ما هو السرطان، وكيف يَحصُل؟!
تَصِلنا أسئلةٌ كثيرةٌ حولَ السرطان، ويتساءلُ المتابعون عن ماهيته.
فما هو السرطان؟ ما طبيعته، وكيف يَحصُل، ولِمَ هو خطر، وكيف يتصرَّفُ الجسم تجاهه، وكيف نُعالِجُه؟!
سنتعرَّفُ على كلِّ هذا سويًا في سلسلة المقالات هذه إن شاء الله.
أولًا: ما هو السرطان؟ وما هو الورم؟
قبل الإجابة؛ لنُعرِّف الورمَ عمومًا.
الورمُ هو كتلة خلوية نَتَجَتْ عن انقساماتٍ غيرِ طبيعيةٍ للخلايا بسببِ خَلَلٍ في جيناتِها.
قد تسألُ: وهل كلُّ ورمٍ سرطان؟!
في الواقع، لا؛ إذ تُقسَّمُ هذه الأورامُ لنوعَيْن: الخبيثة malignant (السرطانية)، والحميدة benign (كتلة غير سرطانية) ولكِنْ؛ ما الفرقُ بينهما؟
إنَّ كلا الورمَيْن نَتَجَ عن خللٍ جيني؛ ولكِنَّ الخللَ في الورمِ الحميدِ أكثرُ أمانًا من الخبيث، ويُمكِنُ القول أنَّ حالةَ الورمِ الحميدِ الجينية أكثرُ استقرارًا من الخبيث.
ويتميَّزُ السرطان بعدةِ نواحٍ؛ منها سرعة تمايزه الخَلَوي، وسرعة نُمُوِّه وقيامه بالتغلغلِ في الأنسجةِ واجتياحها، أمَّا الأسوأ فهو انتشارُه لأماكنَ أخرى في الجسم!
ولكِنْ؛ إذا كانت الخلايا تتضاعفُ بحُكْمِ جيناتِها، فلِمَ لا يحدثُ السرطان في كلِّ خلايانا؟ ما الذي يمنعُها؟ هل هي تعي ما تفعل؟!
في الحقيقة، تنظيمُ خلاياك أعقدُ بكثيرٍ مما تعتقد؛ فالخلايا ليس لها عقلٌ، لكِنْ أودعَ الله فيها نظامًا مترابطًا يمنعُها مِنْ أنْ تتكاثرَ فوق الحدِّ المطلوب؛ ففيها جيناتٌ تقومُ بالسيطرةِ على ذلك، بل في حالِ خروجِها عن السيطرةِ فيها جيناتٌ تأمرُها بالانتحار! فيما يُسمَّى الموتُ المُبرمَج للخليَّة.
تلك الجينات تعملُ كالمشرف، لكن مُبرمَج وليس ذا عقل!
فوظيفةُ الجيناتِ الكابحة للأورام مثلًا أنْ تتحسَّسَ أضرارَ الحِمْضِ النَوَوي التي قد تقود لتكاثرٍ مُفرِط؛ ففي حالةِ وجودِ ضررٍ تُوقِف عمليةَ التكاثر لإصلاح الضرر، أو تَمنَعُ الخليةَ تمامًا من التكاثر، أو حتَّى تقتُلُها في حالةِ كونِ الخَلَلِ كبيرًا.
تَكْمُنُ المشكلة في حالِ فُقِدَت هذه الجينات التي تَضْبُط الخليَّة، أو تضرَّرَت بفعلِ طفرات (منها الطفراتُ النقطية وطفراتُ الحذفِ وطفراتُ التضخيم)، أو بفعلِ فيروساتٍ؛ فهنالك عددٌ من الفيروساتِ تستهدِفُها أو تستهدِفُ البروتينات التي تُعبِّرُ عنها.
أو قد يَحصُل السرطانُ بتطفيرِ جيناتٍ مُخَصَّصةٍ لتصنيعِ ما يُسمَّى الرنا الميكروي miRNA؛ وهو أحدُ أنواعِ الحِمْضِ النَوَوي الرَيْبوزي والذي يقومُ بوظائفَ مِحوَريَّةٍ حسب نوعِه؛ منها منعُ التعبيرِ عن الجيناتِ المُسرطَنَة، أو منعُ التعبيرِ عن الجيناتِ الكابحةِ للسرطان.
دقةُ تصميمِ خلاياك والبرمجة المضبوطة فيها أعقدُ مما تتصوَّر!
وإنّ أيَّ خَلَلٍ يُصيبُها سيؤدِّي لفقدِ الخليةِ أحد دفاعاتِها فتتولَّدُ خلية سرطانية.
ونكتفي بهذا القدر، انتظرونا في الجزءِ القادمِ للكلامِ عن خصائصِ الخليَّةِ السرطانية وكيف اكتَسَبَتْها.
أدامَ الله نظامَ جسمِكُم دقيقًا متوازنًا! وأبعَدَكم عن الأمراض.