القول الفصل في كيفية التعامل مع لسعة قنديل البحر!
قد تحتاجه يومًا
يتجه الآن كثيرٌ من الناس للبحر ليتمتعوا بهذا المخلوق العظيم. وخصوصًا في أيام العيد. لكن كما لهذه الرحلة جمال وراحة، فقد تحمل بعض المخاطر يجب عليك أن تكون على معرفةٍ بها جيدًا لتتجنبها.
نتحدث اليوم عن قنديل البحر (Jellyfish) والذي يستعمل اللَّسْعَ وسيلةً للدفاع عن نفسه، ولكن دفاعه هذا إن كان موجّهًا ضد الإنسان فإنه سيسبب له أذىً، فلا بد لنا أن نعرفَ كيفيةَ التعامل معه إن صادفتنا هذه الحالة.
توجد قناديل البحر في المياه الساحلية الباردة والدافئة، وتسبح عادةً قرب سطح المياه عندما يذهب ضوء النهار وربما تجدها أيضًا ملقاةً على الشاطئ.
وقناديل البحر حيوانات بحرية هلامية محاطة بما يسمى “اللَّوامِس”.
لكن لِمَ قد يكون هذا المخلوق الجميل، المتكون معظمه من الماء خطيرًا؟! هو لا يملك أنيابًا كالذئاب، ولا مخالب كالصقور! بل هو رخوٌ جدًا!
في الحقيقة خلق الله له وسيلة دفاعية مختلفة جدًا. حيث تُغطى تلك اللَّوامِس بأكياس خَطيَّة (خلايا لاسعة) حاوية على سموم والتي يمكن أن تسبب عادة لسعات مؤلمة فقط أو في أحيان أقل أو نادرة قد تكون #مهددة_للحياة، وتختلف الأعراض وشدتها بحسب نوع القنديل المسبب، وحسب مدة التعرض، ومساحة الجلد المصابة، والخصائص الفردية للمصاب، ونوع المعالجة المقدَّمة له لحظة التعرض للإصابة.
#كيف أصاب بلسعته؟
قد تحدث لسعات القناديل بالصدفة نتيجة السباحة أو الغوص في الماء أو نتيجة الإمساك بها، ويوجد ما يقارب 100,000 نوعٍ من قناديل البحر منها 200 نوعٍ تكون خطرةً على الإنسان، أحد أشكالها يسمى: “قنديل البحر الصندوقي (box jellyfish)” وهذا بدوره له أيضًا عدة أنواع مختلفة منها ما هو خطير على الإنسان، ويُقدَّر عدد الإصابات بلسعة القنديل بحوالي 150 مليون سنويًا.
● فما هي الأعراض والعلامات التي تظهر على مَنْ لسعه قنديل؟
1- عادةً الشعور بلسعات قوية #مؤلمة حاكّة مع احمرار و #طفح مرتفع الحواف أو آفات خَطِّية الشكل، وقد يتأخر ظهور الآفات لعدة ساعات، وعادة تتعرض هذه الآفات للحرق بشدة تحت أشعة الشمس وتصبح حاكة ونابضة، وقد ينتشر إحساس الألم للأعلى من الطرف إلى الجذع، وقد لا يرى المصابُ القنديلَ ولا حتى لوامسَه، وإنما فقط شعور الألم!
وعادة ما تزول الآفة خلال 10 أيام، وأحيانًا قد تستمر لأسابيع.
2- في أحيانٍ أقل قد تشمل تأثيرات أخرى مثل: الغثيان والإقياء والإسهال وضخامة في العقد اللمفية وألمًا بطنيًا وتنميلًا وتشنجات عضلية.
3- ونادرًا جدًا قد تسبب تأثيرات أكثر خطورة مثل: صعوبةً في التنفس وسباتًا وموتًا، إذ يمكن لبعض أنواع قنديل البحر الصندوقي أن تسبب #الموت في دقائق!
