موضوع شيق جداً نستضيف فيه د. عدنان قنبر من جامعة دمشق – وهو الآن باحث زائر ما بعد الدكتوراه في جامعة كارلسروه Karlsruhe بألمانيا – وذلك لنستخرج منه المعلومات القيمة في مجاله – كما نستغل هذه الفرصة لتهنئته بخبر جميل جداً تجدونه في أول صفحته على الرابط التالي :
https://www.facebook.com/kar.kan.92/posts/1380528535334044
نترككم مع المعلومات التي قد يسمعها بعضنا لأول مرة …
———————
1- مقدمة عن ازدياد طلبات الغذاء في العالم …
معظم الناس على سطح الكرة الأرضية يأكلون اليوم نتيجة للتقدم الكبير في العلوم الزراعية والتكنولوجيا. فالتحسين الوراثي المستمر للنباتات المزروعة والحيوانات المستأنسة هو الذي مكننا من الصمود أمام التوقعات المتشائمة لمالتوس بخصوص تقاتل البشر على الغذاء، ومكننا من الاستمرار في إطعام سكان العالم المتزايد على نحو دائم.
إلا أن هذا الواقع يضعنا أمام حقيقة محبطة، ففي الوقت الذي يستمر فيه التنامي في عدد سكان العالم، يقل عدد المحاصيل التي يعتمد عليها معظمنا في معيشته، وذلك نتيجة عمليات الاستئناس والتربية المحصورة في 150 نوعاً نباتياً، تؤمن 12 منها فقط ثلاثة أرباع غذاء العالم القائم على النبات، في حين يتم إنتاج النصف الكامل من إمدادات غذاء العالم النباتي من عدد محدود من المحاصيل الحقلية كالأرز والقمح والذرة الصفراء والبطاطا.
ولقد استطاع مربو النبات والحيوان التقليديون في العقود الثلاثة الأخيرة من تطوير سلالات جديدة من النباتات والحيوانات الاقتصادية تمتاز بإنتاجها النوعي والكمي الجيد مقارنة بالسلالات القديمة، مما أدى إلى رفع قيمة هذه النباتات والحيوانات وإنتاجها الاقتصادي وبالتالي تلبية احتياجات الإنسان المتزايدة وتضييق الفجوة الغذائية في العالم.
حيث يزداد تعداد السكان بمعدل 70- 90 مليون نسمة سنوياً تقريباً، ففي عام 2015 كان عدد سكان العالم في حدود 7 مليار نسمة، ونحو 80% يمثلهم الدول النامية. كما يتوقع ازدياد الحاجة لأنواع من الغذاء أكثر جودة وأعلى نوعية نتيجة تحسين مستوى المعيشة، حيث قدرت الزيادة الإجمالية المتوقعة في الطلب على الغذاء بنحو 3-4% سنوياً.
ولهذا لم تعد التربية التقليدية القديمة قادرة على زيادة الإنتاجية لتغطية هذه الزيادة المرتفعة كل عام. وللمحافظة على المستوى الغذائي الحالي للعالم رغم عدم كفايته، فإنه لا بد من زيادة الإنتاج بنسبة 30%، وهذا الأمر قد لا يمكن تحقيقه بطرق التربية التقليدية، لذا كان لزاماً على البشر البحث عن حلول غير تقليدية لحل هذه المشكلة، وكان الحل هو الانتقال من الثورة الخضراء التي قادها المهندس الزراعي بارلوغ إلى الثورة الوراثية (أو الجينية من الجينات) والتي يقودها المهندسون الوراثيون، والتي كان إحدى ثمارها الأطعمة المعدلة وراثياً Genetically modified foods أو اختصاراً GMO والناتجة عن الكائنات المعدلة وراثياً.
——————–
2- الكائنات المعدلة وراثياً GMO
تعرف الكائنات المعدلة أو المحورة أو المهندسة وراثياً بأنها الكائنات التي تم فيها إدخال مورثة أو جينة غريبة أو أكثر من كائن حي آخر على مادتها الوراثية DNA (أو جينومها) لتحسين صفة أو عدة صفات وراثية مفيدة مثل زيادة الإنتاجية من الغلة الحبية أو لزيادة مكونات البروتين أو الزيوت أو لزيادة مقاومة المحاصيل للإجهادات الأحيائية واللاأحيائية أو زيادة كمية البيض أو اللحوم أو الحليب أو صوف الحيوان أو لتحسين نوعية وجودة الثمار والخضراوات.
ويعتبر استخدام أي جزء من هذه الكائنات في إطعام الإنسان أو الحيوان أو النبات : طعاماً معدلاً وراثياً.
