الجزء الثاني : الرفض
موضوع شيق جداً استضفنا فيه د. عدنان قنبر من جامعة دمشق – وهو الآن باحث زائر ما بعد الدكتوراه في جامعة كارلسروه Karlsruhe بألمانيا – وذلك لنستخرج منه المعلومات القيمة في مجاله – رابط الجزء الأول (القبول) :
https://www.facebook.com/The.Muslim.researchers/photos/a.390064377822089.1073741828.390058721155988/830956217066234
1- مقدمة
على الرغم من تفاؤل الكثير من العلماء والناس من أن التقدم في مجال الأغذية المعدلة وراثياً Genetically modified foods (اختصاراً GMO) هو المفتاح لحل مشكلة قلة الغذاء مقابل ازدياد سكان الأرض كما بيناه في المقالة السابقة، إلا أن البعض يرى أن هناك مخاطر من استخدام الأطعمة المعدلة وراثياً يجب أن يُحسب لها حساب .. وأنه بدأت الانتقادات تظهر وتحذر من مخاوف هذه التقنية التي تنتج أغذية تملأ الآن رفوف الأسواق التجارية قبل معرفة تأثيراتها الجانبية على صحة الإنسان والحيوان لعدم وجود فترة كافية لتجربتها.
—————————-
2- الوعي الشعبي الرافض لها
ففي دراسة مستقلة أجراها معهد فورسا الألماني بتكليف من جمعية حماية المستهلك الألمانية على عينة عشوائية اختيرت من مستويات مختلفة من الشعب الألماني، تبين أن 78% من الألمان يرفضون الأغذية المعدلة وراثياً حتى وإن كان سعر هذه المواد منخفضاً، وأن 85% منهم يرفضون -أيضاً- استخدام المحاصيل الزراعية المعدلة وراثياً كعلف للماشية.
ومقارنة بدول أوروبية أخرى، لوحظ أن 78% من السويديين و77% من الفرنسيين و65% من الإيطاليين و63% من الدانمركيين و53% من البريطانيين لن يتناولوا الأغذية المعدلة وراثياً إذا أشير إليها بوضوح أنها معدلة وراثياً.
كما بينت دراسة مختلفة أن 68% من الأوروبيين يعتقدون بأن الأغذية المعدَّلة وراثياً يجب أن يتم تحريمها و95% يريدونها مشاراً إليها إذا كانت معدَّلة.
—————————
3- ماذا عن الوطن العربي ؟
لقد أجرت باحثة في المركز القومي للبحوث بمصر استبياناً حول مخاطر الأطعمة المعدلة وراثياً وشمل الاستبيان 700 فرد من المصريين اختيروا عشوائياً من مستويات مختلفة، تبين أن 41.6% من المصريين لا يعرفون شيئاً عن الهندسة الوراثية وأن 52% من المصريين لا يؤيدون الأغذية المعدلة وراثياً وأن 64% يعتقدون بأن الأغذية المعدلة وراثياً ضارة بالصحة.
وفي تقارير منفصلة صادرة عن جميع الدول العربية تؤكد فيها خلو أسواقها من أي منتجات معدلة وراثياً أنتجت محلياً. ولكن في الوقت نفسه لا تنفي هذه التقارير احتمالية دخول بعض هذه المواد (مثل فول الصويا، الذرة، الأعلاف) إلى الأسواق المحلية بطرق مختلفة من الدول المنتجة لها.
ومن الجدير بالذكر أنه الجدل المحتدم حول الزراعة المعدلة وراثياً ينصب على المخاطر التي تهدد صحة الإنسان والحيوان والنبات والبيئة.
—————————-
4- خطرها على الإنسان
أما بالنسبة للإنسان ففي عام 2004 أصدرت الجمعية الطبية البريطانية تقريراً مفصلاً حول مخاطر الأطعمة المعدلة وراثياً. وأشار التقرير بشكل صريح إلى أن تناول هذه الأطعمة يمكن أن يُحدث لدى الإنسان ردود فعل تحسسية خطيرة بسبب إنتاج بروتينات جديدة لم تكن موجودة مسبقاً في هذه الأطعمة قبل تحويرها.
كما بينت التجارب أن استعمال الكثير من هذه المنتجات ربما يؤدي إلى زيادة الأمراض التي تكون مقاومة لأنواع كثيرة من المضادات الحيوية. لأن تقنية نقل المورثات تستعمل بلازميدات بكتيرية ناقلة تحتوي على مورثات مقاومة للمضادات الحيوية. فتقل بذلك مناعة الإنسان للأمراض.
وفي دراسة نشرت في مجلة الطبيعة الأمريكية للتقانات الحيوية تبين أنه تم العثور على حمض نووي DNA للنباتات المحورة وراثياً في أمعاء الإنسان. مما يعطي مؤشراً قوياً على احتمالية إصابة الإنسان بالأمراض السرطانية.
