المصارف الإسلامية -الجزء الأول-
ظلّ التمويل الإسلامي نشطًا في أمّة الإسلام بصِيَغه الشرعية قرونًا طويلة، إلى أنْ ضَعُفتْ هذه الأمّة وتفرقت، واحتلّ ديارها المحتلون، واجتهدوا في صياغة حياتها ومعاملاتها صياغة مخالفة لشريعة ربها، وأسسوا لذلك مؤسسات تنفذها، ولمّا رحلوا بقيت قائمة بتشريعاتها، بل طُوِّرت وأصبحت مع مرور الزمن جزءًا من واقع المسلمين، حتى أخذوا يدافعون عنها ويُعِدّونها السبيل الأمثل لتقدمهم ورُقيّهم، خاصّة أنَّ المسلمين خرجوا من الاحتلال العسكري المباشر ليجدوا أنفسهم في مثلث الجهل والفقر والمرض، وأنَّ العالم المحيط بهم قطع أشواطًا في جميع الاتجاهات ومنها الاقتصادية فوجدوا من حولهم مؤسسات مالية كثيرة، وكان من أبرزها المصارف التي عُدّتْ هي عصب الاقتصاد الحديث ومحور حركته، ووجد أبناء الأمة أنفسهم أحوج من غيرهم إلى تمويل الصناعة والزراعة والتجارة والحِرَف؛ لكن لا يجدون أمامهم إلا المصارف التقليدية المعنية قانونًا بالتمويل في حين أنّهم يؤمنون بقوله تعالى { يمحق الله الربا ويُربي الصدقات والله لا يحب كل كفّار أثيم } . البقرة :٢٧٦ .
من أجل ذلك نهض بعض المسلمين فاجتهدوا في إنشاء المصارف الإسلامية لتقدم خدماتها للمجتمع، وتُيَّسر عليهم سبل التعامل وتبادل الأموال وتؤدي دورها التنموي وفق الضوابط الشرعية.
إنّ فكرة إنشاء مصارف إسلامية تزاول نشاطاتها في إطار الشريعة الإسلامية التي تحرم الربا، فكرة قديمة قِدَم ظهور الإسلام؛ لكنَّ تجسيدها على أرض الواقع تطلّب قرونًا من الزمن قبل أن ترى النور في مطلع الستينات من القرن العشرين.
وفي هذا المقام سنشرع بتعريف الصَّرف، فإنّ معنى مَصرِف يتوقف على معرفة معنى الصَّرف، فالمَصرِف في اللغة مأخوذ من الصَّرف: ” وهو ردّ الشيء من حالة إلى حالة أو إبادلِه بغيره”.
أمّا شرعًا: فالصَّرف هو: بيع النّقد بالنّقد جنس بجنس أو بغير جنس، أي بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة مصنوعًا أو نقدًا، وكذا النقود معدنية كانت أو ورقية، والمَصرِف اسم لمكان الصَّرف، أي التَّصرف في النقود أخذًا وعطاءً، استبدالًا وإيداعًا.
وكلمة ” بَنْك ” ليست عربية بل مُعرّبة عن الإيطالية وتعني المائدة، حيث كان الصَّيارفة في إيطاليا يضعون النقود التي يتعاملون بها على موائد مُعدَّة لذلك، ولعلّ استخدام كلمة “بَنك” أشمل من كلمة “مَصرِف”؛ لأنّ البنك يقوم بأكثر من مجرد عمليات الصِّرافة التي لا تشكل جزءًا كبيرًا من طبيعته المصرفية المعاصرة.
بعد أن عرفنا معنى الصَّرف نأتي لتعريف المصرف الإسلامي، فبعد أن ازداد اهتمام الباحثين في النصف الثاني من القرن العشرين بالمصارف الإسلامية وتعددت وجهات النظر حولها واختلفت في بيان ماهيتها، تعددت تعريفاتهم للمصرف الإسلامي إلا أنّها وإنْ كانت متعددة في اللفظ فإنّها متقاربة في المضمون.
الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية عرّفها بالآتي: “يُقصد بالبنوك الإسلامية في هذا النظام تلك البنوك والمؤسسات التي ينص قانون إنشائها ونظامها الأساسي صراحة على الالتزام بمبادئ الشريعة وعلى عدم التعامل بالرِّبا أخذًا وعطاءً” .
فالبنك أو المصرف الإسلامي لابدّ أن يشتمل على مضامين أساسية مهمة:
حُسْن اختيار القائمين على إدارة الأموال بهدف ضمان تنفيذ الأحكام الشرعية في المعاملات المصرفية.
الصراحة والصدق والشفافية في المعاملات حتى يتبين لعملاء المصرف الإسلامي كيفية تحقيق الربح ومعدل العائد على أموالهم المستثمر في المصرف.
تنمية الوعي الادِّخاري وعدم حبس المال واكتنازه والبحث عن مشروعات ذات جدوى اقتصادية للاستثمار.
تحقيق التوازن في مجالات الاستثمار المختلفة ووفقا للأولويات الإسلامية: الضروريات والحاجيات والتحسينات.
أداء الزكاة المفروضة شرعًا على كافّة أموال ومعاملات ونتائج أعمال البنك الإسلامي.
يتبع بإذن الله ..
للمزيد يُنظر:
* العمل المصرفي في ظل القوانين السارية، عبد القادر جعفر.
* أبعاد القرار التمويلي والاستثماري في البنوك الإسلامية، ابن الغالي ابراهيم.
* المعجم الإسلامي، زيدان عبد الفتاح قعدان.
* الفقه الإسلامي وأدلته، وهبة الزحيلي.
* البنوك الإسلامية أحكامها ومبادئها وتطبيقاتها المعاصرة، محمد محمود العجلوني.
* تقييم اعمال البنوك الإسلامية الإستثمارية، محيي الدين يعقوب ابو الهول.
* تمويل التبادل التجاري في الدول الإسلامية، ابراهيم عبد الحليم عبادة.
* تحوّل المصارف التقليدية للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، يزن خلف سالم العطيات.
* مؤشرات الأداء في البنوك الإسلامية، ابراهيم عبد الحليم عبادة.