تبدأ عملية التحوير الوراثي بتحديد المورثة أو الجينة المتحكمة بالصفة المرغوبة، ثم عزلها بمساعدة أنزيمات التقطيع والفصل المختصة، ثم بعد ذلك يتم اختيار النبات أو الحيوان المستقبل الذي تنقصه هذه الصفة، ثم يتم إدخال المورثة أو الجينة في DNA الكائن المستقبل عن طريق نواقل خاصة وباستخدام تقنيات نقل مختلفة كالمدفع الجيني وغيره.
وبعد ذلك يعاد زراعة الخلايا التي تحوي الـ DNA المعدل وراثياً لإنتاج كائن جديد يحتوي الجينة أو صفة أو الصفات الجديدة لم تكن موجودة فيه من قبل أو كانت موجودة ولكن تعبيرها المورثي كان قليلاً.
———————
3- مؤيد … أم معارض ؟
لقد أصبح موضوع الأطعمة المعدلة وراثياً من المواضيع الساخنة في الوقت الحاضر، وهناك جدل واسع بين المؤيدين والمعارضين لطرح وتناول الأطعمة المعدلة وراثياً، فمنهم مَن يجد فيه الحل الناجح لتأمين الغذاء لأعداد كبيرة من البشر خاصة في الدول الفقيرة، بينما يرى الطرف الآخر أن لهذه الأغذية مخاطر على صحة الإنسان وعلى البيئة.
وهنا تدخلت الدول لسن تشريعات تحكم تداول تلك المنتجات، وكانت البداية من الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت فيها هيئة الغذاء والدواء FDA أنها :
“لا تعتبر الأطعمة المعدلة وراثياً تختلف عن الأطعمة المنتجة بالطرق التقليدية”.
إلا أن هذا التفاؤل اصطدم ببروتوكول قرطاجنة للأمم المتحدة الذي يدعو إلى الشفافية في تجارة المنتجات المعدلة وراثياً، وهو البروتوكول الذي وقع عليه أكثر من 80 دولة، وتنص مواده على أن لأي دولة الحق في رفض هذه المنتجات حتى إذا كانت هبة وحتى دون برهان علمي في حال خشيتها من ضررها على محاصيلها التقليدية.
————————-
4- بعض النباتات المعدلة وراثياً ونسبتها …
يعد نبات القطن من أولى المحاصيل المعدلة وراثياً التي تزرع على نطاق تجاري في عام 1996، وقد استمرت المساحة المزروعة منه في تزايد مستمر حيث بلغت في عام 2011 حوالي 24.7 مليون هكتار (82% من مجموع المساحة العالمية المزروعة بالقطن) مقابل 21 مليون هكتار في عام 2010، أي بزيادة تقدر بـ 15%.
وقد قام بزراعة هذه المساحة 16 مليون مزارع من 13 دولة في عام 2011، مقابل 14.7 مليون مزارع من 13 دولة في عام 2010. فوفقاً لتقرير نشرته الوكالة الدولية لاعتماد التطبيقات التقنية الحيوية الزراعية عام 2011، فإن من بين 16.7 مليون مزارع تقريباً يقومون بزراعة المحاصيل المعدلة وراثياً في عام 2011، 90% منهم مزارعون يفتقرون للموارد في بلدان العالم الثالث، وتشمل هذه النسبة 7 مليون مزارع للقطن في الصين وما يقارب 7 مليون مزارع أيضاً للقطن في الهند، وربع مليون مزارع في الفلبين.
وهناك 29 دولة رئيسية في إنتاج الأطعمة النباتية المعدلة وراثياً حيث تزرع 160 مليون هكتار من أكثر الدول إقبالاً على زراعة المحاصيل المعدلة وراثياً. وفي تقرير منفصل لوزارة الزراعة الأمريكية حول المساحة الكلية التي تحتلها الأصناف الزراعية المعدلة وراثياً، أظهر التقرير أن محصول فول الصويا احتل المرتبة الأولى من حيث المساحة حوالي 47% (75.4 مليون هكتار)، ثم الذرة الصفراء بنسبة 32% (51 مليون هكتار)، ثم القطن بنسبة 15% (24.7 مليون هكتار) والكانولا أو السلجم بنسبة 5% (8.2 مليون هكتار).
———————–
5- إيجابيات ؟
جدير بالذكر هنا أن 59% من المساحة العالمية المزروعة بالمحاصيل المعدلة وراثياً في عام 2011 قد استبدلت المحاصيل المقاومة لمبيدات الأعشاب، و15% منها للنباتات المقاومة للحشرات.
ولقد صاحب هذا الإنتاج الجديد زيادة هامش الربح في وحدة المساحة، حيث قدرت هذه الزيادة في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 60 دولار أمريكي للإيكر الواحد من الذرة الصفراء، وبحوالي 15 دولار لفول الصويا، ومئات من الدولارات لمحصول القطن.
