إليك بعض القصص الشائعة بدايةً:
♦ شاب يلعب مع أصدقائه فيسقط على رأسه، يصبح مشوشًا ثم يغيب عن الوعي…فيما بعد يشخص الطبيب حالته بنزيف دماغي!!.
♦ مسنٌّ يتعثر أثناء سيره فيسقط، ومن ثم يقوم من جديد ويظن أنها مرت بسلام…بعدة عدة أيام يبدأ بالشعور بصداع شديد، يذهب للطبيب فيشخص له نزيف دماغي نتيجة سقوطه!!.
♦ رجل مصاب بارتفاع ضغط غير منضبط، يتعرض لعامل محرض لارتفاع التوتر الشرياني لديه، ويصاب بنوبة اختلاجية، والتشخيص: نزيف دماغي!!.
هل تلاحظ عزيزي القارئ الاختلاف بين القصص السابقة؟ لكن جميعهم أُصيبوا بنزيف دماغي!! فما التفسير؟! وما الفرق بينهم؟!
في الحقيقة عزيزي القارئ إن هذا الاختلاف ناجم عن اختلاف نوع النزيف وموقعه.
يا للعجب!! وهل للنزيف الدماغي أنواع؟ كيف ذلك؟!
هذا ما سنتحدث عنه في مقالنا الآتي، ولكن بدايةً فلنتعرف معًا على الدماغ وأقسامه.
◄ الدماغ يفسر لنا ويعطينا معنى للأشياء التي تحدث في العالم المحيط بنا من خلال الحواس، ويتحكم في الأفكار، والذاكرة، والكلام، والحركة، وينظم وظائف الأعضاء داخل الجسم.
ومن عظمة الخالق سبحانه وتعالى أنه خلقنا وكوّن أجسامنا بطريقة تحمي هذا العضو النبيل، حيث يوجد الدماغ داخل غطاء عظمي يسمى الجمجمة (أو االقحف)، وهذه الجمجمة تحمي الدماغ من الأذية.
كما يوجد بين الدماغ والجمجمة أغشية نبيلة تحيط بالدماغ وتحميه (كما تحيط بالحبل الشوكي أيضًا) تسمى “السحايا”، وتتكون السحايا من ثلاث طبقات (مرتبة من الخارج إلى الداخل) هي:
• الأم الجافية (تبطن الجمجمة)، وتحتها:
• الغشاء العنكبوتي، وتحته:
• الأم الحنون (تغطي كامل سطح الدماغ وهي شديدة الصلة به.(
ويوجد بين الأم الجافية والغشاء العنكبوتي مسافة تسمى: “الحيز تحت الجافية”.
وكذلك بين الغشاء العنكبوتي والأم الحنون يوجد مسافة، وتسمى: “الحيز تحت العنكبوتي”.
كل هذه الطبقات؟ نعم كل هذه الطبقات.
← فالنزيف داخل القحف: هو أحد المظاهر الناجمة عن اعتلال أو أذية الأوعية الدموية الصغيرة في الدماغ لسبب خارجي أو داخلي.
ويشير هذا المصطلح إلى أي نزيف يحدث داخل الجمجمة بما في ذلك المادة الدماغية والمسافات السحائية المحيطة به.
—————————–
◄ ذكرت لنا أن للنزوف أنواع، فما هي؟
يوجد 4 أنواع للنزف داخل القحف، وهي:
1) النزف فوق الجافية: يكون النزف هنا في المسافة بين الجمجمة والأم الجافية.
2) النزف تحت الجافية.
3) النزف تحت العنكبوت.
4) النزف داخل المخ (داخل المادة الدماغية.(
يختلف كل نوع من حالات النزف من حيث المسببات، والموجودات، والإنذار، والنتائج.
ولكنها تشترك في #بعض الملامح السريرية العامة، مثل بعض الأعراض الشائعة من:
صداع، غثيان، إقياء، ارتباك، تشوش، نعاس، نوبات الاختلاج…
—————————-
◄ ما مدى خطورة هذه النزوف؟!
تشير الإحصائيات إلى أن معدل الوفيات خلال 30 يومًا يتراوح مه بين 35% إلى 52%، وما يقارب نصف هذه الوفيات يحدث خلال ال 24 ساعة الأولى، أما بالنسبة لمن ينجو فلا يتوقع له الشفاء الوظيفي التام (الذي يحدث عادة خلال ستة أشهر)، إلا عند 20% منهم. لذلك التدخل السريع الباكر والمعالجة الفعالة في قسم الإسعاف مهمة جدًا في هذه الحالات. لذا على المرء الانتباه.
أما بالنسبة للنزوف داخل القحف #العفوية أي التي تحدث وحدها دون وجود عامل خارجي (كضربة على الرأس مثلًا) فهي قليلة الحدوث، حيث تحدث عند حوالي 24 شخص من كل 100.000 شخص حول العالم على مدار السنة.
——————————-
◄ ربما السؤال الذي قد يدور في ذهنكم الآن هو: هل هناك عوامل مؤهبة قد تزيد من نسبة حدوث النزف داخل القحف؟
نعم بالتأكيد، ومنها:
1) ارتفاع ضغط الدم.
2) تناول الكحول (سبحان من حرّمه علينا).
3) تناول الأدوية المضادة للتخثر(المميعات).
4) انخفاض مستوى الكوليسترول الكلي بالدم.
5) تعاطي المخدرات.
6) عوامل وراثية.
7) وكذلك يتعلق الأمر بالعمر والجنس، إذ وجدت الدراسات أن حدوثه يكثر عند الذكور والمتقدمين بالعمر.
← إذا شك الطبيب بحدوث نزيف داخل القحف، فماذا قد يفعل لتأكيد تشخيصه؟
يُعَد التصوير المقطعي المحوسب “CT scan” الوسيلة الأساسية في تشخيصه، وقد يحتاج في حالات معينة إلى تقنيات ووسائل أخرى.
——————————
◄ تدبير الحالة:
يختلف التدبير حسب النوع والسبب المؤدي لحدوث النزف، ولكن يوجد بعض الخطوط العامة التي يجب الالتزام بها دومًا في حالات النزوف الدماغية، مثل:
• تأمين طريق هوائي ودوران دموي جيد.
• إيقاف الأدوية المضادة للتخثر، أو حتى إبطال وعكس تأثيرها.
• الحول دون حدوث انخفاض ضغط الدم أو نقص مستويات الأوكسجين.
• ضبط الضغط داخل الجمجمة، والذي يتطلب عادة تخفيض ضغط الدم إلى قيمة معينة.
• محاولة تفادي حدوث النوبات الاختلاجية.
• معالجة ارتفاع الحرارة والعدوى بحزم حال حدوثها .
• ضبط مستويات سكر الدم.
• وأحيانًا يكون اللجوء للعلاج الجراحي ضروريًا.
هذه كانت فكرة عامة عن النزوف الدماغية، وقد فصّلنا في أنواعها في مقالاتنا السابقة (سنضع روابطها في التعليقات لمن يرغب بالاطلاع عليها).
وهكذا نكون قد انتهينا من سلسلة النزوف الدماغية، نسأل الله لكم السلامة والعافية. حافظوا على أنفسكم وذويكم، خصوصًا مما قد يشكل صدمة قوية كعبور الطريق، وكذلك ضبط الضغط الدموي إن كان مرتفعًا.
وتأكدوا أن كل شيء يحدث بأمر الله، لكن علينا أن نلتزم ما نحن مطالبون بالالتزام به.
دمتم بصحة وعافية.