—————————-
5- خطرها على الحيوان
طبقاً لدراسة أجراها العالم الأمريكي مايكل أنطونيو على فئران تم تغذيتها على ذرة معدلة وراثياً خلال فترة حياتها : تبين وجود سموم بداخل كبد هذه الفئران أدت إلى ظهور أعراض السمية وتقرحات جلدية، كما قلت نسبة إفرازات أنزيمات الهضم في معدة الفئران مع حدوث تضخم في البنكرياس للفئران التي تغذت على بطاطا معدلة وراثياً.
كذلك الأمر حدث بالنسبة للأرانب التي تغذت على فول الصويا المعدل وراثياً.
كما كشفت دراسة أخرى تم إجراؤها في الوكالة الأسترالية للصحة وحفظ الغذاء، أن الفئران التي تغذت على أطعمة معدلة وراثياً حققت معدلات أوزان وخصوبة أقل من الطبيعي، وزادت نسبة موتها خمسة أضعاف. كما قلّ الوزن عند ولادتها. وأيضاً تعرضت الحيوانات المنوية لدى ذكور الفئران للتلف.
من الهام ذكره هنا هو معاناة مزارعي أمريكا من انخفاض خصوبة وحيوية الأبقار التي تغذت على ذرة صفراء معدلة وراثياً.
—————————-
6- خطرها على النبات
إن السؤال المطروح دائماً : ما هي المضامين البيئية لنمو آلاف النباتات المعدلة وراثياً حول العالم؟ هل يمكن السيطرة والتحكم في نمو وانتشار هذه النباتات غير الطبيعية؟ هل سيبقى التنوع الحيوي والتوازن الأحيائي مستقراً بين النبات المعدلة وغير المعدلة العائدة للنوع نفسه عبر عشرات السنين؟ أم أن هذا التوازن سيُدمر وينهار في أي لحظة؟
لقد أكد علماء البيئة أن نقل مورثة (أو جينة) واحدة إلى نبات ما قد يؤدي إلى حدوث كارثة بيئية خلال 10 سنوات نتيجة ظهور البذور الشاذة التي تمتلك نباتاتها صفات وراثية دخيلة لم تكن موجودة فيها مسبقاً. مما يسبب اختلالاً في توازن النظام البيئي.
كما أنه من الممكن أن تنقل الطيور والحشرات والرياح حبوب الطلع أو البذور المعدلة وراثياً إلى الحقول المجاورة التي لا تزرع هذه المحاصيل أصلاً !! مما يسبب حدوث تلوث وراثي وظهور أعشاب من النوع نفسه للمحصول تمتلك صفة المقاومة للمبيدات العشبية. مما يصعب القضاء عليها.
لكن خطورة هذه المحاصيل تزداد عندما تمتلك القدرة على إنتاج مقاومة مبيداتها الحشرية الذاتية وتخزينها داخل خلاياها. وهذا سيؤدي إلى زيادة تراكيز السموم في غذائنا وغذاء حيواناتنا.
وقد تؤدي إلى القضاء على أنواع عديدة من الحشرات المفيدة وغير المفيدة مسببة خللاً في التوازن الحيوي.
لقد لاحظ علماء الأحياء الدقيقة في تجارب عديدة أجريت على حقول كانت مزروعة بنباتات معدلة وراثياً بإدخال مورثات الـBT ، أن هذه النباتات تفرز سموماً بكميات كافية جداً لقتل الكائنات الدقيقة داخل التربة.
كما انخفض نشاط بكتريا التأزت (أي البكتريا المسؤولة عن تشكل العقد الآزوتية) وتثبيت الآزوت في النباتات البقولية عريضة الأوراق والمعدلة وراثياً لمقاومة المبيدات العشبية، وذلك لإبداء هذه البكتريا حساسية بالنسبة لمبيد الأعشاب عريض الأوراق “Roundup”.
إن انتشار زراعة المحاصيل المعدلة وراثياً سيؤدي مع مرور الزمن إلى التآكل الوراثي للنباتات باستبدال الأصناف المحلية ذات القاعدة الوراثية العريضة بأصناف أخرى معدلة قليلة العدد.
كما أن النباتات المعدلة وراثياً تمثل تهديداً حقيقياً للنباتات البرية خصوصاً داخل مراكز نشوئها، فيمكن لنبات الذرة الصفراء المعدل وراثياً والمزروع في المكسيك (مركز نشوء الذرة) أن يكون منافساً حقيقياً للأنواع البرية من هذا المحصول. أو قد تنقل إليها المورثات الدخيلة عن طريق حبوب الطلع مسببة تدهوراً وراثياً خطيراً غير عكوس على الإطلاق (أي غير قابل لعكس اتجاهه بعد ذلك للإصلاح).
