نشأة الحزب الشيوعي:
تأسس الحزب الشيوعي الصيني في تموز/ يوليو عام (1921) م في مدينة شنغهاي، ووصل إلى السلطة عام (1949) م بقيادة (ماو تسي تونغ)، إثر حرب أهلية خاضها ضد خصمه العنيد، الحزب الوطني (الكومندانغ)، ويَعُد الحزب نفسه طليعة للطبقة العاملة الصينية والشعب الصيني عموماً، ويتبنى الحزب -حسب دستوره – (الماركسية اللينينية) والأفكار الإلحادية لـ (ماو تسي تونغ) ونظرية (دنغ شياو بينغ)، ويعدها موجِّهة لعمله.
الممارسات السياسية والعسكرية (عقود من القمع):
حدد الحزب أهدافه بالاهتمام بالإصلاح والانفتاح، والتمسك بنظام المركزية الديمقراطية، ولكن الواقع الفعلي كان وما يزال غير ذلك، فقد دلت الحقائق على ممارسة الإبادة الجماعية في كافة مراحل وجود الحزب على مر العقود، بداية من اعتماد قانون “إذا أردت أن تقتل العدو، فابدأ أولاً بالصديق” وذلك باستهداف الحزب عدداً من –أتباعه- داخل الحزب الشيوعي الصيني والجيش الأحمر، فقد تم عام (1930) م تنفيذ أول عملية تطهير داخلي في تاريخ الحزب الشيوعي الصيني، بقيادة (ماو تسي تونغ) العقل المدبر، قتل فيها (70000) شخص بلا رحمة بتهم كاذبة، إلى الاعتماد على “تكتيكات التجويع” التي نفذها جيش الحزب الشيوعي الصيني عام (1948) م، عندما استولى على مدينة (تشانغتشون)، لمدة خمسة أشهر-من أيار / مايو إلى تشرين الأول / أكتوبر- أحاط جيش الحزب الشيوعي بـ (تشانغتشون)، وقام بالتمركز وتطويق المدينة وفرض حصارًا مطبقاً لمنع تسليم أي طعام أو بضائع إلى (تشانغتشون). لم يُسمح بإدخال أي شيء صالح للأكل، كان الحصار دقيقًا إلى حد أنه تم إطلاق النار على كل من يحاول إدخال الطعام إلى المدينة، وعند قيام الأهالي بالخروج لطلب الطعام -بإخطار من الجيش الوطني القابع داخل المدينة-قام جيش الحزب الشيوعي الصيني بإغراقهم بالرصاص. بالكاد تمكن البعض من سكان المدينة من البقاء على قيد الحياة، من خلال مبادلة قطعة ذهبية بكيس من الدقيق، أو بيع فتاة بخمسة كيلوغرامات من الأرز، كما أن السكان قاموا بأكل الكلاب والقطط وكذلك الفئران، وبعد ذلك لم يكن أمامهم أي خيار سوى انتظار الموت، وفي النهاية؛ وقعت العديد من الحوادث المروعة التي تبادل فيها الأشخاص الجائعون أطفالهم مع الآخرين من أجل قتلهم وأكلهم، تحولت المدينة حرفيًا إلى “جحيم الجوع”. في (30) يناير (1951) م، أصدر الديكتاتور الملحد ماو تسي تونغ أمرا صريحا للحزب والجيش بأكمله للانخراط في القتل الجماعي: “الفخر بقتل معادي الثورة”. إنها مذبحة (Zhen fan) التي تضمنت إعداماً فورياً لـ (710000) شخص على نطاق وطني استجابة لأوامر (ماو تسي تونغ) الحتمية بالقتل لقمع الثورة المعادية بإطلاق النار عليهم، على مدى عام واحد أخضعت حكومة الحزب الشيوعي الصيني من أطلق عليهم وصف “معاداة الثورة” لمحاكم الكنغر وأطلقت النار عليهم حتى الموت. لقد حدد ماو تسي تونغ أيضًا “حصص القتل” وفقًا لحجم السكان: كانت النسبة شخص من بين كل ألف شخص في المناطق الريفية، كما يجب قتل أكثر من شخص من بين كل ألف شخص في المناطق الحضرية.
