#معظمنا يستطيع التحدث بأكثر من لغةٍ، لكن هل جرّبت أن تتحدث لغة الفيروسات؟ لنجعل التساؤل أكثر منطقيةً، هل تتحدّث الفيروسات مع بعضها البعض؟ هل لديها لغةٌ مثل الكائنات الحيّة؟!
يعلم جميعنا أن الفيروسات كائناتٌ بسيطةٌ جداً، ومن بين أنواعها فيروسات عاثيات الجراثيم (الـ Phages “وهي فيروساتٌ تصيب البكتيريا”)؛ ونحن نعلم أنَّ هذا الفيروس عندما يجد جرثومًا قريبًا يلتصق عليه تلقائياً ويبدأ بدورة حياته بحقن الجرثوم بمادته الوراثية؛ لكن يبدو أنَّ الفيروس لديه خطةٌ:
#للمفاجأة، وُجِدَ فيروسٌ من عاثيات الجراثيم وهو يرسل رسائل كيميائيةٍ لأصدقائه الفيروسات!
يبدو أن هذه الفيروسات لا تقوم فقط بغزو البكتريا واستخدامها لصنع المزيد من النسخ الفيروسية تلقائياً (كما هو معلوم)، بل تبين أنَّها أيضًا تتواصل مع بعضها البعض! حيث اكتُشِفَت لأول مرةٍ إشاراتٌ لوجود جهاز تواصلٍ فيروسي، وذلك خلال دراسة باحثين للفيروسات التي تهاجم العصيات الجرثومية.
(باقي الفيروسات أيضًا يمكن أن تتواصل مع بعضها من خلال لغتها الخاصة).
كان الباحثون يبحثون عن دليلٍ على أنّ بكتريا عصويةً (تدعى Bacillus subtilis) تنبّه باقي قريناتها البكتريّة من فيروس العاثيات phages.
يعلم الباحثون أن البكتريا (ذات النوع الواحد) تتحدث مع بعضها البعض من خلال إفرازها مواد كيميائيّةٍ خاصّةٍ واستشعارها لهذه المواد، تدعى هذه الظاهرة بـ استشعار النصاب “quorum sensing” تسمح هذه الظاهرة للبكتريا بالتحكم بأعمالها بما يتوافق مع البكتيريا الأخرى المحيطة، وعلى هذا الأساس تقرر إما أن تنقسم أو تبدأ بالهجوم مسببةً عدوى.
#وللمفاجأة وجد الفريق أنّ فيروسات عاثيات الجراثيم المُهاجِمَة لتلك الجراثيم العصويّة، هي بدورها تصنع مادةً كيميائيّةً تؤثّر على سلوك باقي الفيروسات تعرف ب (phi3T) “وهو بروتينٌ فيروسيٌّ”.
تهاجم بعض العاثيات الخلايا بطريقتين مختلفتين:
1- حيث إنها غالبًا ما تهاجم خلايا المضيف وتتضاعف فيها إلى أن تنفجر الخلايا وتموت (الطريقة الأولى).
2- وفي بعض الأحيان تحقن موادَها الجينيّة داخلَ جينات المضيف، ثم تدخل في حالة سباتٍ إلى أن تستيقظ وتتضاعف لاحقًا (الطريقة الثانية).
#السؤال هنا كيف ستعلم الفيروسات أن عليها القيام بالطريقة الأولى أم الثانية؟!
للإجابة على هذا السؤال، قام الفريق بحقن مادة الـ phi3T داخل محفظة العصيّات البكتيرية، ووجدوا أن الفيروس يميل إلى #قتل هذه البكتريا، ثم رشّحوا محتويات هذه المحفظة لإزالة البكتريا والفيروسات مع إبقاء القليل من البروتين، بعدها غذّوا البكتيريا والفيروسات “الحالة المتوسطة” لتنشيطها (أي إنَّهم عزلوا البروتين).
الذي فعله الفيروس بهذا التغيير (بعد إزالة البروتين) هو أنّه كان أكثر ميلًا نحو إبقاء جيناته داخل البكتريا، بدلًا من قتلها.
سمّى الفريق هذا الجُزيء الغامض المشتبَه بأنه المسؤول بـ “arbitrium”
فما هذا الجزيء وما آليته!
#بعد سنتين ونصف من البحث، اكتشفوا أن الـarbitrium هو بروتينٌ فيروسي قصيرٌ ينتشر خارج البكتريا المخموجة بعد موتها.
فعندما تزداد مستويات arbitrium (وذلك بعد موت عددٍ كبيرٍ من خلايا المضيف) تتوقف العاثيات عن قتل البكتريا المتبقية. وبدلًا من ذلك، يعود إلى حالة السّبات داخل جينات البكتريا.
بمعنى آخر، إذا أنقصَت العاثيات كميّة خلايا مضيفها (قتلتها) ستبدأ بمحاولة الحدّ من هذا التّخريب، وتبقى هادئةً تنتظر المضيف ليستعيد عافيته وينمو من جديد.
إذن يقيس phi3T مستويات arbitrium ثم يحدّد طبيعة المهاجمة التالية (قتل الجرثوم أم البقاء كامنةً فيه)، حدّد الفريق كذلك بروتينين إضافيّين من هذا البروتين phi3T.
يتوقّع الفريق أنّ علماءَ آخرين سيكتشفون وسائلَ تواصلٍ أخرى للفيروسات، حيث وجد الفريق أكثر من 100 نظام مشابه لـarbitrium، معظمها في جينات العصيات المُهاجَمة من قبل الفيروس.
تساءلوا أيضًا فيما إذا كانت الفيروسات التي تهاجم عُضيَّاتٍ أكثر تعقيدًا (مثل الإنسان) تستطيع التحدث مع بعضها البعض.
وبما أن الفيروسات تهاجم بكِلي الطريقين النشط والكامن (سبات)، فامتلاك جزيء يستطيع أن يقود الفيروسات إلى حالة السّبات الدائم (الكامل) سيُحدِث نقلةً في عالم الأدوية.
مع المزيد من الأمل والتفاؤل لعلاج الأمراض الفيروسية الفتّاكة ينتهي مقالنا…
دمتم بصحة وعافية