_الحمدلله وكفى، والصلاة على والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد:
بمناسبة فيروس”كورونا” وانتشاره في البلاد، كان على الصعيد المقابل، انتشار فيروس آخر، فيروس بعيد عن منهج أهل العلم، وأطروحات العقل السليم، ولكن العجب أن هذه الطفرة الشاذة انتشرت انتشار النار في الهشيم، فئة ينسبون أنفسهم لطلبة العلم، يُفتون للناس بعدم اتخاذ الأسباب تجاه “كورونا” وعدم الالتزام بالتعاليم الطبية، ذريعة بحديث النبي _صلى الله عليه وسلم_ ((لاعدوى))
_والمؤلم في الموضوع أن نتيجتهم باطلة، ((برهن العلم خلافها)) وهو بذاته باطل من عدة أوجه.
1)أنهم مانظروا باقوال أهل العلم في معنى الحديث، بل وحتى ما أتموه، فلو أتموه ماقالوا مقولتهم.
2)أن نتيجتهم المزعومة خلاف للحقيقة، وحاشا للنبي _صلى الله عليه وسلم_ أن يخبرنا بخلاف الحقائق، بل إن الحقائق تجري بأقواله عليه الصلاة والسلام، كمجرى الدم في الشرايين بل هو أشد،
◾فما موقف أهل العلم من هذا القول خصوصا وما موقفهم تجاه العدوى عموماً؟
◾أولاً:
روى الامام مسلم في صحيحه(ص 2221) باسناده الى سيدنا أبو سلمة بن عبدالرحمن بن عوف، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ: لا عَدْوَى وَيُحَدِّثُ، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ: لا يُورِدُ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ.
قالَ أَبُو سَلَمَةَ: كانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُهُما كِلْتَيْهِما عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَمَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذلكَ عن قَوْلِهِ لا عَدْوَى وَأَقَامَ علَى أَنْ لا يُورِدُ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ قالَ: فَقالَ الحَارِثُ بنُ أَبِي ذُبَابٍ، وَهو ابنُ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ: قدْ كُنْتُ أَسْمَعُكَ، يا أَبَا هُرَيْرَةَ تُحَدِّثُنَا مع هذا الحَديثِ حَدِيثًا آخَرَ، قدْ سَكَتَّ عنْه، كُنْتَ تَقُولُ: قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لا عَدْوَى فأبَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْ يَعْرِفَ ذلكَ، وَقالَ: لا يُورِدُ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ فَما رَآهُ الحَارِثُ في ذلكَ حتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَطَنَ بالحَبَشِيَّةِ، فَقالَ لِلْحَارِثِ: أَتَدْرِي مَاذَا قُلتُ؟ قالَ: لَا، قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قُلتُ أَبَيْتُ.
قالَ أَبُو سَلَمَةَ: وَلَعَمْرِي لقَدْ كانَ أَبُو هُرَيْرَةَ، يُحَدِّثُنَا، أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ: لا عَدْوَى فلا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ القَوْلَيْنِ الآخَرَ؟ .
◾ثانياً:
وروى الامام مسلم في صحيحه (14/377) باسناده الى سيدنا أبي هريرة حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا صفر ولا هامة فقال أعرابي يا رسول الله فما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيجيء البعير الأجرب فيدخل فيها فيجربها كلها قال فمن أعدى الأول))
◾ثالثاً:
روى الإمام البخاري في صحيحه باسناده الى سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(( لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفر من المجذوم كما تفر من الأسد))
◾رابعاً:
الحديث له روايات عدة، يفسر بعضها بعض، ويؤكد بعضها على صحة معنى الآخر، فالحديث الأول يفسره الحديث الثاني من وجهين:
1) « ولا صفر ولا هامة »
الصفر :هو الشهر المعروف فقد كان بعض أهل الجاهلية يتشاءمون به،
الهامة: هو طائر يسمى البومة، يزعم أهل الجاهلية أنه إذا نعق على بيت أحدهم فإنه يموت هذا البيت،
فأبطل النبي ﷺ عليهم ذلك الاعتقاد، ولكن أليس التشاؤم بصفر متواجد بذاته؟، والاعتقاد بموت احد اهل البيت بسبب البومة موجود بذاته؟ أي انه يستطيع الانسان ان يتشاءم بصفر فالتشاؤم بذاته موجود، وكذا الهامة،ولكن سياق الحديث مقصده إبطال ما يعتقده أهل الجاهلية، من أن الأشياء تعدي بطبعها، فأخبرهم ﷺ أن هذا الشيء باطل، وأن المتصرف في الكون هو الله وحده، فقال بعض الحاضرين له ﷺ: يا رسول الله الإبل تكون في الصحراء، كأنها الغزلان، فيدخل فيها البعير الأجرب فيجربها، فقال ﷺ: ((فمن أعدى الأول))
والمسك الذي يختمها(( وفر من المجذوم كما تفر من الأسد)
2) قول أحد الحضور((فيجربها)) _ أي يعديها بالجرب_ وموافقة النبي ﷺ له بقوله ((فمن أعدى الأول))
◾الخلاصة :
قال الإمام ابن حجر في فتح الباري من ضمن مجموعة من المسالك في الجمع بين الأحاديث: “… المراد بنفي العدوى أن شيئاً لا يعدي بطبعه، نفياً لما كانت الجاهلية تعتقده أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله هو الذي يمرض ويشفي، ونهاهم عن الدنو منه ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها، ففي نهيه إثبات للأسباب، وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل، بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئاً، وإن شاء أبقاها فأثرت…”
_ والمغزى من ذلك كله،ليس نشر للذعر والهلع ولكن لابد علينا من إعانة الجهات الطبية في هذه الأوقات، والتزام مقاصدهم، فناشر العدوى، مسبب في مرض أخيه، فالله الله في أخواننا
_ والله تعالى أعلى وأجل وأعلم_