الرد على الشبهات 2 – الروايات المدسوسة في كتب التأريخ والتفسير والأحاديث
ما من رسالة لله عز وجل إلا وكان لها من شياطين الإنس والجن مَن يعملون على تشويهها وتحريفها والدس فيها ما ليس منها لتلبيسها على الناس للأسف – وبذلك وقعت التحريفات في كتب السابقين وأقربهم النصرانية التي تم إضافة نصوص التثليث لها والصلب وغيرها الكثير بأيدي بشر ثم نسبوها إلى الله وحاشاه !!
ولم يكن الإسلام بدعا من الرسالات – حيث جرى له ما جرى لها – لكن الفرق الوحيد هنا أن الله تعالى تعهده بحفظه – وكيف لا وهو الرسالة الخاتمة والتي تخص البشرية كلها وليس قوما دون غيرهم – وبالفعل : كما حفظ الله تعالى القرآن بأن يسر حفظه في الصدور والسطور : فقد حفظ سنة النبي وأحاديثه لأنها المفسرة والمبينة والشارحة للقرآن .. ولمَن لا يعرف أهمية السنة والأحاديث : فلينظر اليوم في خبالات منكري السنة وكيف يحرفون القرآن بعدما استبعدوا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم : فصار كل منهم مشرع ومفسر يأتي من غريب وعجيب التأويلات ما يضحك الثكلى للأسف – ولولا تفشي الجهل بين المسلمين اليوم إعلاما وتعليما لما كان سمع له أحد مثقال ذرة
لن نطيل .. وخصوصا أننا سنخصص منشورا كاملا عن علم الحديث وما هو ونشأته : كل ذلك بأسلوب مبسط سهل يفهمه كل أحد – وليمت منكرو السنة بغيظهم – والذين هم (لأمَن له خبرة بالفيسوك وغيره) يعلم أنهم صنو الملاحدة وأصدقائهم في جروباتهم (مجموعاتهم) وصفحاتهم – تشابهت قلوبهم في الزيغ والضلال واشتركت في تكرار شبهات الأحاديث دون علم : حتى أن كثيرا منهم يلحد في النهاية بعد أن يتفسخ الدين في نظره وبأفعاله قرآنا وسنة !! ولا حول ولا قوة إلا بالله
ولأن الموضوع هام وكبير .. فسنكتفي اليوم بالإشارة إلى الروايات المدسوسة في كتب التأريخ والتفسير والأحاديث
——————–
يقول الإمام (ابن الجوزي) رحمه الله :
” لمّا لم يمكن لأحدٍ أن يُدخِلَ في القرآن ما ليس مِنه، أخذ أقوامٌ يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله علماءً يذبون عن النقل، ويوضحون الصحيح، ويفضحون القبيح، وما أخلى الله منهم عصرا مِن العصور، غير أن هذا الضرب (أي هذا النوع مِن العلماء) قد قل في هذا الزمان (يقصد في القرن السادس الهجري ! فما بالنا بوقتنا الحاضر؟!!) فصار أعز مِن عنقاء مغرب (كناية عن شدة النـدرة) ” !
فالله الله في علماء الحديث !
