حكمة اليوم – اتفق العقلاء أنه لا يتم حل المشكلة بمشكلة أكبر !!
لعلها واحدة من التحولات الاجتماعية البارزة في حياة المدنية والعصرانية اليوم هي صعوبة الحفاظ على النشاط الطفولي اللازم لنموهم بشكل صحيح !! بدءا من الأمن والأمان في ترك الأطفال يلعبون مع غيرهم من أطفال الجيران أو الشارع أو الأقارب : في بهو البيوت أو العمائر أو في الشارع نفسه أو الطريق إن كان آمنا أو في الملاعب والنوادي والحدائق التي قد يتسبب بُعدها في مشكلة تكاسل ووصول
والنتيجة واحدة للأسف وهي : عدم احتمال أحد الزوجين (أو كلاهما) للبديل الذي يُخرج به أطفالهم وصغارهم طاقتهم (داخل البيت) والذي يتسبب غالبا في إزعاج كبير لهم أو الإضرار ببعض الأثاث وأجهزة البيت
كل ذلك جعل من استخدام التكنولوجيا الحديثة (والتي صار التلفاز من أقدمها الآن !!) حلا مثاليا من جهة (التخلص) الأكيد من هذه المشاكل للأبوين ولكن …………
هل هذا هو حل المشكلة بالفعل ؟؟ أم أن هذا الحل هو نفسه مشكلة (أكبر) من المشاكل التي كانت موجودة بالفعل !!
الحقيقة أن جهل الوالدين بأسس التربية والنمو السليم (جسديا ونفسيا واجتماعيا وعقليا) لأبنائهم : هو الذي يجعلهم لا يستشعرون مدى الأضرار التي تحيط بأبنائهم الصغار – بل ويستخفون بها أحيانا إذا قرأوها اعتمادا على أن التأثر السلبي لا يعم جميع الأطفال بنفس النسبة !! إنه كمَن يعرف أن لعب الأطفال في شارع غير آمن مليء بالسيارات قد يتسبب مثلا في قتل الأطفال بنسبة 1 من كل 10 ثم هو لا يهتم لأنه لا يتصور أن ولده قد يكون هذا الـ (1) !!
ملحوظة : النسبة تخيلية للشرح والتمثيل فقط
في منشور قادم اليوم بإذن الله تعالى سنذكر الكثير من الأضرار الصحية والجسدية في النمو والنفسية والاجتماعية على الأطفال مع التكنولوجيا الحديثة : بالمراجع الأجنبية وربما العربية أيضا
ولكننا الآن نريد أن نذكر أهمها باختصار : مع محاولة ذكر بعض الحلول المقترحة كذلك لكي لا نترك المشكلة بلا حل فتعود كما كانت !!
==================
أما بالنسبة للمشاكل :
فجسديا : الألعاب في الأجهزة اللوحية أو الكمبيوترية وغيرها : تؤثر على النمو الجسدي وعلى الانتباه – لاحظ أن دماغ الإنسان يتفاعل مع ما يراه من أفعال أو ألعاب كأنه هو الذي يؤديها رغم أنك جالس لا تتحرك – فهذا التفاعل وإن كان مرهقا ومتعبا للكبار : فهو يعرقل النمو في الصغار في السن المبكر ، أيضا قد يعيق نمو أصابع الأطفال في السن الصغير مع أجهزة اللمس وغيرها – بالإضافة إلى تضاعف احتمالية الإصابة بالسمنة والخمول وقلة النشاط اللازم لتكامل النمو
وصحيا : قد تصيب الأشعة اللاسلكية الكثيرة المنبعثة من الأجهزة الأطفال بالسرطان للأسف وخصوصا في السن المبكر الذي يجب ألا يتعرضوا فيه نهائيا لهذه الأشياء – أيضا قد يصاب بعضهم بعدم التحكم في أعصابهم وخاصة أعصاب اليدين – كما تؤثر سلبا على قوة الإبصار والعينين وخصوصا مع المسافات القصيرة التي تكون الأجهزة المحمولة فيها قريبة من العينين للأسف
نفسيا : الأنانية – سرعة الغضب – العصبية لشدة التعلق بالألعاب وما يريده الأطفال لتحقيقه حالا بدون تأخر (أو بمجرد اللمس كما يفعلون في الأجهزة اللوحية مثلا) – قلة أو ضعف الانتباه – بعض الحالات قد يصيبها أمراض نفسية مثل التوحد – هذا بالإضافة إلى العزلة والانطوائية وخصوصا مع الساعات الطويلة – قلة النوم والأرق والقلق – الإدمان على هذه الأجهزة والتكنولوجيا –
عقليا : تأخر النمو العقلي والذي يتم تحفيز العقل فيه والدماغ نتيجة المؤثرات الاجتماعية من حول الطفل – فعندما تغيب هذه المحفزات وعلى رأسها اللعب مع الآخرين ومهاراته الفردية إلخ : يتأخر هذا النمو للأسف عن الآخرين – يتبعه تأخر في مهارات التعلم والاكتساب
اجتماعيا : يتم استبدال السلوكيات الاجتماعية مثل الصداقة وتبادل الألعاب : بنزعات الأنانية والعزلة والانفراد وعدم مشاركة الآخرين – بالإضافة إلى انهيار كبير في علاقة الآباء بالأبناء – وخصوصا إذا كان الآباء مدمنين على مثل هذه التكنولوجيات والإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي – فنجد انشغالهم عن أبنائهم في وقت العمل – وفي غير وقت العمل كذلك
