الخرسانة الشبه الشفافة Translucent Concrete
تتكون الخرسانة القياسية بشكل أساسي من الإسمنت والركام الخشن والركام الناعم والماء. تلك المكونات تنتج لنا خرسانة ذات لون رمادي بكثافة عالية؛ تقريباً ضعفين ونصف كثافة الماء (كثافة الماء=1000 كغم/م3 وكثافة الخرسانة بمتوسط 2500 كغم/م3). نظراً لمواصفات الخرسانة القياسية تلك، تبدو الخرسانة مصمتة المنظر؛ أي لا يمكن للضوء اختراقها بسبب كثافتها العالية، وبالتالي بطبيعة الحال لا يمكن تمييز الأجسام خلف الكتل الخرسانية ولا الألوان [1].
المصدر
عام 1922م قدم بول ليس الألماني اختراع في طوب البناء، بحيث جعل طوب البناء شفاف المنظر. وفي عام 1965 قدم جيمس لوي البريطاني ألواح خرسانية للجدران تسمح للضوء بالنفوذ من خلالها، ومن التطبيقات على هذه الفكرة=استخدامها في جدران الكنائس بحيث تسمح للضوء بالعبور لداخل المبنى، وكانت الفكرة في هذه الجدران الخرسانية أن يتم خلط قطع من الموازييك(الزجاج الملون) مع الخلطة الخرسانية. لم يحالف جيمس الحظ في هذه الخرسانة الشفافة الأولية، إذ كانت تلك الخرسانة ذات قوة انضغاطية منخفضة بسبب ضعف التلاحم بين الزجاج المكسر وباقي مكونات الخرسانة. [2]
في أوائل ال 1990 تم تطوير خرسانة شبه شفافة بالاعتماد على الألياف البصرية وعلى حجم هذه الألياف وتموضعها داخل الخلطة الخرسانية تمكنوا من التغلب على مشكلة ضعف القوة الانضغاطية للخرسانة الشفافة. [2]
بعدما استعرضنا بدايات تصنيع الخرسانة الشفافة، هناك سؤال يطرح نفسه: ما الذي يدفع المهندس أو المقاول أو صاحب المنشأة أن يشيد منشأته باستخدام الخرسانة الشفافة!؟ للإجابة على هذا السؤال يجب علينا أن نستعرض المزايا العائدة على المنشأ عند استخدام مثل هذا النوع من الخرسانة: من ناحية معمارية ستحدث الخرسانة الشفافة تفاعل بين البيئة الداخلية للمنشأة والبيئة الخارجية المحيطة بها، وبالتالي ستحسن الإنارة الذاتية للفراغات داخلية، وأيضا ستسمح للمعماري بتصميم واجهات خرسانية بمناظر خلابة؛ لا سيما أن سماكة المقطع الخرساني لا تؤثر سلباً على نفاذية الضوء من خلال الخرسانة ،أما من ناحية تقنية سيسهل صيانة التمديدات داخل الخرسانة كونه يمكن الرؤية من خلالها، ومن ناحية بيئية فستخفض استهلاك الطاقة للمنشاة عن طريق تقليل الضوء اللازم لإنارة الفراغات الداخلية كونه الخرسانة تمسح بدخول نسبة من الضوء للفرغات.[1]
المصدر
الخرسانة الشفافة اليوم
نحن نعيش اليوم في عالم يشكل فيه استهلاك الطاقة ومشاكل البيئة مشاكل حقيقية على كامل نطاقه [1]. تمثل الطاقة المصروفة على الأبنية اليوم 48% من استهلاكنا الكلي للطاقة، بحيث تذهب 8% بالمائة على مواد البناء والإنشاء، وال 40% الباقية تذهب لتشغيل المباني من تبريد وتدفئة وإضاءة وغيره من اللوازم [3].
Green.Building.Illustrated by Francis D.K.Ching
رسمة توضح تقسيم استهلاك الطاقة حسب كل قطاع في الولايات المتحدة الأمريكية [3].
بناءً على ما سلف، فأن مسألة توفير الطاقة في المباني مسألة شديدة الأهمية، ومن هنا تبرز أهمية الخرسانة الشفافة، بحيث تسمح هذه الخرسانة بدخول كمية كبيرة من الحرارة على المباني على صورة ضوء شمس، مما يقنن استهلاك المبنى للطاقة لو تم استغلالها بشكل صحيح، فضلا عن الشكل المعماري الفريد لهذه الخرسانة. [1]
بشكل عام، الخرسانة الشفافة مكونات خلطتها أكثر قابلية للتنوع والتغيير من الخرسانة العادية؛ ذلك لأن هنالك مواد إضافية تضاف للخرسانة الشفافة لتؤدي وظائف معينة: على سبيل المثال يتم إضافة مادة ال Epoxy والبوليمير Polycarbonate للخلطة لكي تحسن تلاحم مكونات الخرسانة مع بعضها البعض، فمن الممكن إضافة مواد أخرى لتؤدي نفس الغرض. وسبب آخر لاختلاف مكوناتها هو كونها تقنية حديثة نسبياً ولكل شركة نظام خلطة خاص لها لكي تنفذها.
