الشذوذ الجنسي! الموضوع الأكثرُ طرحًا في هذه السنوات من المدافعين عنه إلى المهاجمين له. #يُعرّف الشذوذ الجنسي على أنه انجذاب شخصٍ لآخر من نفس الجنس؛ أي رجل لرجل وامرأة لامرأة، وفي السنوات الأخيرة ظهرت موجةُ تقبُّلِ المثليين في الأوساط السياسية والفنية والمجتمعية وحتى العلمية، ومحاولة تطبيعه؛ كتجريم انتقاد الشواذّ، وإعطائهم حقَّ الزواج وما إلى ذلك.
مفاجأة اليوم للبعض. المقال طويل، لذا نذكرُ لكم خُلاصَته أولًا.
بناءً على دراسةٍ على أكثر من نصف مليون إنسان، توصَّلَ الباحثون في هذه الدراسة إلى أنه #ليس ثمةَ أي جين بمفرده مسؤولٌ عن السلوك الجنسي الشاذ كما كانت الصفحات الصفراء تُصدِّع رؤوسنا بذلك بكل ثقة، وتخدع متابعيها غير المتخصصين، وهم سعداء!
وبعد تأكدهم من عدم وجود جين معين مسؤول عن الشذوذ، اقترح الباحثونَ أن الأمر له علاقة بمجموعةٍ من العوامل الجينية قد تؤثر على الميول وفقًا لنتائج #إحصائية حصلوا عليها، ولا يَزال يتعينُ استكشاف الكثير من الأشياء غير المؤكدة، ومع ذلك، أكّدوا أنها ليست السبب الرئيسي في السلوك الجنسي الشاذ. إذ يجبُ دراسة كيفية تفاعل التأثيرات الاجتماعية والثقافية على التفضيل الجنسي مع التأثيرات الوراثية (في حالة إثبات وجودها من الأساس).
فما القصة؟! وماذا وجد الباحثون في الدراسة؟ وكيف جرى تحديد تلك الافتراضات؟ كل هذا أجبناك عنه في المقال، فتابعوا معنا..
في ظلِّ المادّية التي تهيمن على العالم، والسعيِ الحثيثِ لترسيخِ فكرة كون الإنسان مخلوقًا أجوفًا وليس أكثر من كتلة جينات تتحكم به من شكله حتى رغباته ونزواته ومشاعره، كباقي الأوساط التي تتحرك وفقًا لآراء أصحابها أو أموالهم، فكثيرًا ما ينجرف العلم -وللأسف- في تيار الأدلَجة هذا، وهو الذي يجب أن يتبع الأدلة والحقائق، فانخرط في موجة التطبيع هذه، فكثرت الأبحاث التي تحاول ترسيخ فكرة كون الشذوذ جينيَّ السبب وأنهم مجبرون على ما يفعلون، فجيناتهم هكذا.
وبدأ الأمر كعادة أي موضوع أيديولوجي يُحشر في العلم بفَرَضِ أن هناك ما يسمى جين الشذوذ (Gay Gene)، وبعد أبحاثٍ عدة غير دقيقة، أو ضعيفة في أحيان، أو مفبركة أحيانًا أخرى (تجدون الرابط في التعليقات)، وأبحاث أخرى تقول أنه لا يوجد جين يسمى جين الشذوذ، ظهر لنا بحث ضخم قبل عدة أيام ليغير اتجاه السير قليلًا.
__#ملاحظة: سنستخدمُ بعض المصطلحات التخصصية أثناء المقال، والتي سنرقمها ونضع تعاريفها في نهاية المقال كلٌّ بحسب رقمه.
الدراسة هي عبارة عن دراسة بالملاحظة [Observational Study [1، حيث أجريت الدراسة على حوالي 500 ألف متطوع جُمعَت بصورة عشوائية من أماكن مختلفة وهي:
أُجريت الدراسة وفق ما يُسمى بدراسة الارتباط على مستوى الجينوم Genome-Wide Association Study حيث أخذت في هذه الدراسة عينات من الجينوم البشري لمتطوعين للكشف عن الاختلافات الوراثية [2] Genetic Variants في حمضهم النووي في محاولة للوصول لاحتمالية ارتباط هذه الاختلافات بأمراض معينة.
