الغشاء الخلوي (cell membrane)
أعجب مما تعتقد
يسعدني أن أخبرك بأنَّ ما تعلمته في الثانوية ليس إلا جُزءًا يسيرًا من معلومات غشاء الخلية المتوافرة حتى الآن.
سنقوم بهذا المقال بتوضيح بعض العجائب فيه، ولنبدأ بتعريفه:
الغشاء الخلوي (cell membrane): هو بنيان عضوي شبه نفاذ يحيط بكل جوانب الخلية ويحفظ عضياتها والسيتوبلازما من المؤثرات الخارجية (كالبالون الممتلئ بالماء وأمور أخرى، فيمثل الغشاء الخلوي نسيج البالون، لكنه أعقد كما سنرى).
ممَ يتكون؟
يتكون الغشاء الخلوي من الدهون والتي غالبًا ما تكون دهون مفَسْفَرة (phospholipids)، ومن البروتين كتركيب أساسي.
____________
أما من الناحية البنائية: فهو ذو سمك 7.5 نانو متر، ويتكون من طبقتين من الدهون المفسفرة، وكل طبقة تتكون من جزيئات من الدهون المفسفرة ذات تركيب مميز.
والعجيب أن جزيئات الفوسفوليبيد هذه ليست ثابتة كحجارة الحائط، إنما تتحرك بصورة موجية و تعمل جزيئات الكوليستيرول على جعل هذه الحركة مستقرة فهي تعمل كالثقل الموازن.
يشبه كل جزيء في شكله الكرة المستخدمة في لعبة الريشة (طبقتين من كرات الريشة بحيث يكون الجزء الكروي من طبقة معاكس للجزء الآخر، فيلتقي جزء الريشة من الطبقة الأولى مع جزء الريشة من الطبقة الثانية، ولهذا دورٌ هام كما سنلاحظ)
حيث يمتلك الفوسفوليبيد المستخدم في تركيبه رأسًا كرويًا مستقطبًا مكونًا من الفسفور المحب للماء (hydrophilic)
وذيلًا غير مستقطب مكونًا من دهون كارهة للماء (hydrophobic)
وإذا عدنا لترتيب الغشاء الخلوي نجد أن الرأس الفسفوري لهذه الجزيئات موجه إلى الأسطح الخارجية من هاتين الطبقتين، فهو مواجه للبيئة الخارج خلوية (extracellular environment) في الطبقة الخارجية، وموجه إلى البيئة الداخل خلوية باتجاه السايتوبلازم (intracellular) [ شاهد الصورة التوضيحية ]
وأما الذيل الدهني لجزيئات الطبقة الخارجية فيقابل الذيل الدهني لجزيئات الطبقة الداخلية داخل الغشاء نفسه؛ ليصنع ما يشبه “الحشو” للفراغ بين الطبقتين (تخيل طبقتي توست بدل الرؤوس الفسفورية وكل طبقة مدهونة من الداخل بالزبدة بدل الذيول الدهنية) فيتكون عندنا حاجز كاره للماء يمنع دخول وخروج الماء والمواد المذابة فيه من وإلى الخلية بدون نظام،
بالإضافة للدهون المفسفرة فإن الغشاء الخلوي يحتوي على الكوليسترول والشحميات السفنغولية السكرية (glycosphingolipids) وغيرها من الدهون.
ويحتوي أيضًا على كميات من البروتينات ذات الوظائف فائقة الأهمية، والتي تعمل كبوابات أو بوظائف أخرى، وهذه البروتينات إما أن تكون مخترقة للغشاء ومغمورة به وتسمى بروتينات غشائية مدمجة (integral proteins) أو أن تكون ملتصقة بالسطوح الخارجية أو الداخلية للغشاء فتسمى بروتينات غشائية محيطية (peripheral proteins)
وهذه البروتينات كما قلنا سابقًا؛ ذات وظائف فائقة الأهمية فمن مهامها:
– بعضها مرساة تربط الخلية بالخلايا المجاورة.