اضطهاد الفئات المجتمعية:
امتدت ممارسات الحزب إلى اعتماد نهج التعذيب تجاه بعض الفئات المجتمعية، إذ نشر تقرير لمنظمة العفو الدولية عن الصين عنوانه (التعذيب آفة متنامية) عام (2001) م: “إن ممارسات التعذيب وسوء المعاملة متفشية ضد جميع أنواع المعتقلين والسجناء وتحدث في جميع مؤسسات الدولة بدءاً من مراكز الشرطة وانتهاءً بمراكز تأهيل مدمني المخدرات، فضلاً عن منازل الأفراد أو أماكن العمل أو أمام الملأ”، ويمثل التقرير المرفق عينة نموذجية لمئات من حالات التعذيب التي رصدتها منظمة العفو الدولية في الصين في الأعوام القليلة الماضية، كما تمت الإشارة إلى التعذيب الذي يمارس لتحصيل الضرائب والغرامات والقروض غير المسددة وتعذيب المشردين وإساءة معاملتهم وتعذيب المرضى عقلياً وإساءة استخدام مستشفيات الامراض العقلية وتعذيب المعتقلين على سبيل “التثقيف” والعقاب في الاعتقال الجنائي والإداري. يذكر أن الصين طرف من عدة أطراف في مجموعة واسعة من معاهدات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كما صادقت الصين على ستٍ من معاهدات الأمم المتحدة التسع باستثناء اتفاقية حماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي وقّع في الخامس من تشرين الأول / أكتوبر عام (1998) م، إذ لم تصادق الصين على هذه الاتفاقيات بعد، بحسب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان عام (2018) م.
الطغيان الثقافي على الأقليات (الأقليات المسلمة):
لم يكتفِ الحزب الحاكم بممارساته السابقة بل اتخذها منهجا للاستدلال به، لينقل التطبيق العملي لأفكاره على الفئات الدينية والقوميات الأخرى، إذ بدأت الحكومة الصينية حملة صريحة ضد الرموز التي تدل على الهوية الإسلامية عام (2016) م كمحاولة لدمج أكثر من (20) مليون مسلم في الصين ضمن تيار الثقافة الصينية. وقد وجهت الحملة في البداية إلى المطاعم والمقاهي وأكشاك الطعام التي تقدم منتجات الحلال، وطُلب منها أن تزيل كلمة “حلال” باللغة العربية بالإضافة إلى أي صور مرتبطة بالإسلام، مثل رمز الهلال، إذ إن العدد المتزايد من المنتجات التي تحمل علامة حلال يسمح للطقوس الإسلامية باختراق الحياة العلمانية في الصين كما يرى بعض المسؤولين ووسائل الإعلام، وفي هذا الصدد يقول (دارين بايلر)، عالم الأنثروبولوجيا في جامعة واشنطن، وهو خبير في شؤون (شينجيانغ): “إن الحزب الشيوعي الصيني بحسب وجهة نظره، يرى أن الثقافة الإسلامية والعربية تعد تأثيرات خارجية ليست ضمن السيطرة، كما أنه يحسبها مرتبطة بأشكال المعتقدات الدينية الدولية، أو التطرف الديني كما يعده أصحاب السلطة في الدولة، الذين يريدون أن يعمل الإسلام في الصين من خلال اللغة الصينية في المقام الأول.” من جهة أخرى، دعا مسؤولو الأحزاب في (أورومتشي)، عاصمة (شينجيانغ)، التي تضم حوالي (12) مليون شخص من الأقليات المسلمة، المسؤولين الحكوميين إلى تعزيز “الكفاح الأيديولوجي” ومحاربة “عملية جعل المنتجات حلال” أو “الميل نحو الحلال”، وهو ما يشير إلى التوسع في عملية وضع وسوم الطعام الحلال -المعتمد في الشريعة الإسلامية -على المواد غير الغذائية أيضاً، لجذب المستهلكين المسلمين. حيث أغلق المسؤولون في مقاطعة (قانسو)، التي يقطنها عدد كبير من مسلمي (هوي)، أكثر من (700) متجر لبيع “المنتجات الحلال” في آذار/ مارس، وقد رفضت لجنة مجلس بكين للأعراق والشؤون الدينية التعليق على الموضوع قائلة: “إن هناك توجيهات وطنية بشأن المطاعم الحلال”، بالإضافة إلى حظر خدمات مثل “حلاقة الشعر الحلال” و “الحمامات الحلال”، وتمت الدعوة إلى إدارة رحلات الأماكن المقدسة -الحج-من خلال جولات تنظمها الدولة. يذكر أن مفوضية حقوق الإنسان كانت قد أقرت وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤرخ في (18) كانون الأول/ديسمبر عام (1992) م إعلاناً جاء في المادة الثانية منه، أنه يكون للأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو إثنية أو إلى أقليات دينية ولغوية، الحق في التمتع بثقافتهم الخاصة، وإعلان وممارسة دينهم الخاص، واستخدام لغتهم الخاصة، سراً وعلانية، وذلك بحرية ودون تدخل أو أي شكل من أشكال التمييز.