ابتدأ الباحثون الورقة البحثية بلفت النظر إلى أن الأسباب البيولوجية للميول الجنسية غير معروفة على نحوٍ واسع The biological factors that contribute in sexual preference are largely unknown، ولكن تم اقتراح تأثيرات جينية من خلال ملاحظة أن السلوك الجنسي المِثلي يسير في العائلات ويتوافق عند التوائم المتطابقة جينيًّا مقارنةً بالتوائم غير الحقيقية أو الأشقاء. (تابع المقال لترى الملاحظات بخصوص التفسير الجيني لهاتين الظاهرتين ومدى دقتهما بالمقام الأول).
ولكن هذه الاقتراحات اعتلاها العديد من الأسئلة من قبيل: ما هو الجين المسؤول؟ وما هي العملية الجينية المؤثرة والتقارير السابقة التي فرضت وجود علاقة بين التأثير الجيني والتوجه الجنسي كانت إما صغيرة العينات أو لا توافق معايير دراسة الجينوم.
فإن كان هذا يعني شيئًا، فإنه سيشير إلى أن الميول الشاذة لا تزال مجهولةَ المُسبب بما أن الأسباب البيولوجية غير معروفة، مع إزالة الرابطة الأمريكية للطب النفسي الشذوذَ من قائمة الأمراض النفسية عام 1973 بعد أن كانت فيها، كما صرّح الباحثون بوجود نظرية تدخل الأسباب الهرمونية ولكنها غير أكيدة حتى الآن.
(راجع مقالنا عن إزالة الرابطة الأمريكية للطب النفسي الشذوذ من قايمة الأمراض النفسية.)
بعد أن جُمعت العينات والاستبيانات وحُللِّت، وجد الباحثون عدة معلومات، وهي:
1). قلة نسب الإنجاب عند أصحاب الميول الشاذة لأسباب مجهولة (حتى عند من تزوج منهم من الجنس الآخر مع وجود ميول شاذة فيه).
2). في جهة الجينات والوراثة قام الباحثون بتقسيم ملاحظاتهم:
أ)- وراثة على مستوى العائلة والأقارب:
حيث قاموا في هذا القسم بملاحظة سريان الميول الشاذة خلال العائلة الواحدة، حيث وبعد جمع المعلومات ومقارنتها وإجراء الحسابات عليها وجدوا أنه وبالنسبة للشذوذ الذي يسري في العوائل، فقد تكون الوراثة (وبالتالي الجينات) قد ساهمت بـ 32.4%، وأن العوامل المحيطة ومدخلاتها هي التي لها الدور الأكبر (أكثر من 67%) في جعله هكذا، (كمتابعته لهكذا أمور فيظلم نفسه، والعيش في أسرة أو مجتمع هكذا). ولكن هذا ليس كل شيء، فهذه النتائج (كما سيتّضح الآن) إحصائية، أي أنه حتى 32% غير مؤكدة.
ولكن كما هو ملاحظ فإن هذه الدراسة هي دراسة بالملاحظة، وتحتوي على نسب إحصائية، وأي نسبة إحصائية تتعلق بالمجتمع تحتاج لما يسمى بمجال الثقة Confidence Interval [3]، فكم كان مجال الثقة في دراستنا هذه؟ كان مجال الثقة يتراوح بين 54.3% إلى 10.6% مما يقلل من دقة هذه النسبة كثيرًا، وهذا ما لم يذكره هذا البحث وتركه للقارئ، حيث أنه وفي هذه النقطة استشهد البحث بدراسة خارجية صغيرة بسبب تشابه مجال الثقة والنسبة بينهما، حيث دارت الدراسة حول محاولة إثبات الأصول الجينية للميول الشاذة عن طريق معرفة نسبة الشذوذ عند التوائم، فأرادوا أن يعرفوا إن كان أحد التوائم متشابهة الجنس له ميول شاذة، فكم نسبة كون التوأم الآخر شاذًا، وهل سيختلف الأمر بين التوائم أحادية الإلقاح (Zygote) (الحقيقية) وثنائية الإلقاح (Zygote) [4]؟ حيث أنه إن كانت نسبة الشذوذ لدى التوأمين أحاديَّيْ الإلقاح أكثر من ثنائيَي الإلقاح؛ فهذا سيُرجح وجودَ أصولٍ جينية؛ إذْ أن أحاديَّ الإلقاح (Monozygotic) ناتج من بويضة ونطفة واحدة، فهما متشابهان بالمادة الجينية = وهذا سيعني أنهما ورثا جينات الشذوذ نفسها على عكس ثنائيي الإلقاح (Dizygotic) الناتجين من بويضتين ونطفتين مختلفتين (وإلا فإن عدم وجود أو قلة الميول الشاذة لدى التوائم ستعني أن المسبب ليس جينيًا وإنما عوامل أخرى؛ كالتربية والمجتمع، أو مشاكل فيزيولوجية ونفسية)؛ فكيف كان البحث؟
__#ملاحظات على دراسة التوائم التي استشهد بها البحث:
ولكنهم ركزوا في دراستهم على الميول الجنسية ولم يتطرقوا لكل ما سبق، مع أن الدراسة التي نتحدث عنها ودراسات أخرى أيضًا، أثبتت وجود مشاكل نفسية لدى الكثير من الشواذ (نتحدث عن هذا لاحقًا) والتي تؤدي لها كل العوامل التي قال البحث أنه أجرى مسحًا عنها.