—————————-
7- خطر اقتصادي كذلك ؟
حيث في خضم كل ذلك لا ننسى أيضاً خطر تسويق بذور النباتات المعدلة وراثياً من الدول المنتجة. فإنه الأكثر فتكاً باقتصاد المجتمعات النامية لأنه يستهويها. فهو لا يتطلب تدخلاً كثيراً في الحقول مثل المزروعات العادية مما يسهل من مهمة المزارعين، بل وقد يغر بهم ذلك فيجعلهم أكثر تبعية للشركات المنتجة.
وهكذا إلى أن يتركوا تماماً أصنافهم المحلية ليعتمدوا على هذه الأصناف المعدلة المصدرة لهم من الخارج، وبعدها يملى عليهم ذلك الخارج شروطاً في غاية القسوة. فلا يستطيعون ساعتها ترك المنتجات المعدلة التي يتعاملون بها حاليا وملأت أسواقهم. ولا هم يستطيعون كذلك الرجوع إلى أصنافهم المحلية الطبيعية التي أضاعوها.
وهذا ما حدث حتى في أمريكا نفسها. حيث لجأ الكثير من المزارعين للاستدانة من تلك الشركات التي لن تتوان في قبول ذلك. ومع الوقت قد يضطر المزارع إلى رهن أرضه للشركة.
وقد تفاقمت هذه المشكلة مع اكتشاف شركة مونسانتو الأمريكية المورثة (أو الجين) المسببة للعقم (والذي أسمته منظمة السلام الأخضر بالجين “المدمر”)، حيث كانت هذه الشركة حريصة على ألا يقوم المزارعون بإعادة استخدام بذورها في الموسم الجديد : وإنما يجب أن يشتروا بذورا جديدة كل موسم.
وعلى هذا : كانت قبل اكتشاف جين العقم أو “المدمر” تقوم بوضع مراقبين وعملاء مستأجَرين لمراقبة المزارعين الأمريكيين الذين يعاودون استخدام البذور الناتجة عن زراعة الموسم السابق لأن ذلك مخالف لشروط عقد شراء البذور من الشركة.
لكنها عندما توسعت مبيعاتها خارج أمريكا أصبح من الصعب على الشركة متابعة تنفيذ هذا الاتفاق بإرسال مراقبين إلى مختلف البلدان، فبدأت تفكر في حل عبقري ينقذها من هذا المأزق. فكان الحل هو جين العقم أو “المدمر”.
حيث يجري إدخال هذا الجين في النباتات المعدلة وراثياً ويسمح بإنتاج ثمار تحتوي بذوراً عقيمة، فلا يستطيع أي فلاح معاودة استخدام البذور في الموسم القادم. وإن حاول فإنه لن يحصل على ثماراً أو إنتاجاً لأن أزهار هذه النباتات ستكون عقيمة ولن تخصب.
وبذلك ضمنت شركة مونسانتو أن يأتيها الفلاح طائعاً ويدفع لها ما تريد، علماً أن هذا الاكتشاف للجين “المدمر” كلّف هذه الشركة أكثر من مليار دولار أمريكي.
إن خطر الجين المدمر لم يقتصر على إلحاق الضرر بالفلاحين. بل تجاوز ذلك حيث أن حبوب الطلع الناتجة عن المحاصيل الحاملة للجين المدّمر يمكن أن تنتقل مع الريح كسحابة سامة، فتقوم بنشر حبوب طلعها إلى المحاصيل العادية والنباتات البرية فتتلاقح معها مؤدية إلى إصابتها جميعاً بالعقم !! مما سيقضي على الكثير من الغطاء النباتي على سطح كوكبنا الأخضر.
—————————-
8- الخلاصة
يمكننا في نهاية الأمر استنتاج أن الأطعمة المعدلة وراثياً هي سلاح ذو حدين، ففيه من الضرر والخطر مثل ما فيه من النفع والفائدة أو أكثر، وأن الاستفادة المتحققة منه تعتمد على طريقة استخدام الإنسان له وعلى أسلوب إدارته وتوجيهه له وأمانته ووعيه بالبيئة ككل. فالتعامل المثالي والعقلاني مع هذه المنتجات ليس بقبولها كلها أو رفضها كلها.. وإنما من الصواب أن يتم دراسة كل حالة بذاتها كحالة منفصلة من مكاسب أو أضرار.. مع عدم تعميم الأحكام.
المراجع:
https://www.academics.com/science/mendel_s_children_43052.html
https://ilsina.org/wp-content/uploads/sites/6/2016/07/BMA-Stmt.pdf
https://www.nature.com/nbt/journal/v22/n2/full/nbt0204-170.html?foxtrotcallback=true
https://dl.sciencesocieties.org/publications/jeq/abstracts/33/3/0806
https://pennstatelaw.psu.edu/_file/aglaw/Impacts_of_Genetically_Modified.pdf