تعد عملية شطب العلامات العربية والإسلامية وإغلاق المطاعم أحد أكثر الأجزاء تسامحاً من منهجية هجوم الصين على الإسلام، فقد وثق المدافعون عن حقوق الإنسان والباحثون ووسائل الإعلام استخدام أساليب الرقابة الجماعية والاعتقال، وكذلك تقييد الحريات الدينية للأقليات المسلمة مثل الإيغور والكازاخستانيين و(هوي) في الإقليم الشمالي الغربي، وقد كانت الحملة على أشدها في مقاطعة (شينجيانغ)، حيث فرضت قوات الأمن هجوماً استبدادياً كبيراً على حريات أقلية الإيغور المسلمة، بما في ذلك القيام باحتجاز ما يصل إلى مليوني شخص في معسكرات، تزعم الحكومة أنها معسكرات لإعادة التأهيل، وضمن هذا الإطار انتقدت جماعات حقوق الإنسان والأمم المتحدة تلك المعسكرات الكبيرة التي أقيمت في (شينجيانغ) معللة ذلك باعتبارها “معسكرات الاعتقال في زمن الحرب”، وقد تحدث المحتجزون السابقون من المسلمين الإيغوريين عما جرى داخل معسكرات الاحتجاز، حيث أجبروا على إدانة الإسلام وتقديم الولاء للحزب الشيوعي، بل وأجبروا أيضاً على تناول لحم الخنزير أو شرب الخمر.
التعقيم القسري للنساء … ممارسات يندى لها الجبين:
أجبرت النساء الإيغوريات اللواتي اعتُقلن في المعسكرات على إجهاض الأطفال -بما في ذلك الإجهاض في وقت متأخر من مدة الحمل- فقد تم حقنهن من قبل الأطباء مراراً وتكراراً بمواد في السجن. واتهم معهد البحوث السكانية، -الذي يدافع عن المولودين في برامج مراقبة تطفلية وغير إنسانية- اتهم الصين بالتعقيم القسري على نطاق واسع ضمن معسكرات “إعادة التعليم”، وقد أدلت بعض السيدات ممن احتجزن على نحو قسري بما حدث معهن، وقالت (Gulbahar Jalilova) المحتجزة السابقة البالغة من العمر (54) عاماً: “كان علينا أن نخرج أيدينا من خلال فتحة صغيرة في الباب، وسرعان ما أدركنا بعد أن تم حقننا أننا لم نعد نحيض”. كما أضافت بأنها وحوالي (50) امرأة أخرى حُشرن في زنزانة صغيرة “كما لو كنا مجرد قطعة من اللحم”. كما ذكرت سيدة أخرى تبلغ من العمر (30) عاماً تدعى (Mehrigul Tursun) أثناء حديثها إلى مؤتمر لمنظمة العفو الدولية في الآونة الأخيرة، قصةً مماثلة عن تعقيمها دون علم، وقالت: “قد شعرت بالاكتئاب والتعب مدة أسبوع تقريباً، وفقدت ذكرياتي”، وذلك بعد تناولها مجموعة من العقاقير أثناء سجنها عام (2017) م. كما أضاف معهد البحوث أن عدد سكان الإيغور الحالي أقل من (1%) من إجمالي سكان الصين، ولتقييد النمو الطبيعي لهذا الحجم والسيطرة عليه في أي بلد، يجب القضاء عليهم وإبادة جماعتهم تماماً. لذلك، فإن سياسة تحديد النسل الصينية المتمثلة في الإجهاض القسري وتعقيم الإيغور لا تندرج ضمن سياسة لضمان الجودة عموماً لسكان الإيغور، بل على العكس من ذلك، فهي تهدف للقضاء عليها تدريجياً عن طريق فرض جميع الوسائل والقيود السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