انحياز البحث للعوامل الجينية منذ البداية: إذ افترضوا خضوع الميول الشاذة لعوامل الوراثة المضافة (Additive Genetics) [5] والجينات التراكمية التي إن زادت عن حدٍ معين تبدأ أعراض الشذوذ بالظهور (بدون دليل مسبق). فلم يكن هدف البحث التحقق من هذا، إنما اعتبره مسلّمًا به وأراد التأكد من نسبته.
ومع كل ما سبق عزيزي القارئ، فلم تُشكِّل النسبة التي توقعوها أن الجينات ساهمت بها أكثر من 34% لدى الذكور و18%-19% لدى الإناث مع مجال ثقة من 0.0%-53%!
لم يذكر البحث الآلية التي رُجِّح على أساسها وجود العوامل الجينية، فكما قلنا هو لم يذكر نتائجه عن الإعاقات النفسية والجسدية وغيرها والتي تعتبر في الإحصائيات الطبية متغيرات ذات صلة [6] Covariates حيث تساهم في تغير النتائج إن أدخلت على المعادلة الحسابية.
حاجة الدراسة لمضاعفة العينة لخمس أضعاف وهنا يأتي الأهم: توصيتها بالحذر في تفسير نتائج الدراسة بسبب سعة مجال الثقة، وهو مجال مقارب جدًا لما هو موجود في دراستنا الحالية.
“Also, the large confidence intervals warrant careful interpretation.”
ب)- البحث في التنوع الجيني، وتحديدًا في ما يسمى بتعدد أشكال النيوكليوتيدات المفردة [SNPs [7:
“There is certainly no single genetic determinant (sometimes referred to as the “gay gene” in the media).”
في المقابل وجد الباحثون نسبة ارتباطات عالية (إحصائيًا وبلا دليل تجريبي) بين المثلية الجنسية وبين 28 صفة متنوعة لدى العينات المدروسة، ولكن تبين أنَّ جميع هذه الصفات بلا وظيفة واضحة تتعلق بالشذوذ! مما دفعهم للجوء للوراثة المضافة، وافتراض أن هذه الصفات تعمل معًا لتوليد الميول الشاذة.
وقد توصلوا لهذا الفرض الإحصائي عن طريق تقدير الارتباط الوراثي [8] Genetic Correlation بين صفات وراثية مختلفة، لمعرفة درجة تأثيرها مجتمعةً على السلوك الشاذ وذلك في دراستين مختلفتين وساروا على هذا الافتراض حتى نهاية البحث (من دون إثبات لهذا الافتراض).
ومع هذا وبعد إجراء الحسابات توصلوا إلى أن هذه الفرضية لا تفسِّر أكثر من 8% إلى 25% للتنوع في السلوك المثلي الجنسي للإناث والذكور (بمجال ثقة 5% – 30%!)، فلجأوا لافتراض وجود متغيرات وراثية أخرى لم ترصد بسبب حجم العينة (أي يحتاجون لعينة أكبر).
