التعقيد في الشيفرة الوراثية يتضاعف تعقيداً !!
Case for the genetic code as a triplet of triplets
(الكودون)؛ هو عبارةٌ عن شيفرةٍ وراثيةٍ مكونةٍ من ثلاث قواعد (نيوكليوتيدات)، يتم قراءة الجينات عن طريق تلك الشيفرات الثلاثية، حيث يُعبر كلّ (كودونٍ) عن حمضٍ أمينيٍّ، ويتم استعماله كعلامةٍ في ترجمة الجينات وعمليّة تعبيرها، [61] من أصل [64] كودونًا محتملٌ ترجمتها لأحماضٍ أمينيةٍ مختلفةٍ، بينما تعمل الثلاث تركيباتٍ الأُخرى كعلامات بدايةٍ ونهايةٍ، هذه هي المعلومات المعروفة منذ عام 1960، لكن الدراسة التي قام بها الباحثون من جامعة (يوتاه) عقّدت الأمر أكثر لتتحدى واحدةً من الثوابت في البيولوجيا الجزيئيّة ومفهوم حدوث الطفرات!
نُشرت الدراسة في الدوريّة التطوريّة الشهيرة PNAS، وكتب عنها الموقع العلميّ الشهير Phys.org قائلاً: <<واحدةٌ من أشهر المفاهيم في البيولوجيا الجزيئيّة والتي تُعد (الدوغما المركزية) في هذا العلم هي أن عملية تحويل معلومات الجينوم وترجمتها إلى بروتيناتٍ يمكن للخلايا استخدامها تتم بالطريقة التالية: الحمض النوويّ DNA يقوم ببناء الحمض النوويّ الريبوزي RNA، ويقوم الـ RNA بدوره ببناء البروتينات، ويُصنّع كلّ بروتينٍ من سلسلةٍ من الأحماض الأمينيّة، وكل حمضٍ أمينيٍّ يتم تشفيره باستخدام الشيفرات الثلاثيّة (الكودونات)، تتم تلك العملية في مصنع البروتينات في الخليّة المسمى بالريبوسوم.
أفادت الدراسة المنشورة أن عملية قراءة الكودونات وتكوين الأحماض الأمينيّة ليست بهذه السهولة كما كان التصور، حيث تقترح الدراسة أن تكوين وارتباط الأحماض الأمينيّة لتكوين البروتينات لا يتم على مستوى الكودون الواحد كما كان مفترضًا، بل عن طريق ثلاث وحداتٍ من الكودونات، أي ثلاثياتٍ من الثلاثيات!! حيث يختلف معدل تكوين البروتينات ونتائجها طبقًا لسياق الشيفرة الوراثيّة، هذا يعني ببساطةٍ أن تكوين البروتينات لا يتغير بمجرد اختلاف حرفٍ واحدٍ في الشيفرة الوراثيّة داخل أحد الكودونات، بل إن الكودونات –كما ورد في المقال– يبدو أنها تتحدث مع بعضها ليكون السياق التعبيريّ للشيفرة مفهومًا.
يمكننا أن نُشبّه ذلك بتغيّر حرفٍ في كلمةٍ داخل جملةٍ داخل روايةٍ من روايات شكسبير، فعلى الرّغم من أن تَغيير ذلك الحرف الواحد في تلك الكلمة سيجعل الكلمة خطأً بالتأكيد، إلا أن القارئ سيتمكن من فهم سياق الجملة بالرغم من ذلك الخطإ الوحيد.
تفترض النّظريّة الداروينيّة الحديثة أن الطفرات تحدث عن طريق تَغيّر أحد أحرف الكودونات، إما بتغيراتٍ لا تُحدث تغيّرًًا في الحمض الأمينيّ، وتُسمى بـ (التغيّرات المترادفة synonymous)، وإما بتغيراتٍ تقوم بإنشاء أحماضٍ أمينيةٍ مختلفةٍ عن طريق تغيّر الكودون وتُسمى بـ (التغيّرات غير المترادفة non-synonymous)، ويُتوَقّع أن تلك التغيّرات ستؤثر على بناء المنتج النهائيّ من البروتينات، أي إنها ستُحدِث تغيراً في الكائنات، يقوم هذا المفهوم على فكرةِ أن (الكودونات) هي وحداتٌ مستقلةٌ، تحصل فيها الطفرات، ومن ثم يعمل الانتخاب الطبيعيّ على تلك الطفرات، هذا هو المفهوم المستقر عند التطوريين.
