تعتبر قدم الإنسان تركيبًا معقدًا للغاية، فهي تحتوي على ٢٦ عظمًا، و٣٣ مفصلًا، وما يزيد عن ٢٠ عضلةً من بينها أربع طبقات من عضلات قوس القدم.
يوجد أيضًا في جلد أخمص القدم حوالي ١٠٤ مستقبلًا ميكانيكياً. يؤهل هذا الهيكل القدم للقيام بوظائفها بشكل أفضل حيث:
– يدعم المشي والوقوف.
– يعمل كمخمدٍ للصدمات.
– القدرة على التكيف مع التضاريس غير المستوية.
– تشكل رافعةً صلبةً لتدفع الماشي إلى الأمام.
– تحافظ العضلات الداخلية للقدم على الثبات والتوازن، أما العضلات الخارجية فتساعد في المشي والحركة والتي تنشأ في الساق وتمد أوتارها لأخمص القدم.
يحيط بأوتار العضلات الخارجية والعضلات الداخلية للقدم نسيجٌ ليفيٌ يسمى اللفافة الأخمصية. تؤدي هذه اللفافة وظيفة دعم وتقوية القوس الأخمصية، إذ أنها تعمل كحبل ربطٍ بين العقب وأصابع القدم.
لذا فإن ضعف العضلات الداخلية للقدم له علاقةٌ بالإصابات المرتبطة بالثقل. حيث أن هذه العضلات تتقلص مع كل خطوة لتتحكم بمقدار وسرعة انحراف القوس الأخمصية إلى الأسفل، تمنع اللفافة الأخمصية هذا الانحراف وتخضع للإجهاد (الضغط) عندما ينعطف القوس إلى الأسفل، ويؤدي ضعف هذه العضلات إلى شدٍ كبيرٍ على اللفافة الأخمصية، لذلك مع الطبيعة المتكررة للمشي يمكن أن يتراكم هذا بسهولة إلى إصابة مفرطة وقد يفسر جزئياً ارتفاع معدل الإصابة بالتهاب اللفافة الأخمصية.
تقوم عضلات القدم بعمل توازنٍ بين القوى المؤثرة على العظام، حيث في إحدى الدراسات تم الإبلاغ عن زيادة إجهاد عظم الظنبوب على أرضية ضعف عضلات الساق السفلية مما قد يكون عاملاً رئيسياً في تطور كسورٍ إجهاديةٍ. ورغم أن تلك الدراسة ركزت على الساق ولكن يمكن تطبيق النتائج على عظام أمشاط القدم التي تتعرض لعزم تقوسيٍ كبيرٍ مما يؤدي إلى حدوث إصابة جهدية فيها.
مما تقدم يتبين لنا أن عضلات القدم الداخلية القوية تقاوم حدوث هذه الإصابات والكسور.
ما علاقة هذا بموضوعنا؟
• الاحتفاء وفوائده:
قامت دراساتٌ عديدةٌ بتقديم أدلةٍ على فوائد ومضار المشي والجري حافي القدمين (الاحتفاء)، وتراوحت درجة هذه الأدلة بين أدلةٍ متوسطة القيمة العلمية وأدلةٍ متعارضة.
1- ملامسة القدم للأرض:
تلامس أقدام العدائين -اللذين يرتدون أحذيةً رياضيةً عاديةً- الأرض بالعقب، في حين أن العدائين الحافين يلامسون الأرض بواسطة وسط القدم أو مقدمة القدم، مما يؤدي إلى امتصاص قوى التصادم مع الأرض وتجنب الضغط الكبير على العقب.
يؤدي الاحتفاء خلال المشي إلى عرض مساحة تشريحية أكبر للناحية الأخمصية وهذا قلل بشكل هام الضغط على العقب والأمشاط وأدى إلى توزع الضغط بتساوٍ في أنحاء القدم.
2- الأوكسجين:
إن كل 100 غم تضاف إلى الحذاء تزيد كمية الأوكسجين في الجسم بنسبة 1%. لذلك يقلل الاحتفاء خلال الجري من استهلاك الأوكسجين خلال الركض، مما يؤدي إلى تحسن الأداء عند الركض لمسافاتٍ طويلةٍ. على الرغم من ذلك فإن هذا الأمر قد لا يُطبق على العدائين المنتقلين حديثاً للاحتفاء خلال الركض.
3- المفاصل:
أظهرت أدلة علمية متوسطة القيمة عند الحفاة أو مرتدي الأحذية الخُفِّية (سنتكلم عنها لاحقاً) وجود زيادة في انثناء الركبة عند التلامس مع الأرض وانخفاض في انثنائها عند الوقوف وهذا قد يؤدي إلى تقليل محصلة ذراع عزم انبساط المفصل وربما تقليل الضغط على المفصل بين الرضفة والفخذ وبهذا يعتبر الجري حافياً أفضل للعدائين الذين يعانون من ألم مفصليٍ وإصابةٍ به.