ولاستكشاف العمليات البيولوجية التي قد تؤثر في السلوك الجنسي المثلي، قام الباحثون بتحليل البيانات حاسوبيًا، ولكنهم لم يجدوا دليلًا واضحًا لاعتبارها سببًا للمثلية، لكنهم وجدوا أن الجينات المجاورة للمتغيرات المرتبطة بالسلوك المثلي مقيدة بصورة غريبة.
كما تكلم الباحثون عن نتائج الدراسة على جينَين متعلقة بالسلوك المثلي الجنسي عند الذكور، حيث وجدوا أن أحد المتغيرات الجينية الموجودة في الذكور له علاقة بجينات تتحكم ببعض المستقبلات الشمية، والتي لها ارتباط وراثي مع متغيرات أخرى لها علاقة بإحداث خلل في حاسة الشم، وضربوا له مثالًا بما يسمى متلازمة كالمان حيث يتأخر أو ينعدم النضج الجنسي مع حاسة شم معطلة.
_#ركز معي هنا:
حاوَلوا إيجاد وظيفةٍ للمتغير الذي وجدوه عن طريق ربطهِ بجينات لها علاقة بالشم، وهذه الجينات التي لها علاقة بالشم تورِّث معها جينات أخرى تُسبب خللًا في حاسة الشم، وضربوا مثالًا بمتلازمة لم يَظهر أن أيًا من عيِّناتهم تعاني منها.
__#ركز معي مرة أخرى:
افترضوا أن الجين مربوطٌ بخللٍ في الهرمونات؛ لأن هذا الجين له صلة بالصلع لدى الرجال، وهناك دراسات اقترحت كون الصلع يسببُهُ زيادة في تحسس الأندروجين، والذي افترضت دراسات أخرى كون سببه جيني، أي أنه بما أن زيادة تحسس الأندروجين ((يُعتقد)) بأنها جينية، وزيادة التحسس ((يُعتقد)) بأنها تسبب الصلع وهذا الجين مربوط بالصلع، وبالتالي لنفترض أنه يسبب خللًا في الهرمونات فيسبب الميول الشاذة!
__#ركز مرة ثالثة:
الجين الذي نتكلم عنه (لنسمّهِ ج) يقع بجوار (على بعد 20 ألف قاعدة) جين آخر، الجين الآخر يُكوِّن بروتين TCF12، هذا البروتين يتحد مع بروتين ثاني اسمه TCF21 ليكوِّنا بروتينًا ثنائي الوحدة ذا وظائف معينة. البروتين TCF21 الأخير إن تعطل سيسبب خللًا في نمو الأعضاء التناسلية، وبما أنه يشكل بروتينًا ثنائي مع البروتين الـ TCF12 والذي جينه مجاور للجين (ج)، فإن البروتين الثنائي كله سيتعطل. فبصورة أو بأخرى قد يحمل الجين (ج) وظيفة مشابهة أو يساهم في الخلل!
في الحقيقة، ما اعتمدوا عليه في كلامهم هذا هو حقيقة وجود جينات مفتاحية تتحكم بجينات أخرى وتكون بعيدة عنها، حسناً، بلغة أبسط، توجدُ بعض الجينات التي حينما تُفَعَّل تتحكم بجينات أخرى؛ كأَنْ تثبطها أو تنشطها أو توقف عملها أصلا، وعادةً ما تكون هذه الجينات قريبة جدًا أو ملاصقة للجين المستهدف، ولكن من الاعتيادي جدًا أن تكون في مكان آخر في الحمض النووي وبصورة بعيدة، ولكن هذه الافتراض يستحيل إثباته بدون تجربة معملية، وهذا ليس وضع الدراسة المتناوِلة لذلك فهو بلا وزن.
وإن سلَّمنا بأن الجين (ج) هو جين مفتاحي لـ TCF12، فإن ما أغفلوه هم وذُكِرَ بالدراسة التي استشهدوا بها أن هذا الخلل في الفئران لا يأتي مفردًا؛ بل يصحبه (بسبب وظيفته) مشاكل في نمو عضلات الوجه والطحال والرئة والكليتين وخلل كبير في نمو الأعضاء التناسلية في الفئران، ولم يذكروا أن أحدًا من المتطوعين اشتكى من شيء مشابه، لا بهذا ولا بدراسة التوائم التي استشهدوا بها مع أنها أجرَتْ مسحًا على الإعاقات والمشاكل الجسدية.