غير أن الدراسات الحديثة قد أثبتت أنه حتى تلك التغيّرات المسماة (بالمترادفة) ليست متماثلةً في الحقيقة حتى لو كان الحمض الأمينيّ المنتج واحدًا، وذلك بسبب تمكنها من التأثير على لغة الشيفرة الوراثيّة عن طريق تغيير معدّل القراءة والبناء، ذلك يُفسّر لماذا توجد تعبيراتٌ مترادفةٌ للكودونات قد تصل إلى ست تعبيراتٍ تقوم جميعها بإنشاء نفس الحمض الأمينيّ، فالموضوع ليس مجرّد خردةٍ جينوميةٍ كما كان متصورًا.
تلك الدراسة الحديثة قد أضافت المزيد من الهموم للمفاهيم التطوريّة، حيث قام الباحثون بدراسةٍ مفصلةٍ للجين المسؤول عن تكوين بروتين FlgM المستخدم في تكوين (سوط البكتيريا) bacterial flagellum، ووجدت الدراسة أن حدوث طفرةٍ في أحد الكودونات في جين FlgM قد أثّر في معدل تكوين بروتين FlgM، لكنه لم يُؤثر في كل الجينات الأُخرى التي تستخدم نفس الكودون مما لفت نظر الباحثين!
قام الباحثون على إثر ذلك بتغييراتٍ في الكودونات على يمين ويسار الكودون الطّافر، فوجدوا أن تغيير أحد الكودونات على أحد الجوانب قد أدى لزيادةٍ قدرها 10 أضعافٍ في نشاط تكوين البروتين، بينما تغيير أحد الكودونات على الجانب الآخر قد أدى لتثبيط نشاط تكوين البروتين بعشرين مرةً، في حين أدى تغيير الكودونين على يمين ويسار الكودون الطّافر إلى تغييرٍ في معدل تكوين البروتين بمقدار خمسةٍ وثلاثين ضعفاً.
تثبت هذه الدراسة أن الكودونات على جانبيّ الكودون الطّافر كان بينها وسيلة تواصلٍ والتي مكنتها من الوصول لسياقٍ تعبيريٍّ صحيحٍ رغم كل تلك التغيّرات!
تُفسّر هذه الدراسة أيضاً لماذا أن تغيير كودونٍ محددٍ في كائنٍ ما لا يُعطي نفس التأثير حين يحدث نفس التغيّر في كائنٍ آخر، لأن السياق ببساطةٍ مختلفٌ.
تُصرح الدراسة بقولها : أن هذه المشكلة هي مشكلةٌ جديدةٌ لمفهوم الطفرات العشوائيّة والانتخاب الطبيعيّ، حيث من المفترض حسب النظريّة التطوريّة أن يعتمد مفهوم الانتخاب على محاولة الوصول إلى التركيب الأمثل للكودونات في أي جينٍ محددٍ عند وقوع الطفرة العشوائيّة.
فإذا كان تعبير كلّ كودونٍ سيعتمد على السياق على اليمين واليسار، والكودونات على اليمين واليسار تعتمد على السياق على يمينها ويسارها، فإن جهد الانتخاب المبذول للوصول إلى طفرةٍ نافعةٍ يعتمد في الحقيقة على خمسة كودوناتٍ وليس كودونًا واحدًا، وبما أن هناك 61 تركيبًا محتملًا للكودونات، فإن هذا يجعل الاحتمالات التي سيعمل عليها الانتخاب الطبيعيّ لتكوين طفرةٍ واحدةٍ مفيدةٍ بالصدفة هي 61 مرفوعًا إلى خمسةٍ وهو ما يعادل 844,596,301 تركيباً محتملاً!! وما يعني أيضاً طبقاً للدراسة أن تغيّرات الكودونات عبر الكائنات المختلفة ومملكات الأحياء المختلفة لن تؤدي إلى نفس التغيّرات كما كان المفهوم التطوريّ سابقاً لأن السياق مختلفٌ!
رابط الدراسة:
https://www.pnas.org/content/114/18/4745.abstract
رابط المقال على موقع Phys
https://phys.org/news/2017-04-genetic-code-context.html
Case for the genetic code as a triplet of triplets
National Academy of Sciences
pnas.org
#الباحثون_المسلمون