هل حدوث التغيرات الجينية يتم بشكل عشوائي بحت؟
يخبرك التطوريون دائمًا أنّ نظرية التطور تسير على ما يرام، وأنها تُوفر “توقعات” صحيحة عن الكائنات وشجرة تطورها يُمكن التحقق منها. في هذه السلسلة من المقالات سنعرض لكم مجموعة من “التوقعات” والفروض الداروينية التي ظلّت مُستقرة لعشرات السنين، ثمّ أثبت العلم أنّها توقعات وفروض خاطئة؛ فالنظرية مع الأسف توقعاتها تفشل على الدوام!
المقال الأول في سلسلتنا هذه عن الفرضية الداروينية التي كانت مستقرة منذ زمن داروين لعشرات السنين والتي كانت تشكل واحدة من أهم مبادئ الداروينية؛
أنّ حدوث التغيرات الجينية يتم بشكل عشوائي بحت وأنّ الطفرات هي محرك عشوائي يضرب يمنةً ويسرةً حسبما اتفق، أو كما يقول عالم الأحياء التطوري (جاك مونود):
“الصدفة وحدها هي مصدر كل ابتكار، في كل الخليقة في المحيط الحيوي. صدفة بحتة، حرة تمامًا ولكنها عمياء. في أسس الصرح الهائل للتطور لم يعد هذا المفهوم المركزي للبيولوجيا الحديثة واحدًا من بين فرضيات أخرى محتملة أو حتى يمكن تصورها. إنّها اليوم هي الفرضية الوحيدة التي يمكن تصورها، وهي الفرضية الوحيدة التي نميزها بحقائق مرصودة ومجرَّبة. ولا شيء يبرر الافتراض -أو الأمل- أنّه في هذا الصدد، من المرجح أن نقوم بمراجعة موقفنا”
Monod, Jacques. 1971. Chance & Necessity. New York: Vintage Books
أو كما يقول التطوري (رونالد فيشر): “الطفرات عشوائية وليس لها علاقة باحتياجات الكائن”
Orr, H. 2005. “The genetic theory of adaptation: a brief history.” Nature Review Genetics 6:119-127.
لكن هذه “الفرضية الوحيدة”، وأهمّ مبادئ الداروينية كما يقول مونود قد ثبت خطأها بالدراسات، فقد أظهرت عدة دراسات أنّ معدّل التغيرات الجينية هي تكيفيّة بامتياز، أي تزداد أو تقل تبعًا لظروف الكائن وبيئته المحيطة كما لو أنّ هناك إشارات للبدء في التكيّف وإيقافه وإسراع أو إبطاء معدله، ويظهر ذلك واضحًا في التجارب على البكتيريا كما في دراسة (فوستر)
Foster, P. 2005. “Stress responses and genetic variation in bacteria.” Mutation Research / Fundamental and Molecular Mechanisms of Mutagenesis 569:3-11.
وكذلك في الخميرة
Fidalgo, M., et. al. 2006. “Adaptive evolution by mutations in the FLO11 gene.” Proceedings of the National Academy of Sciences 103:11228-11233.
وفي النباتات
Johnson, C., T. Moss, C. Cullis. 2011. “Environmentally induced heritable changes in flax.” J Visualized Experiments 47:2332.
وحتى في عصافير داروين الشهيرة
Arhat Abzhanov, Winston P. Kuo, Christine Hartmann, B. Rosemary Grant, Peter R. Grant & Clifford J. Tabin. 2006. “The calmodulin pathway and evolution of elongated beak morphology in Darwin’s finches”. Nature 442: 563–567
وصار هذا المفهوم في البيولوجيا هو المعروف حاليًا بالتغير التكيّفي – Adaptive Mutation والذي يتم بمجموعة من التداخلات المعقدة من عوامل التحكم الجيني والعوامل فوق الجينية.