احذري أيتها الشرقية وبالغي في الحذر , واجعلي أخص طباعك الحذر وحده . احذري تمدن أوروبا أن يجعل فضيلتك ثوباً يُوسَّع ويُضيق , فليس الفضيلة على ذلك هو لُبْسُها وخَلْعها …
احذري فَنَّهم الاجتماعي الخبيث الذي يفرض على النساء في مجالس الرجال أن تُؤدَّي ضريبة الفن …
احذري تلك الأنوثة الاجتماعية الظريفة , إنها انتهاء المرأة بغاية الظَّرف والرقة إلى …إلى الفضيحة .
احذري تلك النسائية الغزليَّة , إنها في جملتها ترخيصُ اجتماعي للحرة أن …. أن تشارك البغيَّ في نصف عملها . أيتها الشرقية , احذري احذري !
احذري التمدن الذي اخترع لقتل لقب الزوجة المقدس , لقب ( المرأة الثانية ) …. واخترع لقتل لقب العذراء المقدَّس , لقب ( نصف عذراء ) ….
واخترع لقتل دينيَّة معاني المرأة كلمة ( الأدب المكشوفة )
وانتهى إلى اختراع السُّرعة في الحب …. فاكتفى الرجل بزوجة ساعة ….
وإلى اختراع استقلال المرأة فجاء بالذي اسمه ( الأبُ) من الشارع , لِتُلقي بالذي اسمه ( الابنُ) إلى الشارع …. ! أيتها الشرقية , احذري احذري !
احذري وأنتِ النجم الذي أضاء منذ النبوة , أن تقلَّدي هذه الشمعة التي أضاءت منذ قليل .
إن المرأة الشرقية هي استمرار متصل لآداب دينها الإنساني العظيم . هي دائماً شديدة الحفاظ حارسة لحَوْزتها , فإن قانون حياتها هو قانون الأمومة المقدَّس .
هي الطهر والعفة , هي الوفاء والأنفة , هي الصبر والعزيمة , هي كل فضائل الأم .
فما هو طريقها الجديد في الحياة الفاضلة إلا طريقها القديم بعينه .
أيتها الشرقية , احذري احذري !
احذري – ويحك !- تقليد الأوروبية التي تعيش في دنيا أعصابها محكومة بقانون أحلامها ….
لم تعد أنوثتها حالة طبيعيةً نفسيةً فقط , بل حالةً عقلية أيضاً تشك وتجادل … أنوثة تفلسفت فرأت الزواج نصف الكلمة فقط … والأم نصف المرأة فقط …
ويا ويل المرأة حين تنفجر أنوثتها بالمبالغة , فتنفجر بالدواهي على الفضيلة …!
إنها بذلك حرة مساوية للرجل , ولكنها ليست الأنثى المحدودة بفضيلتها … !
أيتها الشرقية , احذري احذري .
احذري خجل الأوروبية المترجلة من الإقرار بأنوثتها .
إن خجل الأنثى يجعل فضيلتها تخجل منها … إنه يسقط حياءها ويكسو معانيها رجولةً غير طبيعية , إن هذه الأنثى المترجلة تنظر إلى الرجل نظرة رجل إلى أنثى …( مترجلة : تتشبه بالرجال )
والمرأة تعلو بالزواج درجة إنسانية , ولكن هذه المكذوبة تنحطُّ
درجة إنسانية بالزواج .
أيتها الشرقية , احذري احذري !
احذري تهوُّس الأوروبية في طلب المساواة بالرجل .
لقد ساوته في الذهاب إلى الحلاق , ولكن الحلاق لم يجد في وجهها اللحية …
إنها خُلقت لتحبيب الدنيا إلى الرجل , فكانت بمساواته مادة تبغيض .
العجيب أن سر الحياة يأبى أبداً أن تتساوى المرأة بالرجل إلا إذا خسرته.
والأعجب أنها حين تخضع , يرفعها هذا السر ذاته عن المساواة
بالرجل إلى السيادة عليه … !
أيتها الشرقية احذري احذري !
احذري أن تخسري الطباع التي هي الأليق بأم أنجبت الأنبياء في
الشرق.
