نشرت صفحة (أنا أدلس العلم) منشورًا عما يُسمى بمتلازمة القدس وضمنت المسلمين فيها،بل ووضعت صورة ذات طابع إسلامي وكأن المرض يصيب المسلمين فقط؛ فما متلازمة القدس حقًا؟ وما علاقة المسلمين بها؟ وما رأيُنا في النهاية؟ سنتعرف على ذلك معًا:
أولًا: متلازمة القدس (Jerusalem syndrome):
هو عبارةٌ عن مرضٍ نفسيٍّ يُصيب السيّاح القادمين لمدينة القدس يؤدي لهلوساتٍ للمصاب واعتقاداتٍ غريبةٍ كأن يَعتقد المصاب أنه شخصيةٌ موعودةٌ من الكتاب المقدس وما إلى ذلك، وقبل الدخول بتفاصيل الموضوع يجب علينا التنبيه إلى أنّ الدراسة الوحيدة التي نُشرت عن هذا الاضطراب كانت في مجلة (The British Journal of Psychiatry)، إذ قاموا باختبار 1200 سائحٍ والذين أَحضروا لمستشفى مدينة كفر شاؤول العقليّة على مدار 13 سنةً.
ولكن كانت هذه الدراسةُ عبارةً عن وصفٍ للظواهر المشاهَدة وليست دراسةً بحثيَّةً، كانت تفتقر للمعلومات المتابعة للحالات، كما وأنه لم تؤخذ في الحسبان التغيّرات في الظروف المرتبطة بالتدفق المتوقع من السياح، وقد صُنفت هذه الدراسة عينها إلى 3 أنواعٍ:
النوع الأوّل: هو لمن شُخِّصوا كمضطربين عقليًا قبل وصولهم للقدس، ومنهم من اعتقد أنه شخصيةٌ من الكتاب المقدس، ومثاله رجلٌ أمريكيٌّ أربعينيٌّ يُعاني من الفصام ظَنّ أنه يشبه شمشون الجبار وأراد أن يأتي للقدس لتحريك حائط المبكى لأنه يظنّ أن مكانه خاطئٌ.
أما النوع الثاني فقد صنّفتهم الدراسة على أنهم مرضى عقليين لكن بطريقةٍ غير واضحةٍ، ويتميزون بأفكارهم ومعتقداتهم الغريبة، ومنهم بعض الجماعات اليهودية التي تُريد خلق ما يسمى بال red heifer وهو طقسٌ دينيٌّ يتطلب بقرةً حمراء تمامًا بدون شوائب وبما أن هذا الشيء غير موجودٍ فهم يسعون لإيجاده.
النوع الثالث: وفيه يكون المصاب سليمًا من الأمراض العقليّة؛ ولكنه حسب الدراسة يُصاب بهذا الاضطراب داخل القدس ويتعافى بصورةٍ ذاتيّةٍ ويتعافى تمامًا بعد المغادرة؛ وهي الحالة الأكثر غرابةً بين الحالات الثلاثة، ولا يُشكل المصابون بها إلا 42 فردًا من ال1200 شخصٍ المختبرين، ووجد أن 40 منهم كانوا بروتستانت تربوا في بيوتٍ شديدة التدين مع تقديسٍ كبيرٍ للقدس وواحدًا كاثوليكيًّا والآخر يهوديًّا.
والسؤال الذي طرحه البحث: هل هذا المرض خاصٌّ بالقدس أم هو مرضٌ مشتركٌ بين المناطق المقدسة مثل المناطق النصرانيّة المقدسة والهندية ومكة (سنعود لمكة لاحقًا)، وجواب سؤال البحث كان أنَّ هذا المرض مرضٌ خاصٌّ بالقدس ولا يُشابه باقي الأمراض، وبعد كل هذا الكلام؛ هل لاحظتم أنّ محور الكلام يدور حول اليهود والنصارى وأن المسلمين غير موجودين في ساحة هذا الاضطراب!
