“الحمد لله” (الامتنان)
كنوز في هذه الكلمة حرمتَ نفسك منها طويلًا
تحدثنا في المقال السابق (الرابط https://web.facebook.com/
1- الامتنان يزيد من السعادة ويقلل فرص الاكتئاب:
في دراسة على عينة عشوائية أجراها الدكتور (Martin Seligman) وطلابه؛ ضمّتْ مجموعتين من الناس، طُلب من الأولى أن تدوِّن يوميًا ثلاث ذكريات من الطفولة، على أن تقوم الثانية بتدوين ثلاث نِعَم لكل يوم مع شعورهم وخواطرهم تُجاه هذه النعم، واستمرت الدراسة أسبوعًا كاملًا.
كانت النتيجة أنّ مَن تفكّروا في النعم ومارسوا شعور الامتنان كانوا أكثر سعادةً، وانخفضت معدلات إصابتهم بالاكتئاب على مدار ستة أشهر من الملاحظة، وقد اعتمدت تلك النتائج -بعيدة المدى- على كونهم اتخذوا الامتنان (سلوكًا) وواظبوا على تدوين النِعَم على مدار تلك الأشهر؛ فتقليل الإصابة بالإحباط والاكتئاب لن يحصل خلال أسبوع فقط، بل يحتاج أن يكون أسلوبًا حياتيًا.
(جديرٌ بالذكر أنّ ذلك السلوك أو تمرين التركيز على النعم أو غيره مما نعرض في هذه المقالات هو ليس علاجًا للاكتئاب، ولكنها وسائل وقائية مثبتة، كما أنها تزيد من سعادة المرء في الحياة. أمّا الاكتئاب المرضي -إنْ وقع- فيحتاج لعلاج تحت إشراف طبّي، يتضمن هذه التدخلات وغيرها بجانب العلاج الدوائي حسب الحالة).
2- الامتنان يمكن أن يعالج مشكلة الأرق:
في كثيرٍ من الأحيان يكون الأرق وصعوبة النوم بسبب التفكير الزائد، إمّا فيما مضى أو ما هو آتٍ، حتى وإن لم يكن تفكيرًا مصائبيًا، لكن مجرد استعراض اليوم وما حدث فيه: عرض تقديمي، أو امتحان، واسترجاع لحظات فيها من التوتر أو التفكير في مقابلة مهمة في اليوم التالي، والإحساس بالتشويق مع بعض القلق -وأغلبنا قد مرّ بمثل ذلك-؛ مما يحفز الجهاز العصبي لإطلاق هرمونات التنبيه التي تحُول دون النوم. ففي هذه الحالة يكون التفكر في الأشياء الجيدة التي حصلت في اليوم واسترجاعها مساعدًا على الاسترخاء وناقلًا الجهاز العصبي إلى وضع الراحة؛ فيسهّل ذلك من الدخول في النوم.
3- الامتنان لعلاقات إنسانية أفضل:
العرفان بالفضل هو الوجه الآخر لعملة الامتنان، فإذا ما شعر الإنسان بالامتنان تجاه شخص ما، لما أسدى إليه من معروف أو إحسان.. فإنه غالبًا سيعبّر عن ذلك الشعور بالشكر وكلمات التقدير؛ مما يوطد العلاقات الطيبة بين الناس.
4- الامتنان يزيد الإيمان:
كيف لا؟! فمن يعتد التعبير عن امتنانه، ثم يرى ويتأمل الصنع المتقن في الكون، وما فيه من نِعَم.. لا يمكنه إلا أن يتوجه بالامتنان لبديع هذا كله. (بمَن يذكركم هذا؟ )
5- الامتنان لمواجهة النزعة المادية:
أول قاعدة في علم الاقتصاد: (استخدام الموارد المحدودة لتلبية حاجات الإنسان اللامحدودة).
ولعلك ترى المشكلة في النفس البشرية في هذه القاعدة؛ لذا يحتاج الإنسان للتحكم في شعوره بالرغبة في الحصول على الحاجات المختلفة التي قد لا تكون ضرورية دائمًا؛ فلا يسرف من غير حاجة ولا يُرهق نفسه سعيًا وراء المادة بلا معايير (أو معايير ساقطة) فيشعر دائمًا بالفشل والتأخر في الوصول لشيء -ربما هو مكتفٍ منه أصلًا- والانهزام النفسي.. فيدخل في دائرة مفرغة، بينما هو فقط يحتاج إلى مراجعة احتياجاته، والشعور بالامتنان يساعده على ذلك، فإذا قرر أحد أن يَعدَّ -مثلًا- الأحذية التي لديه والصالح منها للاستخدام والانتباه لما عنده قبل العزم على شراء واحدٍ جديد بلا حاجة حقيقية؛ فذلك سيقلل من النزعة المادية ونهم الشراء.
