الثقوب السوداء.. العناقيد النجمية الكثيفة.. هل من علاقة ؟!
استكمالًا لما تكلمنا عنه في المقالات السابقة حول موجات الجاذبية، وما قدّمه هذا الاكتشاف من أبعاد جديدة لعلم الفلك لم تكن معلومة من قبل.
فقد اكتُشف مؤخرًا أنّ العناقيد النجمية الكثيفة قد تساعد على زيادة في تضخم الثقوب السوداء، وحدث ذلك الاكتشاف عندما التقطت أجهزة الاستشعار في الكاشف المزدوج (ليجو) عبر مراياها المتماثلة تلك الاهتزازات الضعيفة؛ فإنّ تلك الإشارة لم تكن فقط مجرد الكشف المباشر الأول على الإطلاق لموجات الجاذبية، بل قدمت أيضًا التأكيد على وجود ثقوب سوداء نجمية مزدوجة؛ والتي أدت إلى ظهور الإشارة.
لقد تَشكّل هذان الثقبان الأسودان النجميان عندما بدأ ثقبان أسودان -تشكلا من بقايا نجم كثيف- بالدوران حول بعضهما، وفي نهاية المطاف فإنّ هذين الثقبين قد اندمجا عبر اصطدام مذهل؛ وبحسب نظرية النسبية العامة لأينشتاين.. فإن ذلك سيحرّر كمية كبيرة من الطاقة على شكل أمواج جاذبية.
والآن، يقترح فريق دولي يقوده عالم الفيزياء الفلكية (كارل رودريجيز- Carl Rodriguez) أن هذه الثقوب السوداء يمكن أن تتشارك وتندمج عدة مرات منتجة ثقوب سوداء ذات كثافة أكبر من التي تتشكل من نجوم منفردة. هذه (الاندماجات من الجيل الثاني) يجب أن تأتي من العناقيد الكروية، وهي منطقة صغيرة من الفضاء عادة ما تكون موجودة عند حافة المجرة، وتحتوي على مئات الآلاف أو حتى الملايين من النجوم.
يقول كارل رودريجيز، وهو يشغل منصب زمالة “بابلاردو” في قسم الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومعهد كافلي للفيزياء الفلكية وبحوث الفضاء: “نعتقد أن العناقيد قد تشكلت عندما اندفعت مئات بل آلاف الثقوب السوداء داخل مركز تلك العناقيد” ويضيف قائلًا: “إنّ هذه الأنواع من العناقيد تُشكّل بالأساس مصانع للثقوب السوداء المزدوجة. لدينا هنا العديد من الثقوب السوداء الموجودة في منطقة صغيرة؛ ومن ثَمّ فإنه يمكن لثقبين أسودين الاندماج معًا وتشكيل ثقب أسود أكبر كثافة، ويمكن لهذين الثقبين المندمجين أن يجدا ثقبًا أسود آخر فيندمجا معه”.
إذا استطاع المرصد ليجو العثور على ثقب أسود تبلغ كتلته أكثر من خمسين كتلة شمسية.. فإنّ ذلك يعني أنّ هذا الثقب الأسود لم يتشكل من نجوم فردية بل من عنقود نجمي كثيف؛ وذلك وَفقًا للنتائج التي توصّل إليها فريق البحث الدولي.
ويقول (رودريجيز): “إذا انتظرنا بما فيه الكفاية.. فإنّ المرصد ليجو سيرصد شيئًا ما أُنتِج من تلك العناقيد النجمية؛ لأنه سيكون أكبر من أي شيء قد أُنتِج من نجم مفرد”.
وذكر أنّ النتائج قد نُشرت في ورقة بحثية، حيث إنها ستمرّ مع القارئ في الفقرة القادمة؛ كي يعلم عن أي ورقة بحثية نتكلم.
النجوم المتحركة:
اقترح رودريجيز قبل سنوات سلوك الثقوب السوداء بوجود العناقيد الكروية، ودرس فيما إذا كان ذلك السلوك مختلفًا عن سلوك الثقوب السوداء الموجودة في منطقة ما من الفضاء أقل كثافة.
توجد العناقيد الكروية في أغلب المجرات، ويعتمد عددها على حجم تلك المجرات، فعلى سبيل المثال: تستضيف المجرات الإهليلجية الضخمة عشرات الآلاف من هذه التكتلات النجمية، وإنّ مجرتنا درب التبانة تحتوي على (200) من هذه العناقيد، حيث يبعد أقرب تلك العناقيد عنا (7) آلاف سنة ضوئية.
ذكر رودريجيز وزملاؤه في ورقة بحثهم الجديدة بأنهم استخدموا الحاسب العملاق الذي يُدعى: “كويست”، في جامعة نورث وسترن، لمحاكاة التفاعلات المعقدة والديناميكية التي تجري ضمن (24) عنقودًا نجميًا، والتي تضم نجومًا يتراوح عددها ما بين (200) ألف إلى (2) مليون نجم؛ وهي تغطي نطاقات مختلفة من حيث الكثافات والمكونات المعدنية. لقد بيّن أنموذج المحاكاة لتطور النجوم المنفردة وتفاعلها مع النجوم الأخرى ضمن العنقود النجمي على مدى (12) مليار سنة، والتي تبين في النهاية كيفية تشكل وتطور الثقوب السوداء، كما تضع نماذج المحاكاة تلك مسارات الثقوب السوداء بمجرد تشكلها.