• الحذاء الخُفِي (حذاء الحد الأدنى) Minimalist Footwear
لأجل هذه الفوائد وغيرها قامت شركاتٌ رياضيةٌ عدةٌ بإنتاج وتطوير حذاءٍ جديدٍ يماثل القدم الحافية، مُقدِّمًا أيضًا الحماية من الجروح والإصابات الخارجية، وسُمي هذا النوع من الأحذية (حذاء خُفِي) وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي إلا أنه لا يستطيع إلى الآن مماثلة القدمين الحافيتين تمامًا.
قارنت عدة دراساتٍ بين التمارين الخاصة بتقوية عضلات القدم الداخلية وبين استخدام حذاء الحد الأدنى خلال المشي الطويل أو الركض، لتجد أنه يزيد من قوة وحجم العضلات الداخلية بما يماثل التمارين الخاصة.
دراسةٌ أخرى عرضت أن زيادة قوة العضلات الداخلية للقدم مرتبطٌ بتوازنٍ أكبر وسقوطٍ أقل، حيث تبين أن توزيع الضغط على أخمص القدم قد تحسن.
نتائج هذه الدراسات تقترح أنه من الممكن استبدال التمارين الخاصة بتقويةَ العضلات الداخلية للقدم باستخدام حذاء الحد الأدنى أثناء المشي.
مع أن الهدف الأساسي من تطويره هو تقليص الإصابات عند العدائين، إلا أنه وجد أن المشي لمدة ٦ أشهرٍ به يخفف آلام الركبة والإجهاد عليها في الأشخاص المصابين بالتهاب مفصل الركبة.
• على الجانب الآخر: نصائح، وأسبابها:
1. الاعتياد على الجري حافيًا بالتدريج: رأت دراسةٌ أخرى أن الجري حافي القدمين قد يزيد من خطورة التهاب وتر أخيليس، لذا عليك الاعتياد بالتدريج.
2. أما بالنسبة لجلد أخمص القدم فإنه يكون أثخن بسبب احتكاكه مع الأرض ولذلك قد يتعرض الجلد للتشققات.
3. تأكد من أن المنطقة التي تعيش بها تخلو من الطفيليات التي تخترق الجلد: بعض الطفيليات يمكنها اختراق الجلد وإصابة الإنسان بالمرض، ومنها البلهارسيا التي تخترق جلد القدم وتصل إلى الدم الوريدي ثم إلى القلب في طريقها إلى الكبد.
4. مرضى السكري: بالنسبة لمرضى السكري فعليهم الحذر من الاحتفاء، خاصةً أن السكري قد يؤثر على الأعصاب الحسية الناقلة للألم في القدم، فإذا أصيبت القدم بجرحٍ -لا سمح الله- فإن المريض قد لا يشعر بالألم، كما أن التخثر عنده بطيء فلا يلتئم الجرح إلا بعد فترةٍ طويلةٍ. هذا الأمر قد يؤدي إلى مضاعفاتٍ خطيرةٍ بالنسبة للقدم قد تصل -لا سمح الله- إلى البتر.
إذًا هل الاحتفاء أفضل من الانتعال؟
يبدو أن الاحتفاء (إذا كان على أرضٍ آمنةٍ رمليةٍ طريةٍ) أفضل من الانتعال من ناحية توزيع الضغط على أخمص القدم وتقوية العضلات الداخلية للقدم التي تحمي بدورها من بعض الالتهابات والإصابات، أما بالنسبة للانتعال فيفضل أن يكون الحذاء طريًا، خفيف الوزن، مسطحًا، وأن يكون مناسبًا للقدم ليس بالضيق ولا الواسع.
· الاحتفاء في السنة النبوية:
وفي الختام، فإن الاحتفاء سنةٌ مستحبةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمن الإنسان من التعرض للنجاسة أو الأذى، حيث أوصى -صلى الله عليه وسلم- بالاحتفاء أحيانًا لتعويد النفس على الخشونة وتطبيعها على الزهد واحتقار الدنيا.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ: “أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحَلَ إِلَى فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ بِمِصْرَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ. فَقَالَ:… فَمَا لِي لَا أَرَى عَلَيْكَ حِذَاء؟
قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَحْتَفِيَ أَحْيَانًا“ صححه الألباني في “صحيح أبي داود”.
إعداد: عبد الله المصري
تدقيق علمي: أمامة بالي
تدقيق لغوي: هيثم عكيلة