بابُكَ لتطبيق ذلك، لتدخل منه وتغير من حياتك:
هنالك الكثير من الطرق، ولا يوجد دليلٌ أو مرجعٌ موحَّد لها، بل يمكن أن يُصمِّم كل شخص طريقته ووسيلته الخاصة للامتنان.
لكن المؤكّد أنّ جميعها تتشارك قاعدة الملاحظة الجيدة والتأمل والتفكر في الممتلكات، والتي قد يتعامل المرء مع أغلبها بالاعتياد فلا يشعر بقيمتها.
طريقة:
إحدى هذه الوسائل: تدوين ثلاث نِعَم يوميًا
لكن إنْ أردتَ وسيلة أفضل (إتقانها أصعب لكنها أفضل، ولها أجرٌ عظيم) فهي قولك: “الحمد لله” على أي شيء، مع استشعارك بها.
مستويات:
ولكن هناك مستويات، وكل مستوىً يستلزم منك بعض التعب لكي تظفر.
1- الامتنان على النعم الواضحة:
(احضر ورقة وقلمًا وابدأ بتسجيل الأمور الخاصة بك، لا تتردد، فأنت تقرأ لتستفيد وليس لتقرأ). فتشمل -مثلًا-: عشاء لذيذاً، أو مسامرة مضحكة مع شخص قريب، أو منزلًا نظيفًا، أو منظرًا طبيعيًا جميلًا في الطريق، أو مناخًا معتدلًا وهواء عليلًا، أو مساعدة من زميل في العمل، أو مشاركة الأبناء أحداث يومهم، وهكذا…؛ فنرى أنّ بعض تلك النعم متكررة، وبعضها خاص باليوم، ولا ننسَ أنّ الحرمان من الأشياء السلبية يُعدّ نعمة أيضًا، فالجسد الصحيح الخالي من الأمراض نعمة. (راجع مقالنا: “ميزان المشاعر وعلم النفس الإيجابي”)
حتى يصل الشخص في شعوره بالنعمة إلى أن يَعُد ابتسامة أحدهم له من نِعَم اليوم
2- الامتنان في الضرّاء:
وإنْ أردتَ زيادةً في الخير لنفسك (طبعًا مع كل خير هنالك صعوبة) فالأمر بتحسُّس النِعَم داخل المواقف السلبية، أي: البحث عن اليُسْر المرافق للعسر، وهذا يحتاج لاستيعاب نفسي قوي وإعادة تشكيل للموقف مع نظرة تفاؤلية وإيمان.
ولا تنسَ مع كل ذلك أن تُعبّر عن شعورك بالامتنان لا مجرد أن تسرد النِعَم.
المصدر: https://www.coursera.org/
تعقيبنا:
نتحدث عن الشعور بالنعم والتفكر بها والاستئناس بثلاث منها يوميًا، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أصبحَ منكُم معافى في جسَدِهِ ، آمنًا في سِربِهِ، عندَهُ قوت يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا بحذافيرِها)).
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز: {{وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}} [إبراهيم: 34]؛ (فخياراتك كثيرة)، وقد أكد رسولنا الكريم على ضرورة شكر الناس.. فقال صلى الله عليه وسلم: ((من لن يشكر الناس لم يشكر الله))، وعلّمنا مَن لا ينطق عن الهوى التفكرَ فيما نملك من النعم والانتباه لما اعتدنا عليه منها واستشعار قيمته.
ثم انظر فيمَ تبدأ به يومك من سنن، فمن أوائل ما تتكلم به: “أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله” ثم تختم يومك كذلك بالحمد، وتأكل فتحمد “اللَّهُمَّ بارِك لَنا فِيه، وأَطْعمنا خيرًا منْه”، وتبدأ كل ركعة في صلاتك بالحمد الذي هو بداية فاتحة الكتاب {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، يملأ الله لك يومك بالحمد والامتنان لتطمئن وتسعد وتشكر غيرك ويزداد إيمانك، وفي لحظات الابتلاء أنزل لك ما يثبتك ويُغير رؤيتك للمشهد، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} قال ابن عباس رضي الله عنهما: (لن يغلب عسرٌ يسرين).
وأعظم ما يُحمد عليه: (نعمة الإسلام)
في ديننا أمور تجلب السعادة لا يعلمها إلا الله، إذا أحببت الاستزادة في السعادة راجع مقالنا: (https://web.facebook.com/
وننوه أنّ هذا يبقى كلاماً تقرأه ما لم تطبقه؛ فقم واكتب وتذكر نعم الله عليك لتتحصل الفائدة، وحدّث بها الناس {{وأما بنعمة ربك فحدث}}؛ واجعل ذلك دأبك في حياتك.