القدرة على الامتناع عظمة نفسية لا يبلغها إلا قليل من الناس، ولا ريب أنها بعض الآثار المنشودة من فريضة الصيام، ونحو هذه القدرة يقول الرجل الصالح: إذا غلا شىء أرخصته بالترك! فيكون أرخص ما يكون إذا غلا…
لكن من يستطيع هذا الترك؟ إن النفوس تتطلع، وتزعج المرء كى يجيبها إلى ما تبغى، وتلغ عليه إذا حاول كبحها، وما ينتصر على هواه إلا امرؤ قوي الإرادة واثق العزم معان من الله..!.
وعند التأمل نجد النفوس فى كثير من الأحيان تتعلق بكماليات يمكن الاستغناء عنها، أو بمطالب لا يعنى فقدها شيئا ذا بال، وأغلب البيوت تزدحم بأدوات وسلع وأوان وفرش لو فقدت ما وقف تيار الحياة، ولا تغضن وجهها!.
وأبو الطيب المتنبى لم يكن من الزهاد، ولا عرف عنه ازدراء الدنيا، ومع ذلك فقد قرر هذه الحقيقة القريبة فى بيت من الشعر تضمن ثلاث جمل أو ثلاث حكم بليغة..
ذكر الفتى عمره الثانى وحاجته .. ما فاته، وفضول العيش أشغال!
وقد رأيت أمتنا تنظر إلى السلع البراقة التى تقدمها المدنية الحديثة بطفولة مضحكة وتتنافس فى اقتنائها مهما غلا ثمنها، وعندما ارتفع سعر النفط ضاعف الأوروبيون سعرها، وعندما هبط بقى السعر على حاله، وبقى المشترون على رغبتهم وتطلعهم!!.
إن الاستعمار يعرف عجزنا عن “الامتناع ” فيستغل هذا الضعف كى يملى إرادته ويثبت غناه وفقرنا، أو تقدمه وتخلفنا..
ولو أننا على قدر من الاستعفاف والاستعلاء على رغبات النفوس لكان لنا معه شأن آخر، ولعلمناه كيف يحترمنا..!.——————
من كتاب: الحق المر للكاتب: الشيخ محمد الغزالي