#لمَ تختلف المواقع وتتضارب في تحديد العلاج؟
علّك رأيت ولاحظت أن إحدى المواقع تكتب لك طريقة ما لمعالجة الأمر، ثم تجد موقعًا آخر يحذر من تلك الطريقة، ويصف لك طريقة أخرى، فتجد موقعًا ثالثًا يحذر من تلك الطريقتين ويصف لك غيرها. وكلها يقوم عليها أطباء! فلمَ هذا التخبط؟
جئناك بالسبب، والقول الفصل إن شاء الله:
1- الكثير مما نُشِر عن ذلك هو فقط عبارة عن حصيلة خبرة لبعض الخبراء من مناطق متنوعة مختلفة والذين تعاملوا كثيرًا مع مثل هذه الحالات، لذا تختلف التوصيات باختلاف المنطقة لاختلاف التجربة. وربما قد يكون هناك أسبابًا أخرى لذلك، إلَّا أنَّ هناك حالات أخرى قد أُجريت عليها فعلًا تجارب وأبحاث في المختبرات البحثية، لكنها تبقى قليلة نسبة إلى ذلك التنوع الكبير في أنواع القناديل، وأنواع المعالجات التي يمكن تطبيقها.
2- اختلاف أنواع قناديل البحر. فما يفيد في معالجة لسعات بعض الأنواع، قد يضر في أنواع أخرى. كما وضحنا لكم في علاج سم الأفعى، أن بعض الأفاعي مثلًا تسبب تجلط الدم، وبعضها تقوم بالعكس، فتسبب ميوعة شديدة في الدم.
ولتسهيل مقاربة الموضوع قَسَّم بعض المصنفين الإصابة بقنديل البحر إلى قسمين:
أحدها: الإصابة الحاصلة في أستراليا ومناطق المحيط الهادي الهندي. والآخر: الإصابة الحاصلة في باقي أنحاء العالم.
نتناول بالشرح القسم الثاني (تدبير اللسعات في باقي أنحاء العالم) لأنها هي الأهم لنا، وهذا الشرح سيكون وافيًا إن شاء الله وجامعًا بين تلك الخبرات والدراسات معًا.
——————
* فما هي إذًا المساعدة الأولية التي يمكننا تقديمها لتدبير المصاب بلسعة قنديل البحر؟!
– أولًا: يجب إخراج المصاب من البحر، وحاول منعَه أن يحك أو يفرك الجلد المصاب، ولا تضع على الإصابة ماءً عذبًا لأن ذلك قد يتسبب في تفريغ سموم المزيد من اللوامس ويفاقم الألم.
– ثانيًا: إزالة اللوامس، غالبًا ما تنفصل اللوامس من قنديل البحر ويمكن أن تظل عالقة بسهولة على الجلد والملابس، ولإزالة اللوامس اِغسل أولًا منطقة اللسعة برفق بالماء #المالح، ثم أزِل برفق أي لوامس موجودة باستخدام ملقط أو حافة بطاقة بلاستيكية، فإن لم تجد فبطرف أصبعك.
– ثالثًا: عالِج الألم الحاصل بغمر مكان الإصابة بالماء الساخن، أو بوضع كمادة ساخنة، وذلك مُفَضَّل على غسلها بالخل أو معالجتها بالبرودة.
عند غمر مكان الإصابة بالماء الساخن (أو باستخدم الدوش الساخن) يجب أن تتراوح درجة حرارة الماء بين 40 و45 درجة سيليزية، ويستمر ذلك لمدة 20 دقيقة.
#ربما ستقول ومن أين نأتي بميزان حرارة حينها؟!
لا بأس، إذا لم يتوفر ميزان الحرارة، فاختبر سخونة الماء على جلدك، ثم استخدم ذلك الماء الذي تستطيع تحمُّل سخونته لكن لو زاد أكثر من ذلك فلن تستطيع التحمل؛ أي باختصار استخدم أعلى درجة حرارة يمكن للمصاب أن يتحملها جلده دون أن يتسبب له بأذى أو ألم.
#ربما تتساءل: إذا لم يكن بالإمكان الحصول على الماء الساخن ذلك، فماذا نفعل؟
لا بأس، إذا تعسَّر عليك إيجاد الماء الساخن، فاستخدم كمادات باردة، أو أكياس الثلج البلاستيكية.
على الرغم من أنه ينقصنا الدليل الأكيد على فعالية استخدام الماء الساخن لمعالجة لسعات الكثير من أنواع القناديل المختلفة، إلا أنه يكون مفضلًا فعلًا على المعالجة بالبرودة في أنواع معينة كأنواع الـPhysalia ومنها قنديل البحر الأزرق أو قنديل رجل الحرب البرتغالي، وأنواع الـAlatina alata ومنها قنديل البحر الصندوقي في هاواي.
———————-
لعلّكم سمعتم عن استخدام #الخل ولِمَ أكثر التضارب في استخدامه؟!
