بينما كان رامي عائداً إلى بيته بعد أن قضى يوماً عصيباً في عمله، بدأ يرجّح بين الأمور الروتينية التي يقوم بها فور دخوله لبيته: هل أستحم أولاً؟ أم أستلقي؟ ربما أشرب قهوتي كالمعتاد ثم أستلقي، ولضيق وقته وقبل الرجوع للشركة قرر أن يأخذ قسطاً من الراحة فور وصوله للبيت.
ركن سيارته في موقف السيارات الموجود على مسيرة سبع دقائق من عمارته، وأسرع يهرول بخطواته كي يصل إلى بيته ويستلقي، فما أجمل الاستلقاء بعد يومٍ حافلٍ ومُتعب!
بعد أن وصل وأغلق باب الشُّقّة ووضع المِعطَف والمحفظة في أقرب مكان، توجّه مباشرةً لسريره ورمى بنفسه فرِحاً مسروراً بحالته تلك، ومع ذلك تأسّف قليلاً لضيق الوقت الذي لم يكن لديه ليستغله في الاستحمام، مرّت بضعُ دقائق، وفجأةً، نهض مرتبكاً سائلاً نفسه: هل أغلقت كل نوافذ السيارة؟ هل أغلقت الأبواب؟ وهنا بدأ يلوم نفسه على عدم التركيز وعلى عدم المبالاة في مثل هذه الأمور، فانقلب فرحه حزناً، وراحته المبتورة تعباً على تعب، فنهض من جديدٍ ليبدأ رحلته تلك التي عكّرت صفوه وصفوَ من رأى حالته.
ولهذا دعونا نغيّر في الأحداث قليلاً ……… بدأ يرجّح بين الأمور الروتينية التي يقوم بها فور دخوله لبيته: هل أستحمُّ أولاً؟ أم أستلقي؟ ربما أشرب قهوتي كالمعتاد ثم أستلقي، وهنا أخرج هاتفه الذكيَّ وفتح تطبيقاً خاصّاً، وبدأ بإصدار أوامره: أولاً، قام بغلق الستائر ليوفّر جوّاً من الاسترخاء، ثم أضاء البهوَ والمطبخ، ثم ضغط على زرٍّ آخرَ ليوجه الأمر لماكينة لفازا أن تحضِّر له القهوة فورَ فتحه لباب الشُّقّة، وأخيراً قام بتهيئة الحمّام ليجد الماء الدافئ بانتظاره.
بعد أن أغلق الباب ووضع المِعطف والمحفظة توجّه مباشرةً للمطبخ، فوجد قهوته التي يشتهيها ساخنةً تلوّح له برائحتها الطيبة، فارتشف منها رشفاتٍ متتالياتٍ ثم توجّه للاستحمام، وبعد الانتهاء استلقى على سريره وهنا راوده الشكُّ: هل أغلق باب سيّارته؟ هل أغلق نوافذها؟ وما كان منه إلا أن فتح التطبيق من جديدٍ ليَدحض وساوسه، ليجد الأبواب والنوافذ مفتوحةً، فضغط على بعض الأزرار فأُغلِقت على الفور.
أهذه حقيقةٌ أم خيالٌ علمي؟ ما اسمها إذاً هذه التكنولوجيا؟ هل هي مكلفة؟ آمنة؟ كيف لتطبيقٍ أن يتحكّم في كل هذه الأشياء؟ وغيرها من الأسئلة المنطقية المتسلسلة والتي تطرح نفسها بقوّة، خاصةً عندما نرى أن هذه التكنولوجيا اجتاحت حياتنا اليومية مختصرةً لنا الزّمان والمكان لحلِّ مشاكلنا، تلك التي إن رجعنا بها لبضع أعوامٍ في الزمن، لكانت حينئذٍ كلمة خيالٍ علميٍّ هي الوصف السليم لها.
إنترنت الأشياء أو الأشياء المتصلة بالإنترنت (Iot- Intenet of things- En) أو (Iod – Internet des objet- fr)
هي التسمية العلمية لهذه الظاهرة، وحقيقتها: هي اقتحام الإنترنت لأشياء يستخدمها الإنسان بشكل دوريٍّ في حياته اليومية، بحيث يحدث تبادلٌ في المعلومات بين الأشياء أو العتاد الذي نريد تطبيق هذه التكنولوجيا عليه وبين الإنترنت، ومن خلال هذا التبادل تحدث الفائدة المرجوّة لنا.
طبعاً، هذه التكنولوجيا أصبحت موجودةً في شتّى المجالات الصحية، المنزلية، الترفيهية، وغيرها، وساهمت بشكلٍ لا بأس به في زيادة كمِّ المعلومات على شبكة الإنترنت، أو ما يعرف اليوم بظاهرة الـ Big Data . وكما توقع فريق بحث البروفيسور Dirk Helbing و الباحث Evangelos Pournaras من المعهد الفدراليِّ السويسريِّ للتكنولوجيا في زيورخ – سويسرا: أن عدد العتاد أو الأشياء المتّصلة بينها سيصل وخلال فترة 10 سنوات إلى 150 مليار شيء – المرجع أسفل المقال – ( هاتف ذكي، مكينة قهوة، تلفاز، سيارة، ساعة، وغيرها ).
إذاً هذه الظاهرة حقيقيةٌ وهي في طريقها إلى البشريّة جمعاء، ولهذا سيكون حتماً على الأفراد والمؤسسات أن يتصوّروا هذه التكنولوجيا كلٌّ على سعته، وهذا ما نسعى لتوضيحه في مقالتنا القادمة ان شاء الله .