فعلى سبيل المثال شركة LiTraCon تقوم بتنفيذ الخرسانة الشفافة عن طريق تمرير أنابيب زجاجية داخل الخرسانة ومن ثم تمرير ألياف ضوئية داخل هذه الألياف لكي تنقل الضوء من طرفي المقطع الخرساني [2]، وفي الغالب تكون نسبة الألياف الضوئية للإسمنت=5%. وقد تصل قوة انضغاط هذه الخرسانة 50 ميجاباسكل، مما يجعلها مثالية للتشييد بجل أنواعه.
تتجلى سلبية النوع أعلاه من الخرسانة الشفافة في أن شكل الإضاءة العابرة من الخرسانة يعتمد بشكل كلي على تموضع أنابيب الألياف الضوئية داخل الخلطة الخرسانية كما يظهر الشكل أدناه، وأيضا تكلفة إنشاءها أعلى من الخرسانة العادية بطبيعة الحال.
صورة تبين مقطع داخل قالب خشبي لخرسانة شفافة قبل الصب، ويظهر بشكل جلي أنابيب الألياف الضوئية.
وأما التقنية الأفضل في صناعة الخرسانة الشفافة هي طريقة الشركة الإيطالية Italcementi وتقوم الشركة بصنع خرسانة شفافة عن طريق نوع خاص من الإسمنت فقط، مستبدلاً بهذا الألياف البصرية باهظة الثمن. الاسم التجاري لهذا الإسمنت الشفاف iLight.
المصدر
مجموعة صور تمثل ألواح خرسانية شفافة مصنوعة من الإسمنت الشفاف.
ومما يتميز به هذا الإسمنت الشفاف على طريقة الألياف البصرية ما يلي:
مسجد العزيز في أبو ظبي-الإمارات
تتجلى الخرسانة الشفافة في مسجد العزيز في واجهات مساحتها 550 م2، حيث بنيت هذه الواجهات بواسطة الشركة الألمانية LUCEM Lichtbeton.[4]
المصدر
وتكمن فكرة هذه الواجهات في أنها في النهار تبدو طبيعية تماما كما أنها محفورة على الخرسانة، لكن في الليل تتجلى أسماء الله الحسنى ال 99 بأبهى إطلالة وكأنها مصباح وليست خرسانة.
ا
لمصدر
ويعود فضل ذلك إلى الألياف الضوئية الموضوعة باحترافية تامة داخل الخرسانة، إذ تم وضع الألياف بتناسق شديد مع نقش الخطاط لأسماء الله الحسنى.
المصدر
وقد يبدو لك للوهلة الأولى أن هذه الواجهات حجرية! بل هي خرسانة شفافة، صممت خصيصاً لكي تبدو كحجر بناء باقي المسجد، عن طريق إعطاء الإسمنت هذا اللون المحمر وبعد ذلك ضربت الخرسانة بالرمل لكي تصبح ذات ملمس خشن.
تم استعمال أضواء ال LED خلف هذه الواجهات الخرسانية لكي تبدو أسماء الله الحسنى في الليل كأنها مصابيح وليست خرسانة، أما في النهار تعود لشكلها الطبيعي.
المصدر
ما زالت تقنية الخرسانة الشفافة فتية، والسبب في ذلك غالباً إلى تكلفتها المرتفعة نسبياً وصعوبة تنفيذها؛ فالشركات المتخصصة في تنفيذها محدودة، لكن تكشف لنا الدراسات أنه هذا النوع من الخرسانة سيشهد تطور وانتشار على نطاق واسع في المستقبل نظراً لانتشار وتوسع البناء الأخضر، إذا تعتبر الخرسانة الشفافة مادة مهمة جداً لأي شخص يريد تشييد بناء أخضر.
المراجع:
1 – https://www.ijsrp.org/research-paper-1013/ijsrp-p2283.pdf
2 – https://www.jetir.org/papers/JETIR1701004.pdf
3 – Green.Building.Illustrated by Francis D.K.Ching
4 – https://www.archdaily.com/775354/a-translucent-concrete-animates-the-facade-of-this-abu-dhabi-mosque