«الهندرة»- إعادةُ هندسة العمليّات الإدارية-
يعبر مفهوم إعادة هندسة العمليات الإدارية في المنظمات عن إعادة التفكير الأساسي والتصميم الجذري لعمليات الأعمال؛ لتحقيق تحسينات جذرية ضخمة وهائلة في مقاييس الأداء الحالية والحيوية، مثل: التكلفة، والجودة، والخدمة، والسرعة. فإعادة الهندسة الإدارية ليست تعديلاً إدارياً أو تغييراً تنظيميَّاً في الوضع الحالي للمنظمة، بل البدء من جديد (أي من نقطة الصفر) وليس إصلاح وترميم الوضع القائم أو إجراء عمليات جديدة تترك البنى الأساسية كما كانت عليه، كما لا يعني ترقيع الثقوب لكي تعمل بصورة أفضل، بل تدل على التخلّي التام عن إجراءات العمل القديمة الراسخة، والتفكير بصورة جديدة ومختلفة في كيفية تصنيع المنتجات، أو تقديم الخدمات لتحقيق رغبات الزبائن.
وقد اتُّفق على «الهندرة» مفهوماً لإعادة هندسة العمليات الإدارية، وهي كلمة مركبة من قسمين: الهندسة، والإدارة، وتشتمل الهندرة على عدد من المفاهيم، وهي:
أ- تبدأ الهندرة من الصفر، أي أننا نكتب في ورقة بيضاء لم يكتب فيها أحد من قبل.
ب- ليست الهندرة عملية ترميم أو إصلاح للعمليات القائمة، بل تجديداً لها.
ج- الهندرة ثورة للتخلي عن كلّ قديم.
د- يمكن تطبيقُها في كافّة أنواع العمليات وفي أنواع المنظمات كلِّها أيضاً.
من أهم المبادئ التي تقوم عليها إعادة هندسة العمليات الإدارية في المنظمات، أنها تقوم على إعادة تصميم العملية الواحدة من بدايتها وحتى نهايتها، كما تقوم على نظم المعلومات وتبني اللامركَّزية، وتسعى إلى دمج المهامّ الفرعيَّة المتكاملة في مهمة واحدة.
وتتضمن الهندرة أهدافاً يمكن إجمالُها في التخلُّصِ من الروتين القديم وأسلوب العمل الجامد، والتحوّل إلى الحرية والمرونة، وتخفيض تكلفة الأداء، وتحويل عمل الأفراد من رقابةٍ وإشرافٍ لصيق يُمارَس عليهم إلى عملٍ يتمتعون فيه بصلاحيّاتٍ وتحمّل للمسؤوليات، كما تتبنى الجودةَ العاليةَ في الأداء، بالإضافة إلى الخدمة السريعة والمتميّزة، والتكامل والترابط بين مكونات العملية الواحدة.
ولقد قدم الباحثون والمهتمون بأسلوب إعادة هندسة العمليات الإدارية في المنظمات العديدَ من المناهج العلميَّة، والتي تتضمن مجموعةً من المراحل والخطوات التطبيقيّة، والتي يجب اتِّباعُها لتطبيق هذا المفهوم بصورة سليمة ومناسبة، وهي:
1. الرؤية والتصور: تحديد رؤية العمل بشكل عام، وتقويم الوضع الحالي من قبل قائد فريق إعادة الهندسة الإدارية.
2. الإعداد والتحضير: رسم خطة زمنية لخطوات العمل وأهدافها والعوائق والصعوبات التي يمكن أن تواجه التطبيق وتقديم الحلول.
3. التحليل والتشخيص الشامل: توصيف شامل للعمليات التي تقوم بها المنظمة، وتوثيقها من نماذج مخصصة للدارسة من خلال مسح واسع النطاق وجمع معلومات؛ للتوصل إلى مواطن الخلل والقصور، وكيفية التعامل معها.
4. إعادة التصميم أو البناء: تصميم العمليات بشكل جديد وطرح البدائل المختلفة.
5. التطبيق والتحول: يعتمد ذلك على التحول بين العنصر البشري والعنصر التقني وخطوات العمل.