نذكر بتقرير آذار/ مارس عام (2018) م، الذي قدمته منظمة مراقبة حقوق الإنسان ضمن المراجعة الدورية الشاملة للأمم المتحدة في الصين، الذي جاء فيه: “منذ تولي الرئيس (شي جين بينغ) مهام منصبه في آذار/ مارس (2013) م، شددت الحكومة الصينية سيطرتها على المجتمع وصعدت حملتها ضد الناشطين والمحامين المستقلين وغيرهم ممن يعَدون تهديداً للحزب الشيوعي الصيني، إذ إن وفاة (ليو شياوبو) الحائز على جائزة نوبل للسلام في أحد المستشفيات أثناء وجوده تحت حراسة مشددة في تموز/ يوليو (2017) م، قد سلطت الضوء على ازدراء السلطات المتزايد لحقوق الإنسان الأساسية، كما أن سجل الصين المتدهور في مجال حقوق الإنسان يمكن ملامسته والشعور به خارج حدودها لأنها تسعى إلى تقويض المؤسسات الدولية لحقوق الإنسان” (منظمة مراقبة حقوق الإنسان، (3/2018)).
الاقتصاد (بين إخفاقات الماضي وتوهج الحاضر):
نظراً لأن السياسة لا تنفك عن الاقتصاد وهما وجهان لعملة واحدة فإن ما قدمه الحزب الشيوعي لا يختلف كثيرا في هذا المجال، إذ إن الملايين من الصينيين ماتوا في برنامج “القفزة الكبرى إلى الأمام” الذي أطلقه (ماو تسي تونغ) عام (1958) م، الذي كان يهدف الى فرض سيطرة الدولة على القطاع الزراعي والانتقال السريع الى التصنيع، وكذلك في الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى التي أطلقت من أجل تطهير البلاد من العناصر المعادية للحكم الشيوعي.
يعد التفاوت الاقتصادي بين المدن والريف في الصين الأكبر من نوعه في جميع انحاء العالم، ففي العقود الأخيرة توافد الملايين من سكان الأرياف الفقراء إلى مدن البلاد الشرقية التي كانت تشهد طفرة عمرانية هائلة، وبحلول أوائل عام (2012) م، تجاوز عدد سكان المدن عدد سكان الأرياف للمرة الأولى حسبما كشفت الإحصاءات الرسمية، كما يكشف التململ الاجتماعي عن نفسه على شكل احتجاجات يقوم بها بين الفينة والأخرى عمال وفلاحون، إذ يشد عشرات الآلاف من هؤلاء الرحال سنوياً إلى العاصمة بكين من أجل تقديم العرائض والالتماسات للسلطات لإنصافهم فيما يصفونه بقضايا فساد ومصادرة أراضٍ وإخلاء أملاك، إذ يعد الفساد من القضايا الملحة التي تواجه الصين، وتؤثر في كل طبقات المجتمع.
بعد عقود من الركود الاقتصادي والاجتماعي تحت الحكم الاشتراكي الشمولي، وبعد وفاة (ماو تسي تونغ) عام (1976) م تولت الحكم قيادة سياسية جديدة باشرت عملية إصلاح اقتصادي وضعت الصين في المركز الثاني اقتصادياً خلف الولايات المتحدة، ولكن الإصلاحات الاقتصادية التي شهدتها الصين منذ اواخر الثمانينيات لم تصاحبها إصلاحات سياسية ولا اجتماعية، فالحزب الشيوعي الصيني ما زال يمسك بقوة بكل مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.
مما سبق يحق لنا التساؤل: هل فات وقت الإصلاح في الصين؟ ألن يجدي نفعاً تطبيق إصلاح سياسي أو اندماج ثقافي في المجتمع الصيني الذي يعج بالاختلافات العرقية والدينية والثقافية مع عدم تطور الحزب الشيوعي الحاكم فكرياً وسياسياً لاستيعابها والتعامل الصحيح معها بدلاً من قمعها؟