هذه هي أشهر الأشياء – وكما ترونها كفيلة بإصابة أطفالنا بواحدة أو أكثر من الأضرار للأسف إذا تهاونا في هذه المسائل – ويبقى السؤال الأهم – والعملي كما تعودنا – كيف الحل ؟؟
==================
1- يجب استشعار مدى المسؤولية التي تحملناها عندما قررنا أن نكون آباء وأمهات – فالله تعالى أعطانا فرصة (اختبار) ليرى فينا : ما كنا نتمنى أن نراه من آبائنا ولم يفعلوه لنا !! مثلا : بعضنا كان يتمنى أن يكون والديه أكثر انتباها له : فيمنعانه من الانزلاق في التدخين الذي أدمنه الآن : إذن : لماذا لا تنتبه أنت الآن لأبنائك وتحذرهم من أضرار التدخين التي صارت معك حتى لا تتكرر المأساة ويقعون فيه بدورهم ؟
وبنفس الطريقة : مثلا بعضنا كان يتمنى لو يحفظ القرآن في الصغر ولكن والديه لم يقوما بذلك : إذن : لماذا لا تقوم أنت به الآن مع أبنائك ؟ وعلى نفس المنوال : بعضنا ترعرع بعيدا عن حب القراءة فانتقص كثيرا من ثقافته العامة في المجالات المفيدة : إذن : لماذا لا تشجع أبناءك على القراءة منذ الصغر بالقصص الجذابة والمفيدة والتي تتطور مع الوقت لتصبح كتبا ذات قيمة ؟
2- عندما نستشعر هذه المسؤولية الكبيرة وأهميتها وأنه بأيدينا أن نؤثر على أبنائنا ومستقبلهم سلبا أو إيجابا : ساعتها سنعيد التفكير في الكثير من الموارد التي بين أيدينا الآن (مثل الوقت والمال) – فالوقت : سنحاول أن نخصص لهم قدرا فيه نحاول ألا نخلفه معهم مهما كانت الظروف – مثلا ساعة أو اثنين يوميا نجلس معهم ونلاعبهم ولو باستغلال أوقات التجمع العائلي التي لا بد منها مثل الفطور أو الغداء أو العشاء – فنطيل الجلسات فيها وقبلها أو بعدها – نسألهم عن أحوالهم – ماذا فعلوا اليوم – ماذا اكتسبوا – ماذا شاهدوا في التلفاز ؟ إلخ – وكذلك المال : فلن نبخل بأموالنا فيما يفيدهم : وخصوصا وأن أغلب الأسر اليوم صارت تنفق الأموال فيما يضر !! فلماذا لا ننفقها فيما يفيد ؟
3- ينبغي الاهتمام بمعرفة ما يشاهدون على التلفاز أو القنوات الفضائية – اختيار القنوات المعينة لهم والتي تكون بعيدة عن العنف الزائد والايحاءات الجنسية الفجة – وتحمل المعلومة والنشاط والتفكير – أيضا ألعابهم التي يمكن تخصيص أوقات معينة ومحددة لهم في اليوم لها حسب العمر – كما سنرى في منشور قادم – يجب أن نتابعهم فيها ونعرف ما يلعبونه ونرشدهم إذا كان هناك أخطاء أخلاقية حتى في الألعاب أو في صفحات الإنترنت التي تهدف إلى الدعاية عن أشياء قد تكون فاحشة أو قبيحة أثناء فتحهم لصفحات الألعاب (الإعلانات الجانبية والنساء شبه العارية ونحوه) – فأكبر عامل تعليمي هو أن يرى الطفل الخطأ ثم نخبره أنه خطأ ولا نسكت عليه كما يفعل معظم الوالدين للأسف فيترسخ عند الطفل أن الخطأ (شيء عادي)
4- وكما قلنا في منشور أمس : يمكن توفير الألعاب المنزلية الهادئة والمفيدة لهم – مثل البازل ومثل ألعاب الحساب والألعاب الجماعية البسيطة التي تنمي مهاراتهم الفكرية – ومثل الميكانو وألعاب التركيب – بل وبعض الأسر لديها القدرة المكانية على إحضار ألعاب رياضية في المنزل أو البيت – فلم لا ؟ وإذا نظرنا إلى كل ما سبق سنجده في أسعار متقاربة أو أقل من أسعار الأجهزة اللوحية والحديثة
5- عدم إهمال حقهم في اللعب وإخراج طاقتهم الجسدية والحركية اللازمة لنموهم بصورة سلسمة جسديا وعقليا ونفسيا واجتماعيا وسلوكيا كذلك – أولا بمتابعتهم أثناء الدراسة وتشجيعهم على مهارات التعارف على الزملاء الجدد وربما تمكنا من الارتباط بصداقة مع عائلات زملائهم وترتيب الخروج معهم في العطلات ونحوه – ثانيا بتعهدهم في الإجازات الدراسية بتنظيم الخروج واللعب أو الاشتراك في النوادي الصيفية أو ممارسة ألعاب معينة أو الخروج بهم إلى الحدائق في مواعيد يتم الاتفاق عليها يوميا أو يوم بعد يوم أو أسبوعيا
6- الاهتمام بالمهارات الاجتماعية والأسرية وتنمية العلاقة بيننا وبينهم – الحديث معهم – الخروج وزيارة الأقارب – إشراكهم في بعض الأعمال والمسؤوليات الصغيرة
وأخيرا – وكما ذكرنا – يوجد جداول لأوقات اللعب المسموح بها للأطفال – بل حتى للكبار – مع استخدام الأجهزة الحديثة – سوف نعرضه لكم في منشور قادم اليوم : ولكن مبدئيا نرجو ألا يزيد في متسوط عمر اطفالنا من 6 سنوات إلى 12 سنة عن ساعة إلى ساعتين على الأكثر