هل من الممكن أن يكون ال1200 مصابًا لا يحتوون مسلمًا واحدًا؟ يجيبنا عن هذا مقالٌ نشرته صحيفة التليجراف تَضمن مقطعًا من بحث عام 1999 وفيه: Interestingly, the affliction has been recorded among Jews and Christians but not Muslims. A study from 1999 found that “Although Jerusalem is sacred to all three major monotheistic religions no documentation regarding the syndrome among Muslims was found.” والترجمة: ومن المثير للاهتمام، أنه تم تسجيل المشكلة بين اليهود والمسيحيين بدون المسلمين، وخلصت دراسةٌ أُجريَت في عام 1999 إلى أنه: «على الرغم من أن القدس مقدسةٌ لجميع الديانات التوحيديّة الرئيسيّة الثلاثة، فإنه لم يتم توثيق المتلازمة بين المسلمين»، إذن لِمَ هذا التدليس بحشر المسلمين في الاضطراب؟! الإجابة عندكم بالدوافع الأساسيّة لتلك الصفحات.
ثانيًا: مكة ترجع لجزئية شمول البحث ضمن المناطق المسببة للأمراض العقليّة.
إلى الآن لا يوجد بحثٌ علميٌّ أو حالاتٌ منشورةٌ عن اعتلالاتٍ عقليَّةٍ حصلت في مكة مشابهةٍ لمتلازمة القدس، وفي دراسةٍ نشرها مشفى النور التخصصيّ (ولم نجد غيرها) على موقع ncbi تمت على 92 حالةً؛ بيّنت أن الاضطرابات العقليّة التي سُجلت بين الحجيج كانت اعتلالاتٍ في النوم والمزاج والطباع وبعض الأعراض الجسديّة وتوترًا وبعض حالات العُصاب؛ وهي أشياءٌ قد نتعرض لها في حياتنا اليوميّة، وعند كل سفرٍ تقريبًا، فكيف بحاجٍّ في مكانٍ يحتوي أحد أكبر التجمعات البشريّة في العالم يُقيم المناسك على مدى أسبوعين تحت حرارة 50 درجةً مئويةً؛ مع التنبيه إلى أن هذه الدراسة لم تأخذ بالاعتبار معاناة الشخص من الاضطرابات النفسيّة قبل قدومه للحج أصلًا (مثل العصاب) وكذلك لم تذكر تأثير الزحام والإجهاد على الحالة الصحيّة والعقليّة، كما وأن المناشير الصحيّة والإرشادات كما في موقع cdc و ncbi أيضًا تدور حول الأمراض الانتقاليّة والمزمنة ولم يذكر أيٌ منها أمراضًا عقليَّةً كمتلازمة مكة مثلًا!؛ فهل يا ترى صفحة أنا أصدق العلم، تصدق العلم حقًا أم تحاول تدليسه (كما فضحناها من قبل) لأسبابٍ أُخرى تراها أهم من نشر العلم، لتدس السم في العسل لمتابعيها وغرضها صرف الناس عن الدين مهما يكن الثمن (راجعوا لمن يرغب فيديو أنتجته صفحة راصد، يفضحهم)
ثالثًا: تعليقنا_الباحثون المسلمون_ :
1-ظنُّ المرءِ أنه شخصيّةٌ قديمةٌ أو يتصور أن لديه من القدرات ما ليس لديه لَهو بالفعل إما مشكلةٌ نفسيّةٌ أو أخلاقيّةٌ (كالخداع مثلًا).
2-فيما يخص الاتصال الدينيّ بشيءٍ ما أو مكانٍما فهذا لا يمكن نكرانه #علميًا، فلا يُمكن تجريد الإنسان من العواطف، وإن فعلتَ فأنتَ لا تتبع نهجًا علميًا؛ لكن ألا تؤدي تلك العواطف لاضطرابٍ نفسيٍّ كالاضطراب الذي شرحناه في المنشور وذكرناه في النقطة 1 قبل سطرين، واتصال المسلمين الدينيّ لم يصاحبه أي اضطرابٍ عقليٍّ، كما عند غيرهم.
3- هنالك أمورٌ (خارج إطار هذا الاضطراب إنما كتعليقٍ) تشمل الأمور الروحية التي لم يصل لها العلم، كالبركة كمثال، والقول بأن العلم يستطيع نفي مثل ذلك لَهو قولٌ غير علميٍّ، فهذا أمرٌ لم يصل له العلم الحديث ولم يقترب منه؛ هو كشخصٍ وُلِد أعمى ويحاول تصوّر اللون الأحمر والأزرق مثلًا.
ورغم أن هذه النقطة خارج إطار هذا الاضطراب إلا أننا أحببنا التعليق بها بعد كشف التدليس السابق، لا نعلم متى يستيقظ متابعو تلك الصفحة وغيرها من الصفحات، لا نعلم متى يتوقف مسلمون منا عن دعمهم بأي طريقةٍ كانت.
نسأل الله الهداية والسداد.