ما المنظماتُ التي تحتاج إلى تطبيق الهندرة؟
1- المنظمات ذات الوضع المتدهور: والتي يكون أداؤها متدنياً، وتعاني من ارتفاع في تكاليف التشغيل، وانخفاض في جودة الخدمات والمنتجات التي تقدمها، وكذلك عدم قدرتها على المنافسة وتحقيق الأرباح، فتطبيق عملية الهندرة في مثل هذه المنظمات سيمكنها من التغلب على المشاكل التي تعاني منها.
2- المنظمات التي في طريقها للتدهور: وهي منظمات لم تتدهور بعد، ولكن توجد مؤشرات قوية بأنها في طريقها إلى التدهور، مثل: تناقص حصة المؤسسة في السوق لصالح المنافسين، والارتفاع التدريجي في تكاليف التشغيل والإنتاج، والانخفاض التدريجي في الأرباح، مثلُ هذه المنظمات تصارع لأجل البقاء وهي لا تملك القدرةَ على مسايرة التطور والمنافسة بشكل قوي؛ لهذا فهي تحتاج إلى الهندرة حتى تستطيع استعادةَ مكانتها في السوق.
3- المنظمات المتميزة والتي بلغت التفوق: مثلُ هذه المنظمات المتميزة لا تعاني من مشاكل على الإطلاق، وتوجد مؤشرات قوية بأن هذه المنظمات تسيطر على السوق، وتمتلك حصة كبيرة جداً مقارنة بالمنافسين، وهي لا تعاني من ارتفاع في تكلفة التشغيل والإنتاج، أو تدنٍ في جودة الخدمات أو المنتجات، ويتم تطبيق الهندرة في مثل هذه المنظمات ليس بدافع الخوف من التدني، ولكن بدافع الطموح وتوسيع الفجوة بينها وبين المنافسين لها.
فما الفوائدُ الناجمةُ عن تطبيق الهندرة في المنظمات إذن؟
عند تطبيق الهندرة يترتب عليها الكثير من الفوائد، منها: دمج الوظائف المختصة في وظيفة واحدة، وتحول الأعمال من مهام بسيطة إلى أعمال مركبة، وزيادة استقلالية الأفراد في أداء المهام، ومساعدة العاملين على اتخاذ القرارات دون قصر هذه العملية على المديرين، كما تعمل الهندرة على تغيير الثقافة التنظيمية السائدة، بالإضافة إلى تنفيذ خطوات العمل حسب طبيعتها، وهذا الأمر يؤدي إلى إنجاز العديد من الخطوات في وقت واحد، إضافة إلى تقليل الوقت بين خطوات العمل.
يمكن تحديد بعض الأخطاء الشائعة عند تطبيق الهندرة، وأهمُّها: محاولة إصلاح العمليات بدلاً من تغييرها جذرياً، والتركيز في العمليات الإدارية وإعادة تصميمها فقط، وتجاهل قيم الناس وثقافة المنظمة، والقبول بالنتائج الطفيفة والتحسينات السخيفة، والتراجع من منتصف الطريق، ووضع العراقيل أمام الهندرة والتركيز على المظهر لا الجوهر، والسماح للسلوكيَّات الإدارية السائدة أن تمنعَ الهندرةَ من الانطلاق، ومحاولة إجراء عمليات الهندرة من أسفل الهيكل التنظيمي إلى الأعلى، وتعيين شخص لا يفهم معنى الهندرة لقيادة المعركة.
في النهاية، لا يمكن تجاهلُ الإشارة الى أهمية إعادة هندسة العمليات الإدارية كأحد الأساليب الإدارية الحديثة التي تساعد المنظمات لدعم عملية اتخاذ القرار، ومواكبة التغيرات التي تحدث في بيئتها المحيطة، وزيادة قدرتها على المنافسة والبقاء، والتطلع إلى اكتساب المرونة والقدرة اللازمة لتجسيد أهدافها، وتعزيز ثقافتها بما يخدم نظرتَها المستقبليّةَ وخطتها الاستراتيجيّة، ويعزز ميزتَها التنافسيَّة.