لا شكَّ أنَّ الدُّروس الخصوصية تُعَد من أكبر المشاكل التي تواجه العملية التعليمية في العالم العربي، لدرجة جعلت البعض يُطْـلِقون عليها ظاهرة: “التعليم في السوق السوداء”.
يُناقش البحث التالي هذه الظاهرة من مختلف جوانبها بغية توعية المجتمع من أخطار هذه الظاهرة التي تُهَـدِد واقع ومستقبل العملية التعليمية في بلادنا العربية.
تعريف ظاهرة الدروس الخصوصية:
هي عملية تعليمية تتم بين طالب ومُدَرِّس؛ يتم بموجبها تدريس الطالب مادة دراسية أو جزء منها، وحده أو ضمن مجموعة بأجرٍ يُحَدَد مِن قِبَل الطَّرفين وحسب اتفاقهم.
أما التعريف الإجرائي للدروس الخصوصية فهو: “الجهد الذي يبذله المعلم خارج نطاق المدرسة ويستفيد منه المتعلِّم بصورة فردية أو جماعية، بحيث يتقاضى المعلم أجرًا يُدفع له مقابل هذا الجهد، وتتم داخل بيوت المعلمين أو طلبتهم في ضوء اتفاق شفهي تحدد فيه أجرة المعلم عن كل درس وزمن ومكان إنجازه” .
حجم الظاهرة وخطورتها:
كشفت دراسة أعدها مركز المعلومات في مجلس الوزراء المصري أن ما بين 61- 77 في المائة من طلاب المدارس في السنوات الدراسية المختلفة يحصلون على دروس خصوصية، فيما أشارت إحصاءات رسمية إلى أنَّ هذه الدروس الخصوصية التي تُحَرِّمها وتحاربها وزارة التعليم تُكَلِّف الأُسَر المصريّة ما يُقارِب 15 مليار جنيه سنويًا، أي ما يعادل 3.3 مليار دولار أمريكي.
وقالت الدراسة التي شملت ألف أسرة مصرية وأوردتها مجلة “المصوّر” الحكومية، أن متوسط إنفاق الأسرة على الدروس الخصوصية يُعادل حوالي 90 دولارًا شهريًا (500 جنيه)، في حين أنَّ هذا الرقم يُمَثِّل الدخل الشهري للعديد من الأسر، وأن الدروس تَكثُر في المرحلة الثانوية، في حين تبلغ 50٪ من الطلاب في المرحلة الابتدائية.
وفي تقرير للجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الشورى برئاسة د. أحمد رشاد موسى، حول توزيعات الدخل والإنفاق للأسر المصرية، يُؤكد التقرير أنَّ الدروس الخصوصية ساهمت في تخفيض معدل النمو المتوقع وانكماش الدخل المتاح للتصرف لدى المواطنين واضطرارهم إلى تخفيض الكميات المطلوبة من السلع والخدمات، وهي عناصر ساهمت في تخفيض معدل النمو المتوقع خلال العام المالي 2002 – 2003 إلى 2.5% مقارنةً بمعدل النمو الذي قَدَّرَته الخطة الخمسية الثانية بنحو 6.2% كمتوسط سنوي.
في دراسة أخرى بعنوان: “اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ؛ ﻣﺪى اﻧﺘﺸﺎر اﻟﻈﺎهرة ووﺻﻔﻬﺎ” تمت بالجزائر أظهرت اﻟﻨﺴبة اﻟﻤﺌﻮية اﻟﻤُﺤَﺼَّﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ أنّ هناك إﻗﺒﺎل ﻣُﻌﺘﺒﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ، إذ إنّ %67 ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮع اﻟﺘﻼﻣﻴﺬ اﻟﺬﻳﻦ وُزِّع ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻻﺳﺘﺒﻴﺎن ﻳﺴتﻔﻴﺪون ﻣﻨﻬﺎ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ أنّ %33 ﻓﻘﻂ ﻣﻨﻬﻢ ﻻ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻨﻬﺎ. وﻳﻤﻜﻨﻨﺎ اﻋﺘﺒﺎر هذه اﻟﻨﺴﺒﺔ مؤﺷّﺮ ﻋﻠﻰ اﻧﺘﺸﺎر ﻇﺎهرة اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ.
وﻻ ﻳﺨﺘﻠﻒ اﻟﺬكور ﻋﻦ اﻹﻧﺎث كثيرًا في اﻹﻗﺒﺎل ﻋﻠﻰ هذه اﻟﺪروس، وإن كاﻧﺖ ﻧﺴﺒﺔ اﻹﻧﺎث أكبر ﺣﻴﺚ ﻗُﺪِّرَت ﺑـ %58 ﻣﻘﺎﺑﻞ %41 للذكور. وهنا ﻻﺑﺪّ ﻣﻦ اﻹﺷﺎرة إﻟﻰ أنّ ارﺗﻔﺎع ﻧﺴﺒﺔ اﻹﻧﺎث ﻗﺪ ﻳﺮﺟﻊ إﻟﻰ ارﺗﻔﺎع ﻧﺴﺒﺘﻬّﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺆﺳّﺴﺎت اﻟﺘﺮﺑﻮﻳﺔ، وإﻟﻰ اهتماﻣﻬﻦّ الأكبر ﺑﺎﻟﺪراﺳﺔ وﺑﺎﻟﻨﺠﺎح ﻓﻴﻬﺎ.
