تمكن العلماء حديثًا من التوصل إلى أكثر الخرائط الدماغية البشرية تفصيلًا نتيجة مسح دماغ مئات الأشخاص؛ ما أدَّى إلى التوصل إلى ما يُقارب من [100] منطقة جديدة في القشرة الدماغية.
ففي الـمئة والخمسين سنة الماضية, استطاع الباحثون رسم مختلف الخرائط الدماغية، إلاَّ أنَّ آخر خريطة قد صُورت بدقة كبيرة أكثر من [180] منطقة قشرية، الشيء الذي سيمنح العلماء فهمًا غير مسبوق لوظائف الدماغ البشري, كـالتفكير، الكلام والإحساس. و تقديم رؤى جديدة أيضا في التعامل مع الاضطرابات كالتوحد والسكيزوفرينيا[ الفصام ] ، والخرف.
« الدماغ ليس مثل كمبيوتر يستطيع دعم أيِّ نظام تشغيل و تشغيل أيِّ برنامج ». قالها عالم الأعصاب [ديفيد فان ايسن ] من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس و الذي قاد مجموعة من العلماء الدوليين في هذه الدراسة. و أضاف : « و بدلًا من ذلك فإنَّ البرنامج – أي كيفية عمل الدماغ – مرتبط ببنية الدماغ ككل [ الهاردوير] إن جازلنا التعبير. فإذا كنت ترغب في معرفة ماذا يمكن للدماغ أن يفعل؛ فعليك أولًا أنْ تفهم كيفية تنظيمه و ترابطه.
ولإنشاء هذه الخريطة, فقد لجأ العلماء لبيانات مشروع [ Human Connectome Project] وهي دراسة طويلة الأمد تمَّ خلالها مسح [ 1200 ] دماغ لشباب بواسطة جهاز مُعدٍّ خصيصًا لهذه الدراسة و مزودٍ بتقنية الرنين المغناطيسي.فمن هذه العينة، تم دراسة بيانات المسح الخاصة بالرجال و النساء الأصحاء و البالغ عددهم [210] . وقد سجلت النتائج أنَّ القشرة الدماغية تتكون من الطبقة الخارجية لطيّات الدماغ و الأنسجة العصبية التي تغلف الدماغ و المسؤولة في المقام الأول عن الذاكرة ، الفكر، اللغة، الوعي، وعن الحواس.
المسح تمَّ أثناء راحة المتطوعين أوأثناء المهام العقلية البسيطة كـالاستماع إلى قصة، أو القيام باختبارات الذاكرة ؛ لقياس نشاط الدماغ و رؤية استجابة مختلف مناطقه .
في هذه الدراسة أيضًا تمَّ الاعتماد على خوارزمية التعلم الآلي [ أحد فروع الذكاء الاصطناعي التي تهتم بتصميم وتطوير خوارزميات وتقنيات تسمح للحواسيب بامتلاك خاصية التعلم ] , والتي تمَّ إنتاجها من طرف علماء في جامعة أكسفورد ألبريطانية؛ لتحديد مناطق منفصلة في الدماغ البشري، و إيجاد إحداثيات قشرية مشتركة في جميع عمليات المسح التي تمَّ القيام بها.
وكنتيجة نهائية لهذه الدراسة : رُسمت خريطة جديدة للدماغ البشري المكون من [ 180 ] منطقة،[ 83] سبق و تم الإعلان عنها في بحوث سابقة و [97 ] منطقة تُعدُّ جديدة كليةً. تحديد هذه المناطق و بهذه الدقة ليس شيئا يسيرًا حيث أنها لا تحمل علامات واضحة أو مميزة اضافة لذلك فهي مبهمة و غامضة.
« ليس هناك أيُّ حدٍّ فاصل أو تحول في الألوان . كل ما في الأمر أنَّ هناك تحول تدريجي في الألوان مما يشير إلى أن هناك اختلاطا وتجانسا بين طرائق الحسية المختلفة والمجالات المعرفية» [ ديفيد فان ايسن] و أتبع : « وهي لا تستند على ثنايا القشرة في حدِّ ذاتها، فبدلا من ذلك, فهي تعتمد على مدى تعقيد الاتصالات التي تدور بين المليارات من الخلايا العصبية التي تُشكل القشرة الدماغية » .
على هذا الأساس، فالمناطق في الدماغ تختلف فيما بينها. مثلًا : منطقة تسمى [55B ] ٍتُنير حينما تسمع قصة، وهي منطقة مرتبطة باللغة، وبعض المناطق الأخرى مرتبطة أكثر بالوظائف العقلية، وهذا يعني أنَّه ما زال بعض الوقت أمام العلماء قبل الوصول للفهم التام لرسم الخرائط الدماغية الجديدة وأقسامها.
قال [ماثيو جلاسر]: « منطقة جديدة مثيرة للاهتمام هي [ POS2 ], و هي إحدى المناطق التي لم يتم تحديدها من قبل، نحن لا نعرف حتى الآن ماهي وظيفتها، لكنها تبدو فريدة من نوعها، من المرجح أنها متخصصة للغاية».
وقال [جلاسر] : « لقد انتهى الأمر برسم [180 ] منطقة في كلٍ من نصفي الدماغ، لكننا لا نتوقع أنْ يكون هذا هو العدد النهائي» وأضاف : « في بعض الحالات، حددنا رقعة من القشرة التي ربَّما يمكن تقسيمها، ولكننا لا يمكن أنْ نحدد بثقة الحدود مع البيانات والتقنيات الحالية لدينا. ففي المستقبل وبأفضل الوسائل و الطرق سيقوم الباحثون بتقسيم تلك المنطقة. نحن نُركز على الحدود, نحن واثقون أنَّ اكتشافنا سيصمد امام اختبار الزمن ».
و أكمل[ ايسين] حديثه : « طموحنا هو تحقيق أفضل الخرائط الممكنة ، ولكنْ علينا أنْ نكون صادقين في القول، فإن فهمنا – حتى مع هذه الورقة الجديدة- لا يعادل خريطة [جوجل Gmaps] , فليس لدينا القدرة على التنقل في القشرة الدماغية وصولا إلى مستوى الخلايا العصبية الفردية أو حتى في بقع صغيرة».