نعم، ينصح بعض الخبراء بريّ المنطقة المصابة بالخل، وذلك لإبطال فعالية الأكياس الخطية الحاوية على السَّم، ثم يلي ذلك إزالة اللوامس عبر رش المنطقة أولًا بكريم الحلاقة ثم كشط تلك اللوامس باستخدام حافة بلاستيكية رفيعة (مثل: بطاقة الإئتمان).
ماذا عن كريم الحلاقة؟!
ربما تتعجب الآن من استخدام كريم الحلاقة فأنت لن تحلق شعر المنطقة تلك إنما ستزيل اللوامس.. أليس كذلك؟
من المفترض أن الهدف من استخدام كريم الحلاقة (أو ما يقوم مقامه) في تلك الطريقة هو أنه يشكل حاجزًا فيزيائيًا وطبقة عازلة تحصر اللوامس التي تم نزعها وتمنعها من العودة للالتصاق بمكان آخر على الجلد.
إنّ النجاح في نظام العلاج هذا (الخل والحلاقة) مروي لنا رواية، كما يقتصر على بعض لسعات قناديل البحر التي يحتمل أن تسببها أنواع من P. physalis (رجل الحرب البرتغالي) أو Cnidaria aurelia (قناديل البحر في الساحل الشرقي وفي الولايات المتحدة).
وعلى الرغم من أنّ بعض #الباحثين قد وجدوا أن الخل فعلًا يثبط تفريغ السموم من بعض أنواع الـPhysalia، إلّا أنه قد وجد باحثون آخرون أن الخل يثير تفريغ السموم ويُفاقم الألم الناجم.
ففي مراجعة منهجية لـ19 دراسةً حول علاج لسعات قناديل البحر التي قَيّمت الأدلة على أنواع معينة في أمريكا الشمالية وهاواي، أنّ الخل يفاقم الألم بعد لسعات معظم أنواع قناديل البحر، ولكن بدى أنه مفيد للسعات أنواع من قناديل الـPhysalia ، وحتى في هذه الحالات أيضّا فقد كان العلاج بالغمر بالماء الساخن #أكثر_فعالية.
وعلاوةً على ذلك، توحي النماذج المختبرية التي أجريت على التسمم بقناديل البحر، أن استخدام كريم الحلاقة وكشط الكيسات الخيطية قد يكون غير فعال ويحتمل أن يزيد من إطلاق الكيسات الخيطية لسمومها.
————————-
هناك العديد من العلاجات الموضعية المقترحة للعلاج الفوري للسعات، ولكن الأدلة المتعلقة بفعاليتها تختلف، وفي بعض الحالات (مثل صودا الخبز)، تقتصر الفائدة على أنواع معينة فقط من قناديل البحر.
1- صودا الخبز (Baking soda): بناءً على التجربة في المختبر، فإنّ صودا الخبز تمنع تفريغ سموم الأكياس الخطية لقُرَّاص البحر (التي منها بعض أنواع القناديل كالـChrysaora quinquecirrha) وعلى كل حال فإن تخفيف الألم لدى ضحايا اللسعات باستخدامها هو أمر مروي رواية أيضًا.
وقد ترافق استخدام صودا الخبز #بتخفيف ألم اللسعات من أنواع أخرى من قنديل البحر مثل Chrysaora hysoscella وCyanea capillata وP. physalis.، ولكنه ترافق #بتفاقم الأعراض في بعض لسعات أنواع أخرى من Physalia.
2- مطريات اللحم (Papain meat tenderizer): وقد دُعِيَ لاستخدامها في علاج لسعات قنديل البحر، إلا أنه لا توجد أيضّا أدلة كافية عن مدى فعاليتها لاستخدامها روتينيًّا، ويبقى الغمر بالماء الساخن مفضلًا عليها.
3- معالجات أخرى: الكحول (الإيثانول)، والبول البشري، والأمونيا، ومغذي اللحم (البروملين)؛ هذه تحرض إفرازَ السموم من الأكياس الخيطية لقنديل البحر الأسترالي، وقراص البحر، أو قنديل رجل الحرب البرتغالي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمونيا والإيثانول تفاقم الألم، لذا يجب #تجنب هذه العلاجات كلها.
▪︎في حال الإصابة بلسعات الأنواع شديدة السُّمِّية من القناديل أو في الأعراض الشديدة اطلب الرعاية الطبية فورًا. وربما يكون الإنعاش القلبي الرئوي ضروريًا لكل اللسعات إذا توقف الشخص عن التنفس أو لم يعُد ينبض.
—————–
● وبعد الانتهاء من تقديم المساعدة الأولية.. فما هي المعالجة الدوائية الأفضل للسعات القنديل في حال استمرّت الأعراض؟
ربما يصف الطبيب هذه الأدوية أو أحدها:
– دايفنهدرامين لتقليل الحكة.
– مُسكّن ألم (كالسيتامول أو البروفين).
– ستيروئيدات موضعية أو فموية لتخفيف الحكة والتورم.
– مضادات حيوية في حال وجود التهاب النسيج الخلوي.
– إذا كان قد مضى أكثر من 10 سنوات على أخذ لقاح الكزاز فربما يطلب جرعة داعمة.
● متى يتحتم علينا استدعاء الطبيب؟
– عند وجود صعوبات في التنفس أو البلع أو وجود ألم صدري أو ألم شديد في موضع اللسعة.
– عندما تكون اللسعة في الفم أو وجود اللوامس في الفم وحدوث تغيرات في الصوت أو صعوبات في البلع أو حدوث تورم في اللسان أو الشفتين.
– عندما يكون المصاب باللسعة طفلًا صغيرًا أو مُسنًا.
– إذا أصابت اللسعة جزءًا واسعًا من الجسم أو أصابت الوجه أو الأعضاء التناسلية.
– وفي حال استمرار الألم والحكة والاحمرار والتورُّم (وهذا ما يدل على حدوث التهاب النسيج الخلالي) فراجع طبيبًا.
• تُرى هل هناك طرق للوقاية من هذه الإصابات؟!
نعم، بالطبع:
– تجنب لمسَ القناديل الميتة، لأنها ربما لا تزال تملك خلايا لاسعةً فعّالة.
– لا تذهب إلى المناطق المليئة بالقناديل، وإذا أردت الذهابَ فاعرف نوع القنديل الموجود فيها.
– لا تلمس أي كائنٍ حي بحري أثناء السباحة. ولا تسبح بجانب الأماكن التي يتجمع فيها الحطام والعوالق التي تجرُّها الأمواج.
– عند حلول المساء كن حذرًا لأن القناديل تطفو على سطح المياه في هذا الوقت.
– البس ملابس واقية للجسم (بدلة مائية – قفازات – لباس الغوص) عند السباحة في المناطق المليئة بالقناديل.
– احصل على حقيبة إسعافات أولية قبل التوجه إلى الشاطئ أو السباحة أو الغوص.
– إذا كانت لديك قصة حساسية سابقة من لسعة إحدى الحشرات فأحضر حقيبة الإسعافات الأولية الخاصة بالحساسية والتي تحوي حقن الأدرينالين.
وختامًا ..
نرى مما سبق، أن أساليب العلاج تختلف من مناطق إلى مناطق أخرى حسب أنواع القناديل الموجودة فيها، فقد عرفت الآن أن بعض الأساليب قد تكون مفيدة في بعض اللسعات، وضارة في غيرها. لذا قد يكون من الجيد إن ذهبت لرحلة بحرية أن تسأل عن سكانها الأصليين وذوي الخبرة في التعامل مع القناديل، لتعرف ما هي الأنواع الموجودة وكيف يتعامل معها أهل تلك المنطقة، فلا بد أنهم أكثر خبرة في معرفة ذلك فهم ربما يوميًا تصادفهم حالات كهذه.. لكن احذر أن تسمع النصائح الغريبة ومن غير المختصين ذوي الخبرة، ولو كان في منطقة أطباء فلا تترد باستشارتهم، ذلك أفضل.
ولو اتبعنا أساليب الوقاية فهي تحمينا بإذن الله من أن تستحيلَ إجازتنا حزنًا نتيجة إصابة أحد أحبابنا بمكروه..
وأخذ الحيطة والتزود بالأدوات والمواد التي قد تلزم -لا سمح الله- يهون ويخفف الأمر.
دمتم بعافية وسلامة .. 🙂
إعداد: د. ميسم حمشو
مراجعة علمية: د. براء زنبركجي
تدقيق لغوي: هيثم عكيلة
https://www.uptodate.com/contents/jellyfish-stings?search=jellyfish%20sting&source=search_result&selectedTitle=1~9&usage_type=default&display_rank=1
https://www.vims.edu/bayinfo/jellyfish/stings/index.php
https://www.emedicinehealth.com/jellyfish_stings/article_em.htm