وفي محاولة من الباحثين لمعرفة الأمراض الجينية التي قد تُوَرَّث مع الجينات المتهمة، قاموا بدراسة الارتباط الوراثي بين هذه الجينات وجينات أمراض أخرى اختاروا منها الأمراض النفسية تحديدًا لكثرة من صرّحوا بمعاناتهم منها من أصحاب الميول الشاذة، حيث وجدوا ارتباطًا بينهما وبين اضطراب الاكتئاب والفصام، ولكنهم سرعان ما دافعوا عن افتراض الجينات والشذوذ بقولهم أن البيئة قد تكون المُسبب لهذه الأمراض بسبب معاناة الشواذ مع المجتمعات، فكيف للبيئة التي سيعيشها الشخص أن تساهم في توريث جين وهو لا يزال في بطن أمه؟ ولم يصرح بشذوذه ولم يضطهده المجتمع بَعدُ -على حد قولهم؟، ألم يقولوا أن مسببات هذه الأمراض جينية؟
كما أنهم استشهدوا بدراسة هولندية عن الأمراض النفسية لدى الشواذ، والتي وجدت أن نسب الأمراض النفسية تزداد عن الشواذ مقارنةً بغيرهم وبالصورة الآتية:
– اضطراب اكتئابي كبير Major Depression مرتين وربع، واضطراب اكتئابي جزئي Dysthymia مرتين وربع عند الرجال ومرة ونصف عند النساء، واضطراب ثنائي القطب (Bipolar) سبع مرات وربع عند الرجال ومرتين وربع عند النساء، واضطرابات القلق مرتين ونصف عند الرجال والعديد من الاضطرابات التي لوحِظَ زيادتها عند المثليين مقارنةً بالأشخاص متغايري الجنس.
– الجميل في هذه الدراسة أنها صرَّحت بأنها تستبعد كون الضغط المجتمعي هو السبب في هذه الاضطرابات، إذ أن هولندا من أكثر المجتمعات تقبلًا للشواذ!
نفي وجود جين ما يسبب السلوك الجنسي المِثلي، لذا ’افترضوا‘ وجود عوامل جينية قد تؤثر على الميول وفقًا للنتائج الإحصائية التي توصلوا لها، وأن تأثيرها في التوجه الجنسي كان 34% فقط، والتي تكلمنا عنها أعلاه، ولا يزال يتعين استكشاف الكثير من الأشياء غير المؤكدة، بما في ذلك كيفية تفاعل التأثيرات الاجتماعية والثقافية على التفضيل الجنسي مع التأثيرات الوراثية في حالة إثبات وجودها.
إلى هنا تنتهي الدراسة، فما رأيكم بعد كل هذا؟
*يجدرُ الإشارة إلى أنه ومع كل هذا، فإن هذه الدراسة لا تتجاوز كونها دراسة إحصائية، ولا تستطيع تقديم شيء أكثر من الافتراض. وكما لاحظنا أعلاه فالقول القاطع هو للدراسات التجريبية المختبرية فهي لها الكلمة الفصل.
كما ترى أخي القارئ، فربطُ الشذوذ بالجينات كان منذُ بدايتهِ حتى الآن عبارة عن افتراضات متتالية، وأحيانًا تدليسات؛ يفترضونَ أمرًا ويعتبرنه حقيقةً مُسَلَّمًا بها ليَبْنوا عليه قوانينهم، إلى أن تأتي دراساتٌ تُبرهنُ خطأه، ثم يفترضون فرضًا آخر، وهكذا دواليك.