وﻗﺪ ﺗﺒﻴّﻦ أنّ %41 ﻣﻦ أﻓﺮاد اﻟﻌﻴّﻨﺔ ﻳﺘلقون اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻓﻲ أكثر ﻣﻦ ﻳﻮم ﻣﻦ أﻳّﺎم اﻷﺳﺒﻮع، وأنّ %20 ﻣﻦ أﻓﺮاد اﻟﻌﻴّﻨﺔ ﻳَﺘَﻠﻘَّﻮن هذه اﻟﺪروس ﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳﺔ اﻷﺳﺒﻮع، وﻟﺪﻳﻨﺎ %14 ﺗتلقّى الدروس ﻣﺴﺎء يوم اﻟﺜﻼﺛﺎء، و%13 ﺧﻼل أﻳّﺎم اﻷﺳﺒﻮع، وأﺧﻴﺮًا %2 ﺗﺘﻠﻘّﻰ هذه اﻟﺪروس ﺧﻼل أﻳّﺎم اﻷﺳﺒﻮع، وﻓﻲ ﻧﻬﺎﻳته، وﻣﺴﺎء يوم اﻟﺜﻼﺛﺎء، وﻓﻲ أيام اﻟﻌﻄﻠﺔ. وﺑﻬﺬا ﻳﺘﺒﻴّﻦ أنّ التلميذ في اﻟﻤﺴﺘﻮﻳﺎت اﻟﺜﻼثة ﻳﻘﻀﻲ أﻏﻠﺐ أﻳّﺎم اﻷﺳﺒﻮع، ﺑﻞ واﻟﺴﻨﺔ اﻟﺪراﺳﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺘﺎﺑﻌﺔ اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ.
وﻳﻈﻬﺮ أنّ اﻟﺘﻠﻤﻴﺬ اﻟﻤﺴﺘﻔﻴﺪ ﻣﻦ اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻟﻴﺲ ﺑﺎﻟﻀﺮورة أن يكون تحصيله الدِّراﺳﻲ ﻣُﻨﺨﻔﺾ، إذ ﻟﺪﻳﻨﺎ %29 ﻓﻘﻂ ﻣﻦ اﻟﻌﻴّﻨﺔ اﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻖ ﻟﻬﻢ إﻋﺎدة اﻟﺴﻨﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ %51 ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻴﺪوا أيَّ ﺳﻨﺔٍ دراﺳﻴﺔ.
وﻋﻨﺪ ﺳﺆاﻟﻨﺎ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ اﻟﻠﺠﻮء ﻟﻠﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ، ﻳﺘﺒﻴّن لنا أنّ %33 ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻳُﺮﺟِﻌﻮن ذﻟﻚ إﻟﻰ ﺿَﻌﻔﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻤّﺎدة، ﺑﻴﻨﻤﺎ %31 ﻳُﺮﺟِﻌﻮﻧﻪ إﻟﻰ اﻻﻗﺘﺪاء ﺑﺰﻣﻼئهم اﻟﺬﻳﻦ ﻳﺴﺘﻔﻴﺪون ﻣﻦ هذه اﻟﺪروس.
كما ﻟﺪﻳﻨﺎ %81 ﻳُﺼﺮّﺣﻮن أﻧّﻬﻢ يُتاﺑﻌﻮن اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻷﻧّﻬﻢ ﻻ ﻳﻔﻬﻤﻮن اﻟﺪرس ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻢ، و%86 ﻳَﺮون أﻧّﻬﻢ ﻳﻔﻬﻤﻮن اﻟﺪرس أﺣﺴﻦ ﺧﻼل ﺣﺼﺺ اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ، و%60 ﻳﺆكدون أنّ اﻟﺘﻘﺪّم ﻓﻲ اﻟﺪروس هو ﻋﻠﻰ وﺗﻴﺮة أﺣﺴﻦ ﻓﻲ اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻢ ﺑﺎﻟﻤﺪرﺳﺔ.
ﺗُﺒَﻴِّﻦ اﻷرﻗﺎم كذﻟﻚ أنّ %76 ﺗﻘﺮﻳﺒًﺎ ﻳُﻔﻀّﻠﻮن اﻟﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻷﻧّﻬﻢ ﻳﻘﻮﻣﻮن ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﻞّ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺘﻤﺎرﻳﻦ.
واﻟﻤُﻠﻔﺖ ﻟﻼﻧﺘﺒﺎﻩ هو أنّ %52 ﻳﻘﻮﻟﻮن أنّ اﻟﻤﺸﺮف ﻋﻠﻰ دروﺳﻬﻢ اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ هو أﺳﺘﺎذ ﻣﻦ ﻣﺪرﺳﺘﻬﻢ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻳﺘﺎﺑﻊ %46 ﻣﻦ اﻟﻌﻴّﻨﺔ دروﺳﻬﻢ ﻋﻨﺪ أﺳﺘﺎذ ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﻤﺪرﺳﺔ. ﺑﺎﻟﻤﻘﺎﺑﻞ ﻧﺠﺪ %76 وُﺟِّﻬﻮا ﻟﻠﺪروس اﻟﺨﺼﻮﺻﻴﺔ ﻣﻦ ﻃﺮف ﻣُﺪَرِّﺳﻴﻬﻢ، وهذا رﺑّﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﺴِّﺮ اﻟﻨﺴﺒﺔ اﻟﻤﺬكورة اﻟﺴﺎﺑﻘﺔ، أيّ أنّ اﻟﺘﻠﻤﻴﺬ ﻳُﻮﺟَّﻪ ﻣﻦ قِبَل أﺳﺘﺎذﻩ اﻟﺬي ﺳﻮف ﻳﻘﺪّم ﻟﻪ هذه اﻟﺪروس.