– وبعضها أنزيمات تحفز التفاعلات على سطح الخلية.
– بعضها مضخات، وأخرى قنوات تنقل الشوارد والمواد الأخرى التي تحتاج الخلية إدخالها أو إخراجها.
كما تجدر الإشارة إلى أنَّ غشاء الخلية يمتلك جهدًا كهربيًا خاصًا به، ولهذا الجهد أهمية كبيرة في تنبيه كثير من الخلايا لتعمل عملها وتستخدم بواباتها وغير ذلك.
________________
Gannongs review of medical physiology 25th edition p: 35 , 34
وأما وظائف هذا الغشاء فسنتطرق لها باختصار، وهي عمومًا تتلخص بوظيفة واحدة “تمرير المواد بانتقائية”؛ وطبعًا هذا ليس بالأمر البسيط الموجز، فبهذا تحافظ الخلية على الضغط داخلها فلا تنفجر، وتخرج الفضلات منها، وتأخذ المغذيات، وتتلقى الإشارات، وتستجيب للمنبهات، وتفعل المكائن (البروتينات) داخلها، وتنقل المغذيات من الأمعاء للجسم، وتمنع طرح السكر في البول، وتساهم في طرح الشوارد الزائدة فيه، وغيرها من الأمور المترتبة على هذه الانتقائية في تمرير المواد، والتي لو فشلت إحداها لترتب على ذلك مشاكل كثيرة أيسرها مرضٌ وفي غالبها موت.
لن نتطرق لتعداد البوابات إنما سنتطرق لأشكال انتقال المواد فقط.
فأما بالنسبة لتمرير المواد فيتم بطريقتين هما:
1_ النقل السلبي بالانتشار (passive transport by diffusion): وهو نقل لا يستهلك طاقة.
2_ النقل الفعال(active transport) : وهو نقل يحتاج طاقة لأنه يحدث عكس القوانين الفيزيائية، مثلًا: من الأقل تركيزًا للأعلى تركيزًا.
________
أما بالنسبة للنقل السلبي فهو بدوره ينقسم إلى قسمين
1_ (simple diffusion) الانتشار البسيط: وهو نقل يتم بحركة الجزيئات الطبيعية وحسب قوانين الفيزياء؛ مثل الضغط التناضحي؛ ويحدث عن طريق بوابات خاصة في غشاء الخلية؛ ومن أشهر هذه البوابات بوابات الماء، إذ أنَّ الماء لا يمكنه دخول الخلية إلا عن طريق بوابات خاصة به بسبب الطبقة الدهنية للغشاء والعازلة للماء وهذه البوابات تسمى(aquaporins) .
وهذه القنوات تمتلك قدرة على انتقاء الجزيئات المارة خلالها، وذلك عن طريق شكل القناة الذي يسمح بمرور جزيئات ذات شكل مشابه للقناة أو قطرها الذي يسمح بجزيئات ذات حجم معين أو شحنة معينة بالمرور.
ويحصل الانتشار البسيط أيضًا عن طريق الطبقتين الدهنيتين بالنسبة للمواد القابلة للذوبان في الدهون [لا أعتقد انه انتشار بسيط بعد كل هذا ]
2_ الانتشار المسهل (facilitated diffusion): ويحدث عن طريق تدخل ناقل بروتيني ترتبط به المادة كيميائيًا لتسهيل عملية دخوله للخلية.
………………..
ومن القنوات المهمة التي يجب ذكرها هي القنوات البروتينية المبوبة (gating protein channels) إذ أن هذه القنوات تمتلك امتدادات بروتينية تقفل مدخل القناة (باب القناة ) وهي على نوعين:
قنوات مبوبة جهديًا (voltage gated channels): وفيها يتأثر البروتين المكون للقناة والبوابة بتغير جهد الفعل للخلية (الجهد الكهربائي) فيغير شكله ويفتح البوابة.