عليك أن تعلم عزيزي القارئ أننا لسنا ضدّ إيجاد مُحفّز بيولوجي ما للشذوذ، والذي قد يكون لأشخاص محددين دون غيرهم، على العكس؛ بَل مَن يُعاني من هذه الآفة ويذهبُ للأطباء، فإن أول ما سيُطلب منه قد يكون تحليلَ هرمونات؛ ولكننا ضد المحاولات الجارية لمعاملة الوضع كأمر مُسلَّم ولا مفرَّ منه، مع العلم أنهم يعانون من مشاكل يمكن إصلاحها، وحتى انتقادنا لما طرحوه من ربطٍ بالهرمونات وغيرها فلم يكن الانتقاد للربط نفسه؛ ولكن لعدم التأكد أو إثبات فرضياتهم ومحاولاتهم اليائسة للابتعاد عن كل ما يُلمِّح ولو حتى لاحتمال أسبابٍ نفسيةٍ مع البيولوجية للشذوذ، والذي يحاولون إثباته بشتى الطرق، ويا ليتهم سلّموا بأن الخلل سببه خلل هرموني وكفّوا عن محاولات إقفال باب العلاج، على الأقل، فالأدوية الهرمونية متوفرة في الصيدليات وتوصف من قبل الأطباء، ولكننا كنا ضد أسلوبِ الطرح والمحاولات المستميتة لتعليق كل خلل بالجينات.
وعليكَ أن تعلم عزيزي القارئ أنّ الله يُعاقب على الفعل، وتذكَّر عذاب الله لقوم لوط، إذ قال في محكم التنزيل:
{{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}}. سورة هود[82، 83]. وتذكر عاقبة وعقوبة الفعل هذا.
__ولمن ابتلي بهذا الميل نتيجة مشاهدته لما لا يصح (وهذا يكثر للأسف، ثم يندم على ذلك)، أو تأثره ببيئة فاسدة حوله، أو حتى لحادثة جرت معه، أو غير ذلك فننصحه بالبحث عن العلاج فورًا، فهنالك قائمون على مثل هذه الأمور. وراجعوا مقالنا تحت عنوان “أشهر الطرق العملية لعلاج الشذوذ الجنسي سلوكيًا”.
رعاكم الله وحفظكم من كل شرّ
والسلام عليكم
إعداد: #الفريق_الطبي.
التعريف بالمُصطلحات التخصصية:
[1] الدراسة بالملاحظة: هي أحد طرق الدراسات العلمية، وتقوم على ملاحظة وتتبع مجاميع سكانية ذات مواصفات معينة وتقارنها إحصائيًا مع مجاميع أخرى خارج مواصفات تلك المجموعة للخروج بنتائج إحصائية تُبنى عليها احتماليات معينة.
[2] الاختلافات الوراثية: هي تغيرات تحصل لجينات معينة كالحذف والاستبدال عن بعض الناس.
[3] مجال الثقة: هو المجال الذي يقع بين نسبتين وترجّح أن ناتجك يقع فيه. مثلاً: (بثقة 95% ستكون النتيجة بين 15% – 40%) يعني أنه إن كررت هذه الإحصائية 100 مرة فإن 95 مرة من هذه المرات سيكون ناتجها بين 40%-15%.
[4] أحادي الإلقاح: توأم ناتج من بويضة واحدة ونطفة واحدة. ثنائي الإلقاح: توأم ناتج من بويضتين ونطفتين.
[5] الوراثة المضافة: وجود أكثر من جين يعملون سويًا للخروج بصفة معينة تظهر على الفرد.
[6] المتغيرات: عندما نحسب نسبة ما يجب أن نحسب معها المتغيرات والتي هي عبارة عن عوامل خارجية أو داخلية تؤثر على النسبة المحسوبة.
[7] أشكال النكليوتيدات المفردة: استبدال قاعدة نتروجينية معينة في الجينوم.
[8] ارتباط وراثي: وجود جينين أو أكثر يؤثر أحدهما على الآخر في التوريث أو يكون لأحدهما علاقة في توريث الآخر.
[9] بروتين ثنائي الوحدة: هو بروتين ذو وظيفة خاصة يتكون من جزئين متحدين معًا ذوَي منابع جينية مختلفة.
المصادر:
الدراسة الأصلية
https://science.sciencemag.org/content/365/6456/eaat7693
دراسة التوائم
https://link.springer.com/article/10.1007/s10508-008-9386-1
TCF12
https://dev.biologists.org/content/131/16/4095
الأمراض النفسية
https://jamanetwork.com/journals/jamapsychiatry/fullarticle/481699
الصلع
https://jamanetwork.com/journals/jamadermatology/fullarticle/2617871