل وسط.
critical angle reflection انعكاس الزاوية الحرجة
يوجد قيمة معينة لزاوية السقوط تسمى الزاوية الحرجة للانعكاس, في حال سقوط الضوء عند هذه الزاوية أو عند زاوية أكبر منها; يحدث انعكاس كلي للضوء عن السطح الذي سقط عليه. تعطى هذه الزاوية بالعلاقة (sinƟc=n2\n1), وتحدث فقط في حالة كان معامل الانكسار n1 أكبر من n2, حيث يصطدم الضوء بحد يفصل بين وسط ذو معامل انكسار عالي (الوسط الحالي الذي يسري فيه الضوء) ووسط ذو معامل انكسار أقل, صورة 4.
يبقى شعاع الضوء محصور داخل الطبقة الداخلية (core) بواسطة الانعكاس الكلي الداخلي (total internal reflection) والذي يحدث عندما يكون معامل الانكسار للطبقة الخارجية (n2) أقل من معامل الانكسار للطبقة الداخلية (n1) بالإضافة إلى سقوط الضوء على الحد الفاصل بينهما بزاوية أكبر من أو تساوي الزاوية الحرجة. وبذلك يستطيع الضوء أن يسري داخل الطبقة الداخلية دون أن يتسرب أي جزء منه إلى الطبقة الخارجية (Cladding). توضح صورة 3 الضوء محصورا داخل الطبقة الداخلية وعدم تسربه إلى الطبقة الخارجية.
صورة (3) صورة (4)
يتم تصنيف الألياف الضوئية إلى نوعين رئيسيين من حيث قيمة معامل الانكسار للطبقة الداخلية:
Step index fiber (1
في هذا النوع تمتلك الطبقة الداخلية معامل انكسار ثابت n1 على طول نصف قطرها, وطبقة خارجية لها معامل انكسار n2. تصنع الطبقة الداخلية من زجاج والطبقة الخارجية تصنع من زجاج ذو معامل انكسار أقل لتحقيق الانعكاس الكلي الداخلي للحفاظ على الضوء محصورا داخل الطبقة الداخلية.
Graded index fiber (2
في هذا النوع تمتلك الطبقة الداخلية معامل انكسار تقل قيمته تدريجيا مع الابتعاد عن المركز. حيث يمتلك أعلى قيمة لمعامل الانكسار في المركز ثم تتناقص تدريجيا مع الابتعاد عن المركز.
توضح الصورة 5 هذين النوعين, توضح الصورة 6 المسار الذي يتخذه الضوء داخل الطبقة الداخلية في حالة كان الليف من النوع الأول أو من النوع الثاني.
صورة (5)
صورة (6)
المواد التي تصنع منها الألياف الضوئية يتم اختيارها بحيث تكون ذو فقد قليل (low loss) بالإضافة إلى القدرة على تصنيعها على شكل شعيرات رفيعة وطويلة. يمكن صناعة الألياف من الزجاج أو البلاستيك, لكن الألياف الزجاجية تكون ذو فقد وامتصاص أقل, لذلك يفضل استخدام الزجاج على البلاستيك في الألياف الضوئية خصوصا للاتصالات التي تحتاج مسافات طويلة لتمديد أسلاك الألياف الضوئية.
تتم صناعة الزجاج عن طريق صهر جزيئات السيليكا(SiO2). ونستطيع تغيير معامل الانكسار للزجاج عن طريق إضافة مواد أخرى أثناء صهر السيليكا (إضافة شوائب). يمكن استخدام شوائب مثل التيتانيوم, الثاليوم, الجرمانيوم, البورون. مثلا الجرمانيوم يعمل على زيادة معامل الانكسار للزجاج, لذلك يستخدم عادة في تشويب مادة الطبقة الداخلية ليصبح معامل انكساره أعلى من الطبقة الخارجية لتحقيق الانعكاس الكلي الداخلي.
يمكن تصنيف الفقد الحاصل في الألياف الزجاجية إلى ثلاثة أنواع: الامتصاص absorption , التشتت scattering , تأثيرات هندسية geometric effects .
يحدث في الزجاج امتصاص لطاقة الضوء, وهذا الامتصاص يعتبر خاصية طبيعية من الزجاج نفسه مهما كان الزجاج نقيا. ويكون الامتصاص عالي عند الأطوال الموجية القصيرة القريبة من الأشعة الفوق بنفسجية, وأيضا يحدث امتصاص عالي عند منطقة الأشعة تحت الحمراء بين الأطوال الموجية (7-12) ميكرومتر. لذلك يتم عادة تجنب استخدام هذه الأطوال الموجية في اتصالات الألياف الضوئية.
تتحرك الجزيئات بشكل عشوائي أثناء تصنيع الزجاج عندما يكون في حالة مصهورة, وعند تبريده وتجمده , قد تترتب الجزيئات بكثافة غير متساوية من مكان إلى آخر خلال الزجاج مما يعني اختلاف في قيمة معامل الانكسار من منطقة إلى أخرى خلال الزجاج نفسه. ويكون هذا الاختلاف على شكل جسيمات صغيرة مشتتة ضمن مادة متجانسة. يكون حجم هذه الجسيمات عادة أصغر بكثير من الطول الموجي للضوء. مرور الضوء خلال بنية كهذه يؤدي إلى تشتت طاقته بواسطة هذه الجسيمات في حال كان حجمها أصغر من الطول الموجي للضوء المستخدم كما هو موضح في صورة 7.
صورة (7)
تتصف شعيرات الألياف الضوئية بمرونتها, فهي لا تنكسر عند ثنيها إلا إذا قل نصف قطر منحنى الثني عن 10 ملليمتر تقريبا (ويختلف هذا المقدار باختلاف نوع الألياف وسمكها), حيث قد يؤدي ذلك إلى تشوه الألياف وتكسرها مما يعني عدم قدرة الضوء على الانتقال خلالها. فعند تمديد أسلاك الألياف الضوئية, لابد أن نحتاج في بعض الأماكن إلى ثنيه وعمل انحناء به عند زوايا معينة, لذلك يجب الانتباه في هذه الحالة إلى مقدار الانحناء; على سبيل المثال إذا كان لدينا ليف ضوئي بقطر 125 ميكرومتر, يمكننا أن نقوم بثنيه حول منحنى لا يقل نصف قطره عن 25 ملليمتر. وهناك سبب آخر يمنعنا من التجاوز في ثني الألياف الضوئية عن حد معين, وهو أنه عند ثني السلك سوف يتغير مقدار زاوية سقوط شعاع الضوء على السطح الفاصل بين الطبقة الداخلية والطبقة الخارجية عند منطقة الثني, حيث تنقص قيمتها, وتؤدي الزيادة في الانحناء عن حد معين إلى نقصان قيمة الزاوية عن الزاوية الحرجة اللازمة لحدوث الانعكاس الكلي الداخلي للضوء لبقائه محصورا في الطبقة الداخلية , مما يؤدي إلى تسربه إلى الطبقة الخارجية. ويسمى هذا الفقد Bending loss. توضح صورة 8 هذا النوع من الفقد.
صورة (8)
توضح صورة 9 شبكة الألياف الضوئية التي تربط بين قارات العالم عبر قيعان المحيطات. حيث تم تمديد أول سلك من هذه الشبكة عام 1988 عبر المحيط الأطلسي.
صورة (9)
المصادر: