في تجربة بلازما الليزر عالي الشدة (2006)، يقوم الليزر عالي الاستطاعة كل ساعة بإطلاق طاقة مقدارها بيتا واط (تساوي تقريبًا مئة ضعف من الطاقة الكلية التي توفرها شبكة الكهرباء الأمريكية)، في زمن احتراقٍ قدرُه أقل من جزء من تريليون من الثانية.
تتركز هذه الطاقة على هدف معدني صغير في بقعة ذات قطر أصغر بعشر مرات من قطر شعرة الإنسان!
الشدة المتولِّدة من هذه التجربة حارة وكثيفة على نحو لا يصدق، بحيث تكون قادرة على توليد البلازما (عند وصول المادة لدرجة حرارة عالية جدًّا يمكن أن تتحول إلى غاز من الأيونات والإلكترونات الحرة)، والتي تدرس في مجال فيزياء كثافة الطاقة العالية (HEDP).
يمكن أن يؤدي الضغط والحرارة العاليان على الهدف إلى حدوث انفجارات صغيرة متتالية، تشبه ما يحدث داخل المُستَعِرات الفائقة: السوبرنوفا (supernovae).
يمكن أيضًا اختيار مادة الهدف، بحيث يتولد لدينا تدفق هائل من الأشعة السينية أو الجسيمات، والتي يمكن أن تكون أفضل من تلك المستعملة في مسرِّعات الجزيئات حاليًّا.
في بعض الحالات يؤدي التكسير الشديد للمادة باستعمال الضغط الهائل للضوء إلى تشكُّل حالات جديدة للمادة لم توجد على الأرض من قبل، عن طريق إعادة ترتيب البنى الذرية والجزيئية.
ولكن مع صعوبة هذه الدراسات، فإن التجربة بأكملها تنتهي بغمضة عين (فعليًّا: 100 مليار مرة أسرع من غمضة العين).
وقد تطور المجال HEDP حتى عام 2020 تطورًا كبيرًا، فقد طور التجريبيون تقنيات جديدة للقياس ذات دقة عالية، تحدد مقاييس المدة والزمن فائقة القصر. كما أن الأهداف المستعملة أصبحت أدقّ وأكثر تطورًا، فقد تتكون من مواد صلبة معدنية، أو رغوية، أو حبيبات صغيرة مجوفة من البلاستيك محتوية على غازات، صُمِّمت لتحقيق دقة أكبر في تحديد الطاقة والجزيئات الناتجة.
أدت كل هذه التقنيات الجديدة إلى تحقيق تقدم هائل في المجال HEDP، ممهِّدًا بذلك الطريقَ لتطوير علوم الفلك والفضاء، وكذلك فيزياء المواد والاندماج.
أما الآن، فنحن على أعتاب تحول نموذجي في هذا المجال، فبدلًا من تشغيل الليزر مرة واحدة كل ساعة، تُستعمل اليوم الليزرات النبضية عالية الشدة، وتشغيلها بمعدل تكرار يزيد على 10 هرتز (10 مرات في الثانية)، حيث أسهم التطور في هندسة الليزر وأنظمة التبريد في إمكانية استعمال الليزر في تجربة البلازما دون حدوث تشوهات حرارية فيه.
وباستعمال هذه التقنيات الجديدة يمكن إجراء تجارب HEDP بمعدل تكرار مرتفع، ويؤدي ذلك إلى الحصول على أضعافٍ مضاعفة من البيانات الناتجة، والقياسات التي يمكن القيام بها بدقة كبيرة.
والبلازما هي الحالة الرابعة للمادة، وأكثر حالات المادة انتشارًا في الكون، لذلك سيكون من المهم جدًّا إجراء المزيد من التجارب التي تسهم في الكشف أكثر عن هذا المجال، والتعمق في معرفته.
وللقيام بهذه التجارب السريعة نحتاج -بالإضافة إلى زيادة سرعة الليزر المستعمل- إلى زيادة سرعة كل الأنظمة المستعملة الأخرى. والتقدم الذي وصلنا إليه في مجالات الحوسبة وتقنيات القياس وغيرها سيخولنا -بكل تأكيد- للقيام بهذه التجارب أسرع من قبل بآلاف المرات، ومن ثَمّ فإن تحولًا حقيقيًّا في المجال HEDP ينتظرنا.
فباستعمال هذه التقنيات الحديثة عند إنتاج البلازما سيتشكل لدينا نظام يمكن تمثيله بمصنع معرفي، هذا المصنع يمكن تصوُّره على شكل سلسلة من حلقات التغذية الراجعة، فمثلًا في الحلقة الأولى يعمل هذا المصنع الليزري على نحو موثوق لفترات طويلة، مع المحافظة على بقائه في وضع التشغيل الآمن، في حين أن بارامترات الليزر (الطاقة، طول النبضة، بؤرة التمحرق…) تعدّل البلازما المتولِّدة باستمرار على نحو تلقائي.
وفي الحلقة الثانية تُحلَّل البيانات الرقمية مباشرة بعد كل لَقطة، وتُعاد إلى كل من الأهداف والليزر لتحسين البارامترات وتعديل الهدف للَّقطة التالية، ويجري هذا تلقائيًّا، بدلًا من قيام الباحثين به يدويًّا.
وفي الحلقة الثالثة، تُنتَج أهداف أكثر تعقيدًا باستعمال التصنيع المتقدم، أما في الحلقات الرابعة والخامسة والسادسة فتؤدي زيادة قوة الحوسبة الفائقة وتقنيات الذكاء الآلي الجديدة إلى ظهورِ مقاربات جديدة في تحليل البيانات، وتصميمِ محاكاة عالية الدقة، واستعمالِها للمقارنة بالتجارب، للتمكّن من اكتشاف عمليات جديدة.
في تجارب البلازما أصبح الهدف أعلى حرارة وأكثر كثافة وسرعة لتحقيق أنظمة جديدة لظواهر البلازما في مجال الفيزياء الفلكية، وذلك لابتكار حالات جديدة للمادة.
وفي السنوات القليلة الماضية لوحظت نتائج في غاية الإثارة في مجال HEDP، وذلك عن طريق تطبيق ضغط عالٍ على الألماس، وقياس التغيرات الطارئة على البنية البلورية عند زيادة الضغط، ومقارنة هذه النتائج بنماذج تطور الكواكب، إذ تبين لنا أن لب المشتري مكوَّن من الماس النقي.
وقد حقق الاندماج بالتقييد الداخلي بواسطة الليزر تقدمًا كبيرًا، إذ سنحتاج نحو 70 في المئة من الضغط وأوقات التقييد لتحقيق احتراق نووي حراري مستمر، بحيث تكون طاقة الخرج أكبر من طاقة الدخل. كما يمكن التلاعب بالبلازما المنتجة والتحكم بها بطرق جديدة تمامًا.
يمكنك الآن تصور سرعة التقدم العلمي الذي سنحصل عليه باستعمال هذه التسهيلات الجديدة ذات معدل التكرار المرتفع، والتي يمكنها أخذ آلاف اللقطات في الساعة، مقارنة باللقطة الواحدة المأخوذة كل ساعة الآن.
سيكون اكتشافًا مثمرًا بالفعل!