يذكر الحافظ (الذهبي) رحمه الله في (طبقات الحفاظ) :
” أن هارون الرشيد أخذ زنديقا ليقتله (ونحن نتبرأ إلى الله تعالى مِن الأكاذيب التي نسجها الحاقدون على هارون الرشيد رحمه الله) .. فقال الزنديق : أين أنت مِن ألف حديثٍ وضعتها (أي بثثتها كذبا بينكم) ؟ فقال الرشيد : وأين أنت يا عدو الله مِن أبى إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها فيُخرجانها حرفا حرفا ”
والسؤال :
إذا كانت الروايات المدسوسة تسللت في أحاديث موضوعة إلى بعض كتب الحديث التي تعتني أصلا بذكر سند ورجال وعنعنة كل حديث (العنعنة يعني فلان عن فلان عن فلان) : فما بالنا بكتب التأريخ (وقريب منها كتب المغازي وذكر الحروب والفتوحات) وكتب التفسير ؟ حيث كان هم بعض كتاب التأريخ والتفسير هو (تجميع) أكثر ما قيل ووصل إليهم في وقتهم من روايات : بغض النظر عن درجة صحتها .. تاركين بذلك أمر تبيانها والتحقق منها لعلماء الحديث في عصرهم ومَن يأتي بعدهم رحمهم الله ؟
لهذا نجد أن أكثر اعتماد النصارى والملاحدة في سوق الروايات التي يصنعون منها الشبهات : إنما يكون من كتب : المغازي والملاحم والسير (والتأريخ) والتفسير – أو كما قال الإمام أحمد فيما نقله عنه الخطيب البغدادي :
” ثلاثة كتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير ”
انظر : الجامع 2 /162
رواه عن أبو سعد الماليني عن عبد الله بن عدي الحافظ عن محمد بن سعيد الحراني عن عبد الملك الميموني – وهو إسناد صحيح رواته ثقات
ومقصود الإمام أحمد هنا أنها ليست كتب لها أصول في التخريج يُرجع إليها مثل كتب الأحاديث – بل أكثرها روايات غير مدققة السند (كأن يكون في رواتها مطعون في حفظه أو في دينه) أو روايات مرسلة أو منقطعة السند غير متصلة : هدفها الانتهاء إلى النبي أو أحد الصحابة أو السلف لتمر على السامعين (والمرسل والمنقطع علامة على احتمالية الكذب والدس والوضع لأن هناك رواي أو أكثر غير مذكور أو غير معروف الحال) – فما بالنا مع وجود زنادقة متربصين مثل أي أمة من الأمم ؟ وما بالنا باليهود وروايات الإسرائيليات من كتبهم والتي يحاولون دسها في الإسلام مثل عندهم ومثل تحريفاتهم ؟ وما بالنا بأصحاب الفرق الضالة الذين ظهروا مع المائة الأولى للإسلام ؟
وليس معنى الكلام هو محاربة كل كتب الملاحم والتفسير والسير والتأريخ : وإنما عدم قبول كل ما ذكر فيها على أنه صحيح أو صالح للاحتجاج إلا أن يكون صحيح السند بالفعل – أما الذي في سنده شك أو انقطاع أو إرسال : فإن كان معناه موافقا للدين فيمكن الاستئناس به – وأما إن كان خرافيا فلا حاجة لنا به
وحتى لا نطيل عليكم – سنكتفي بنقلين فقط لنرى كيف أن علماء التأريخ والتفسير أنفسهم يعرفون ذلك – لكن للأسف أكثر المسلمين لا يقرأون ولم يمسكوا مثل هذه الكتب أبدا في أيديهم – ولذلك يسهل عليهم الوقوع في الشبهات التي من هذا النوع
———————
النقل الأول للإمام الطبري رحمه الله 224هـ – 310هـ
وهو صاحب كتاب (تاريخ الطبري) الشهير (واسم الكتاب الأصلي : تاريخ الأمم والملوك أو تاريخ الرسل والملوك) وهو كتاب كبير جدا يحكي فيه أشبه بمختصر تاريخ العالم مما وصله من أخبار ومن سعة اطلاعه منذ آدم عليه السلام مرورا بسيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته وما وقع بعده إلى وقت الطبري – وهو صاحب أيضا كتاب (تفسير الطبري) الذي يعد من أمهات كتب التفسير التي اعتنت بجمع كل ما قيل من روايات في تفسير الآية الواحدة من القرآن – بغض النظر عن صحتها سندا أم لا كما قلنا (واسم الكتاب الأصلي : جامع البيان عن تأويل آي القرآن أو جامع البيان في تأويل القرآن)
فيقول الطبري مثلا في مقدمة (تاريخ الطبري 1 / 8) :
” فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدى إلينا ” !!