أم عليها طابع النفس الجميلة , تنشر في كل موضع جوَّ نفسها العالية .
فلو صارت الحياة غيماً ورعداً وبرقاً , لكانت هي فيها الشمس الطالعة .
ولو صارت الحياة قيظاً وحَرُوراً واختناقاً , لكانت هي فيها النسيم يتخطَّر .
أيتها الشرقية , احذري احذري !
احذري هولاء الشبان المتمدن بأكثر من التمدن …
يبالغ الخبيث في زينته , وما يدري أن زينته مُعْلنَةُ أنه إنسان من الظاهر …
ويبالغ في عرض رجولته على الفتيات , يحاول إيقاظ المرأة الراقدة في العذراء المسكينة !
ليس لامرأة فاضلة إلا رَجُلُها الواحد , فالرجال جمعياً مصائبها إلا واحداً. وإذا هي خالطت الرجال , فالطبيعي أنها تخالط شهوات , ويجب أن تحذر وتُبالغ .
أيتها الشرقية احذري احذري !
احذري , فإن في كل امرأة طبائع شريفة متهوّرة , وفي الرجال
طبائع خسيسة متهورة .
وفيك طبائع الحب , والحنان , والإيثار , والإخلاص , كلما كبرتِ
كبرت ْ.
طبائع خطرة , إن عملت في غير موضعها , جاءت بعكس ما تعمله في موضعها .
فيها كلُّ الشرف ما لم تنخدعْ , فإذا انخدعت فليس فيها إلا كلُّ العار . أيتها الشرقية احذري احذري !
احذري كلمة شيطانية تسمعينها : هي فنية الجمال أو فنية الأنوثة
وافهميها أنت هكذا . واجبات الأنوثة وواجبات الجمال .
بكلمة يكون الإحساس فاسداً , وبكلمة يكون شريفاً .
ولا يتسقَّط الرجل امرأة إلا في كلمات مُزَيَّنَة مثلِها.
يجب أن تتسلَّح المرأة مع نظرتها , بنظرةِ غضَب ونظرة احتقار .
أيتها الشرقيةاحذري احذري !
احذري أن تُخدعي عن نفسك , إن المرأة أشد افتقاراً إلى الشرف
منها إلى الحياة . إن الكلمة الخادعة إذ تقال لكِ , هي أخت الكلمة
التي تقال ساعة إنفاذ الحكم للمحكوم عليه بالشنق …
يَغْتَرٌّونَكِ بكلمات الحب والزواج والمال , كما يقال للصاعد إلى الشنَّاقة ماذا تشتهي ؟ ماذا تريد ؟
الحب ؟ الزواج ؟ المال ؟ هذه صلاة الثعلب حين يتظاهر بالتقوى
أمام الدجاجة ….
الحب ؟ الزواج ؟ المال ؟ يا لحم الدجاجة ؟ بعض كلمات الثعلب هي أنياب الثعلب … !
أيتها الشرقية , احذري احذري !
احذري السقوط , إن سقوط المرأة لِهَوْلهِ وشدته ثلاث مصائب في
مصيبة :
سقوطها هي ,
وسقوط من أوجدوها ,
وسقوط من توجدهم !
نوائب الأسرة كلها قد يسترها البيت , إلا عار المرأة .
فَيَدُ العار تقلب الحيطان كما تقلب اليد الثوب , فتجعل ما لا يُرى هو ما يُرى .
والعار حكم ينفذه المجتمع كله , فهو نفيُ من الاحترام الإنساني .
أيتها الشرقية احذري احذري !
لو كان العار في بئر عمقية , لقلبها الشيطان مئذنة , ووقف يؤذن عليها ,
يفرح اللعين بفضيحة المرأة خاصة , كما يفرح أب غني بمولود
جديد في بيته …
واللص , والقاتل , والسكير , والفاسق , كلُّ هؤلاء على ظاهر
الإنسانية كالحر والبرد .
أما المرأة حين تسقط , فهذه من تحت الإنسانية هي الزلزلة .
ليس أفظع من الزلزلة المرتجة تشق الأرض , إلا عار المرأة حين يشق الأسرة … !!
أيتها الشرقية , احذري احذري !
من روائع الأديب ( مصطفي صادق الرافعي )