قنوات مبوبة كيميائيًا (ligand gated channels): وفيها يمتلك البروتين مستقبلات خاصة، إذا اتحدت بها مواد كيميائية معينة يتغير شكل البروتين وتفتح البوابة.
أشهر هذه البوابات هي بوابات الصوديوم والبوتاسيوم التي تسمح بدخول وخروج الصوديوم والبوتاسيوم اللذين يغيران جهد غشاء الخلية بسبب شحنتيهما فيتولد جهد الفعل في الخلية.
وأما بالنسبة للنقل الفعال؛ فهو بدوره ينقسم إلى قسمين:
1_ نقل فعال أولي (primary active transport): ومن أشهر من يقوم بهذه العملية هي “مضخات” الصوديوم-بوتاسيوم (sodium-potassium pimp) والتي تقوم بدور مركزي في توليد جهد فعل الخلية أيضًا (انتبه: الآن نتحدث عن مضخات وليست قنوات ولا حتى بوابات).
وتحصل هذه المضخات على الطاقة مباشرةً من تكسير الأدنوسين ثلاثي الفوسفات ATP (أهم جزيئات تخزين الطاقة في الجسم).
2_النقل الثانوي (secondary transport): وفيه تُشتق الطاقة بصورة غير مباشرة. حيث يستفاد من ميل الجزيئات للدخول للخلية استجابة لقوانين الفيزياء مثل الضغط التناضحي؛ ولكنها تمنع من الدخول للخلية (رغم الضغط التناضحي) بسبب حواجز الخلية، فتتحول هذه الميول لطاقة مخزنة في الأيونات (أي طريقة إبداعية في نقل المواد باستخدام الضغط التناضحي بدل استخدام الطاقة).
ويقسم الأخير بدوره إلى قسمين:
النقل المساعد (co-trnsport): وفي هذا النوع يتم نقل مواد ثانوية مع المادة الأساسية بنفس الاتجاه (المادة الأخرى للاستفادة من ميلها للتحرك لداخل القناة أو خارجها، فتقوم بتحريك البروتين ليسمح للمادة الأساسية بالانتقال)، حيث يمتلك الناقل هنا أماكن ارتباط للمادة الأساسية (ولتكن الصوديوم مثلًا) ومكان ارتباط للمادة الثانوية (ولتكن الجلوكوز) [ملاحظة: المثال حقيقي]، ونتيجة للضغط التناضحي يحاول الصوديوم عبور الغشاء عن طريق هذا الناقل، فيصل لجزء مخصص له في هذا الناقل، ويكون الغلوكوز عند جزء آخر في الناقل مخصصًا له أيضًا، فيسبب عبور الصوديوم نتيجة الضغط التناضحي تحريك الناقل، فينقل بدوره الغلوكوز أيضًا).
والنوع الثاني هو النقل المضاد (counter transport): وفي هذا النوع يوجد مكان ارتباط للمادة الأساسية (ولتكن الصوديوم)، في السطح الخارجي للناقل ومكان ارتباط المادة الثانوية (ولتكن الكالسيوم) في السطح الداخلي للناقل، فعند ارتباطهما تقوم طاقة الصوديوم بتغيير الناقل فيدخل الصوديوم ويخرج الكالسيوم.
____________________
John E Hall Guyton and Hall textbook of medical physiology Elsevier 13 edition P: 57 , 55 , 50 , 49 48
___________________
كل ما قيل أعلاه يستخدم في وظائف شديدة الأهمية مثل نقل الإيعازات وإعادة امتصاص الأملاح والسكريات من البول وغيرها.
وهذه نبذة مختصرة عن غشاء الخلية.
ثم يقولون لك صدفة
{{وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}} [الذاريات، 21]
{{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}} [فصلت، 53]
{{هَٰذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}} [لقمان، 11]
مصدر الصور: Gannongs review of medical physiology 25th edition p: 35
John E Hall Guyton and Hall textbook of medical physiology Elsevier 13 edition P: 50