لربما الكثير منا قد سمع بمصطلح الأقزام البنية دون أن يدري ما هي بالفعل، في هذا المقال سنقوم بشرح مبسط عن تلك الأجرام.
إنه في الواقع جرم أبرد وأصغر من النجم، لكن ليس كوكباً، وأكبر وأحر من الكوكب، لكن ليس نجماً. لا تقلق ليست لغزاً دماغياً مبتذلاً، سنشرح بسلسلة- إن شاء الله- طريقة تصنيف علماء الفلك للأجرام السماوية؛ فلن تقف عاجزاً بعد اليوم عن فهم مصطلحات فلكية مثل عملاق أحمر أو قزم أبيض أو ثقب أسود.
ماذا عن الاسم؟
الأقزام البنية ليست بنيّةً تماماً على الرغم من اسمها، فتلك أجسام كروية تتراوح كتلتها عادة بين 12 ضعف كتلة المشتري وحتى نصف كتلة الشمس وتولد الضوء الخافت من تلقاء نفسها عادةً، وتكون الأقزام البنية الكبيرة الحجم والفتية شديدة الحرارة مما يمنحها توهجاً مستقراً ودفئاً لطيفاً.
من مسافات بعيدة لا يمكن التمييز بينها وبين “الأقزام الحمراء” وعلى النقيض من هذا فإن الأقزام البنية الصغيرة والكبيرة في العمر بالكاد تمكن رؤيتها، لكن بالإشعاع تحت الأحمر المنبعث من طيفها يمكن تمييزها بمساعدة مناظير الرؤية الليلية.
بالنسبة إلى الجزء الأكبر منهم، فإن الأقزام البنية تتموضع في الوسط في مكان ما وتتوهج باعتدال بألوانٍ برتقاليةٍ (بدرجات من الأحمر الأرجواني) خافتةٍ وهذا ما يميّز خصوصيتها في المجرة. لكن على عكس النجوم فإن الأقزام البنية لا تتوهج من الانفجارات النّوويّة المشتعلة في نواها (بسبب التفاعلات النووية الحاصلة فيها) بل بكلِّ بساطةٍ إنّ الضّوء والحرارة المتولدين منها هما بقايا تكوينها الأولي حيث ولدت تلك الأجسام من انهيار سحب الغاز والغبار (كما في النجوم لكن بكمية أقل) وأدّى ذلك الانهيار إلى تحرير كميةٍ هائلةٍ من الطّاقة لكن حوصرت تلك الطّاقة بمادةٍ حابسةٍ، وذلك لعشرات الملايين من السنين وبرغم ذلك فالطاقة تشع ببطءٍ منها في الفضاء على شكل ضوء دافئ (خافت).
ومع إفلات تلك الحرارة يستمرّ القزم البّنيّ بالإعتام وينزلق لونه من الأحمر الناري حتى البرتقالي ثم الأشعة تحت الحمراء غير المرئية (وينتقل من الأحمر الناري إلى تدرج في اللون الأرجواني ثم إلى الأشعة تحت الحمراء غير المرئية). وكلما زادت كتلة القزم البني في نشأته (وكانت كتلة القزم البني أكبر عند نشأته) زادت الطاقة التي يتمكن من احتجازها لكن في النهاية، جميع الأقزام البنية لها النهاية نفسها بغض النظر عن كتلتها وقت نشوء أصلها.
لذلك قد يكون من المثير تصنيفها على أنها مجموعة كواكب ضخمة جداً، إذ إنّ الكواكب مع تقدمها في العمر تبرد وذلك بشكل مطرد حيث لا مصدر جديد للطاقة لديها لإبقاء حرائقها (حرارتها) لمليارات السنين.
وتوجد خصوصية للأقزام البنية، إذ إن لكتل النجوم العادية عتبة لا بد من تحققها (كتلة أكبر 80 مرة من المشتري) لكي تستطيع الحصول على شروط درجة حرارة وضغط لازمة لكي يستطيع الديوتريوم Deuterium (وهو نظير الهيدروجين ويحتوي على نوترون إضافي) من الاندماج من التريتيوم Tritium (وهو نظير للهيدروجين ويحتوي على نوترونين إضافيين) ويتحولان إلى الهيليوم (النظير الهيليوم-4) من تحرير طاقة هائلة.. وبما أن كتلة الأقزام البنية صغيرة، فإنها تحقق عتبة أخرى (13 ضعف كتلة المشتري)، وعند هذا الحد، تستطيع توفير شروط حرارة وضغط ملائمة لحدوث اندماج من نوع آخر، إذ يندمج ديوتريوم مع بروتون لينتج هيليوم (النظير-3) وتحرير طاقة على شكل إشعاعات. تستمر عملية الاندماج في الأقزام البنية بضع ملايين السنين، في حين تدوم مليارات السنين في النجوم (مثل شمسنا)، والسبب راجع بالأساس لبنيتها وتركيب طبقاتها.
تولد الأقزام البنية بالطريقة نفسها التي تولد بها النجوم العادية، وتشع لفترة، وقد تحدث تفاعلات اندماج في مركزها في بعض الأحيان، فما السبب الذي يجعلها لا تصنف ضمن النجوم؟
السبب بكل بساطة، أنها صغيرة.. ويمكن إضافة سبب آخر. إذ إن النجوم قادرة على تجنب انكماشها بسرعة بفضل تركيبة طبقاتها والاندماج التنافري الحاصل في قلبها.. في حين لا تمتلك الأقزام البنية هذه الخاصية، وأيضا، لا تمتلك طبقة صخرية أو جليدية تحافظ على تماسكها.
هل يمكن تصنيفها على أنها حلقة بين النجوم القزمة والكواكب العملاقة؟ في الحقيقة لا؛ فهي صنف مستقل بذاته.
المصدر :
https://www.space.com/42790-brown-dwarfs-coolest-stars-hottest-planets.html