———————-
وأما النقل الثاني فعن الإمام ابن كثير رحمه الله 701هـ – 774هـ
وهو صاحب كتاب (تفسير ابن كثير) والذي أسماه (تفسير القرآن العظيم) وقد اعتنى فيه بجانب التفسير ببيان بعض الروايات الموضوعة والإسرائيليات والتنبيه إليها مما ورد في كتب المفسرين من قبله
ولنختم بنقل جزء كبير من قوله في تفسير أول سورة (ق) وكيف ذكر رأيه بكل صراحة ووضوح مما لا يعلمه أغلب الناس اليوم للأسف لقلة قراءتهم فيظنون أن كل المفسرين يذكرون الإسرائيليات ولا ينبهون عليها أو يرفضونها – فيقول :
” { قۤ } حرف من حروف الهجاء المذكورة في أوائل السور كقوله تعالى { صۤ } و { نۤ } و { الۤمۤ } و { حمۤ } و { طسۤ } ونحو ذلك، قاله مجاهد وغيره، وقد أسلفنا الكلام عليها في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، وقد روي عن بعض السلف أنهم قالوا قۤ جبل محيط بجميع الأرض، يقال له جبل قاف، وكأن هذا، والله أعلم، من خرافات بني إسرائيل التي أخذها عنهم بعض الناس لما رأى من جواز الرواية عنهم مما لا يصدق ولا يكذب، وعندي أن هذا وأمثاله وأشباهه من اختلاق بعض زنادقتهم، يلبسون به على الناس أمر دينهم، كما افْتُرِيَ في هذه الأمة مع جلالة قدر علمائها وحفاظها وأئمتها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وما بالعهد من قدم، فكيف بأمة بني إسرائيل، مع طول المدى وقلة الحفاظ النقاد فيهم، وشربهم الخمور، وتحريف علمائهم الكلم عن مواضعه، وتبديل كتب الله وآياته، وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله ” وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ” فيما قد يجوزه العقل، فأما فيما تحيله العقول، ويحكم فيه بالبطلان، ويغلب على الظنون كذبه، فليس من هذا القبيل، والله أعلم.
وقد أكثر كثير من السلف من المفسرين، وكذا طائفة كثيرة من الخلف من الحكاية عن كتب أهل الكتاب في تفسير القرآن المجيد، وليس بهم احتياج إلى أخبارهم،ولله الحمد والمنة، حتى أن الإمام أبا محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، رحمة الله عليه، أورد ههنا أثراً غريباً لا يصح سنده عن ابن عباس رضي الله عنهما، فقال حدثنا أبي قال حدثت عن محمد بن إسماعيل المخزومي، حدثنا ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال خلق الله تبارك وتعالى من وراء هذه الأرض بحراً محيطاً بها، ثم خلق من وراء ذلك البحر جبلاً يقال له قاف، سماء الدنيا مرفوعة عليه، ثم خلق الله تعالى من وراء ذلك الجبل أرضاً مثل تلك الأرض سبع مرات، ثم خلق من وراء ذلك بحراً محيطاً بها، ثم خلق من وراء ذلك جبلاً يقال له قاف، السماء الثانية مرفوعة عليه، حتى عد سبع أرضين وسبعة أبحر وسبعة أجبل وسبع سموات، قال وذلك في قوله تعالى :
{ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ }
لقمان 27 فإسناده هذا الأثر فيه انقطاع، والذي رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل { قۤ } هو اسم من أسماء الله عز وجل. والذي ثبت عن مجاهد أنه حرف من حروف الهجاء كقوله تعالى { صۤ } { نۤ } { حمۤ } { طسۤ } { الۤمۤ } ونحو ذلك، فهذه تبعد ما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنهما ”
ونكتفي بهذا القدر
فتابعونا في منشور قادم عن التلاعب أيضا ولكن هذه المرة بالإحصائيات التي تخدع وأخبارها المفبركة والكاذبة مما تستدعي أن يتأكد المسلم بنفسه والله القائل :
” إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ” الحجرات 6
#الباحثون_المسلمون