يقول رودريجيز: “إن الشيء الجيد في الأمر هو أنه كون الثقوب السوداء هي أكثر الأشياء كثافة في هذه العناقيد، فإنّ ذلك يؤدي إلى اندفاعها نحو مركز العناقيد؛ ومن ثَمّ نحصل على ثقوب سوداء كثيفة كفاية لكي تشكل الثقوب السوداء المزدوجة”، ويضيف قائلًا: “إن الثقوب السوداء المزدوجة هي بالأساس مثل أماكن تتكثف فيه الكتلة داخل العنقود، وعندما تتجه ثقوب سوداء ونجوم أخرى باتجاهها فإنها تخضع لمواجهات فوضوية”.
إنها (النسبية)!
عند إجرائهم لعملية المحاكاة السابقة تلك، قام الباحثون بإضافة عناصر أساسية لم تكن موجودة في عمليات المحاكاة السابقة للعناقيد الكروية.
وقال رودريجيز حول ذلك الأمر: “لقد تعامل الباحثون سابقًا مع هذه المشكلة وكأنها فقط مشكلة في قوانين نيوتن، لقد نجحت نظرية نيوتن حول الجاذبية مع نحو (99.9%) من جميع الحالات، ولم تنجح في بعض الحالات عندما كان يوجد ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما بمسافة قريبة جدًا؛ وهذا الذي لا يحدث عادةً في أغلب المجرات”.
تفترض نظرية نيوتن حول الارتباط بأنه إذا لم يكن الثقب الأسود مقيدًا بشريكه في البداية.. فإنّ أحدهما لن يؤثر بالآخر وسيمرّ بجانبه ببساطة؛ حيث تنبع هذه المشكلة من أنّ نيوتن لم يدرك وجود موجات الجاذبية، وقد تنبأ أينشتاين لاحقًا بوجودها وأنها تنشأ من دوران جسمين عظيمَيْ الكتلة، مثل: ثقبين أسودين قريبين من بعض.
يوضح رودريجيز ذلك بقوله: “وحسب نظرية أينشتاين للنسبية العامة، فإنه بإمكاني أنْ أصدر موجات جاذبية عندما يمر ثقب أسود بجانب آخر؛ وهذا بالفعل سيصدر نبضًا صغيرًا من موجات الجاذبية”، ويضيف قائلًا: “سيقوم هذا الأمر بسحب طاقة كافية من هذا النظام الثنائي والذي تَشكّل مِن ثقبين أسودين، واللذان سيندمجان بسرعة”.
لقد قرّر الفريق العلمي إضافة تأثيرات نسبية أينشتاين لمحاكاتهم للعنقود الكروي، وبعد بدء عمل المحاكاة.. رصدوا اندماج الثقبين الأسودين مع بعضهما ليشكلا ثقبًا أسود جديدًا داخل عنقودهما النجمي؛ فحسب نظرية نيوتن للجاذبية ودون وجود تأثير (النسبية).. ستُقذف أغلب الثقوب السوداء المزدوجة خارج العنقود عن الثقوب السوداء الأخرى قبل أن تحدث عملية الاندماج السابق ذكرها بين الثقوب السوداء، لكن عندما أخذ (رودريجيز) وزملائه تأثيرات (النسبية) في حساباتهم.. وجدوا أن نحو نصف الثقوب السوداء قد اندمجت مع بعضها داخل العنقود النجمي، منتجة جيلًا جديدًا من الثقوب السوداء لها كتلة أعظم من التي قد تشكلت جراء موت النجوم المنفردة، ولكن تبقى مسألة عالقة حول ما تفعله هذه الثقوب السوداء الجديدة داخل العنقود.
يقول رودريجيز: “إذا كان الثقبان الأسودان يدوران حول بعضهما وعندما يندمجان.. فإنهما يشكلان ثقبًا أسود يقوم بإرسال موجات جاذبية باتجاه واحد مثل الصاروخ، حيث تكون سرعتها جنونية نحو (5) آلاف كم بالثانية”، ويضيف قائلًا: “لا يتطلب الخروج من عنقودها النجمي سوى الحصول على سرعة لا تتعدى بضع مئات من الكيلومترات في الثانية”.
واعتبارًا لهذه التأثيرات.. فإن العلماء يظنون بقوة أنّ الثقب الأسود الناتج عن عملية الاندماج سيقذف من خارج العنقود النجمي.
إنّ هذا الافتراض يبدو متعارضًا مع قياسات الكاشف ليجو والذي لم يَرصد حتى الآن سوى ثقبين أسودين يدوران حول بعضهما ببطء، ولاختبار هذه المضامين.. راجع (رودريجيز) دوران الثقوب السوداء في عمليته للمحاكاة ووجد أنّ (20%) تقريبًا -في مثل هذا السيناريو- من الثقوب السوداء المزدوجة الموجودة في العنقود النجمي قد تشكلت من اندماج سابق؛ ولأنها قد تشكلت من ثقوب سوداء أخرى.. فإنّ بعض الثقوب السوداء من الجيل الثاني لديه كتلة تتراوح ما بين (50 – 130) كتلة شمسية؛ لذلك يعتقد العلماء أنّ الثقوب السوداء التي لديها مثل هذه الكتل لم تتشكل من نجوم مفردة.
يقول رودريجيز بأنه إذا اكتشفت التلسكوبات مثل ليجو جسمًا لديه كتلة ضمن هذا المجال.. فإن لدى هذا الجسم فرصة بأن يكون قد نتج من عنقود نجمي كثيف وليس من انهيار نجم.
حيث يقول: “كنت أنا وزملائي الذين شاركوا في تأليف البحث في تحدٍ ضد شخصين يدرسان تشكل النجوم الثنائية، وكان التحدي هو أنه مع أول (100) كشف للكاشف ليجو، فإن ليجو سوف يكتشف شيئًا ما داخل هذه الفجوة العليا من الكتلة، وقد ربحت التحدي.”
المصدر:
https://phys.org/news/2018-04-dense-stellar-clusters-foster-black.html