كما أظهرت بعض الدراسات الاقتصادية الأمريكية أن قيمة إنتاج الحبوب ومحاصيل الزيت والفاكهة والخضراوات المعدلة وراثياً قد وصلت إلى 160 مليار دولار أمريكي في عام 2011. وقد ازداد دخل المزارعين الفقراء السنوي في الدول النامية بصورة ملحوظة نتيجة زراعتهم للمحاصيل المعدلة الوراثية، مما انعكس ايجابياً على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لهؤلاء المزارعين.
وفي المقابل انخفضت نسبة المزارعين المصابين بسموم المبيدات إلى 5% مقارنة بنسبة 22% من المزارعين الذين لم يزرعوا محاصيلاً معدلة وراثياً.
أيضاً ازدادت أعداد الحشرات النافعة في الحقول المزروعة بالقطن المعدل وراثياً بعد التقليل من استخدام المبيدات الحشرية والعشبية.
كما ساهم الأرز الذهبي المعدل وراثياً والغني بطلائع بيتا كاروتين من تقليل الإصابة بمرض العشى الليلي وسوء التغذية عند الكثير من فقراء آسيا المعتمدين على محصول الأرز كغذاء رئيسي.
—————————
6- ماذا عن الحيوانات المعدلة وراثياً ؟
تم إنتاج العديد من الحيوانات المعدلة وراثياً كأسماك السلمون العملاقة سريعة النمو التي تمتلك محفزات تزيد من إنتاج هرمون النمو، والدجاج الذي يعطي بيضاً خالياً من الكلسترول، والأبقار والماعز التي تعطي لحماً أقل دسماً وأكثر غنىً بالبروتين، وحليباً يحتوي على عناصر دوائية مفيدة، وأغناماً ذات صوف عالي الجودة، وأرانب وخنازير ذات قدرة عالية على مقاومة بعض الأمراض الفيروسية، وأبقار ودجاج معالج وراثياً لزيادة سرعة نموها.
—————————
7- حتى الأدوية ؟
لقد وافقت الإدارة الأمريكية للغذاء والدواء عام 2009 على أول دواء معدل وراثياً للاستخدام في حالة الإنسان، حيث تم استخلاصه من حليب ماعز معدل وراثياً وهو دواء ATRYN (عقار مضاد للتجلط).
كما تم استخدام البكتريا المعدلة وراثياً لإنتاج بروتين الأنسولين لعلاج داء السكري، وكذلك استخدمت البكتريا لإنتاج العوامل المخثرة لعلاج مرض النزف الدموي (الهوموفيليا)، وأيضاً إنتاج هرمون النمو البشري لعلاج التقزم، وغيرها وغيرها من المنتجات الدوائية التي لا يمكن حصرها في هذه المقالة.
————————
8- مجال التصنيع الزراعي …
تم إنتاج الصبغات الطبيعية غير المسرطنة، وإنتاج الأنزيمات المستخدمة في صناعة الألبان، وكذلك إنتاج لقاحات ضد الأمراض التي تصيب حيوانات المزرعة كمرض نيوكاسل والحمى القلاعية التي تصيب الدجاج.
————————
9- خلاصة الوضع الراهن للأغذية المعدلة وراثياً ؟
لقد بينت أحدث الإحصاءات الأمريكية أن 60 % من الأغذية المطروحة حالياً بالأسواق تدخل في تركيبها عناصر معدلة وراثياً خاصة زيوت الصويا.
وقد يظن البعض أن هذا الرقم يقتصر فقط على الدول المنتجة للأطعمة المعدلة وراثياً، لكنه في الحقيقة يشمل أيضاً كثيراً من دول العالم النامي غير المكتفي ذاتياً من الغذاء، والذي يعتمد على الاستيراد من الدول المنتجة كالكثير من الدول العربية، وذلك لافتقار هذه الدول للمخابر والخبراء البيولوجيين المختصين في الكشف عن الأطعمة المعدلة وراثياً، وتعتمد جميع الدول العربية على شهادة المنشأ لبيان سلامة هذه الأطعمة.
وعلى الرغم من عدم وضوح الرؤية بعض الأحيان حول قبول أو رفض هذه المنتجات المعدلة وراثياً، فإن التاريخ يسجل لنا دائماً أن هنالك أناس ضد التغيرات التقنية التي يطورها أخوه الإنسان، ابتداء من الدراجة إلى الطائرة، مروراً بنقل الدم والتطعيم وغير ذلك، فكان التعديل الوراثي للكائنات الحية أيضاً من ضمن هذه التطورات التي لابد أن يوجد لها معارضون يستخدمون جميع الأساليب ضد هذا التطور العلمي.
وهذا ما سنقف معه في الجزء الثاني من هذه المقالة وهو :
أسباب رفض المعارضين أو أنصار البيئة للأطعمة المعدلة وراثياً.
رابط للاستزادة مدعم بصور من جامعة يوتا الأمريكية
https://learn.genetics.utah.edu/content/science/gmfoods/