هل شاهدت مثل هذه الشروخِ من قبلُ على سطحٍ خرسانيّ؟ هل تساءلت عن سببها وكيفية معالجتها؟ إليك هذا المقال إذن!
تتعرض الخرسانة لعدة تغيرات في الحجم، وسواء أكان هذا التغير ذاتياً في الخرسانة أم لظروف خارجية، فإن التغير الحجمي من أكثر الخصائص إضراراً بالخرسانة؛ إذ يؤثر على قوتها على المدى البعيد وعلى ديمومتها وعمرها الافتراضيِّ كذلك؛ لذا فإن التغير الحجمي أو ما يُعرف بانكماش الخرسانة من أهم الخصائص التي يجب على مهندس التنفيذ مراعاتُها؛ لما تسببه من تشققات وشروخٍ غيرِ محمودة العواقب.
لكن، لماذا يسبب الانكماشُ هذه الشروخ؟
من المعروف أن إجهاد الشد للخرسانة ضعيفٌ للغاية (0.1 من إجهاد الضغط) فإذا كان إجهاد الضغط للخرسانة 25 ميجا باسكال مثلاً فإن إجهاد الشد في هذه الحالة يكون 2.5 ميجا باسكال فقط! هذا في حال وصولها إلى إجهاد التصميم فكيف بها إذا كانت حديثة الصب! ويحدثُ أن يتعرضَ جزءٌ منها للانكماش دون الآخر مسبباً إجهاد شد بين هذين الجزأين، وعندما يتخطى هذا الإجهادُ مقدار الإجهاد الذي تتحمله الخرسانة تظهر هذه الشروخُ في منطقة الشد.
يُعرف انكماش الخرسانة بأنه التغير في الطول لكل وحدة طول منها، ومن ثَم يوجد رقم قياسي للدلالة على الانكماش يُعبَر عنه كنسبة، وعادةً ما يقاس بالميكرو انفعال وهو ما يكافئ جزءاً من مليون جزء من البوصة لكل بوصة، ويكافئ كذلك جزءاً من مليون جزء من المتر لكل متر.
يلعب الزمن دوراً مهماً في انكماش الخرسانة فيكون كلُّ نوعٍ منه فعالاً في وقتٍ ما كما سنبين لاحقاً، وتعد الشروخ والتشققات الناتجة عن الانكماشِ من العيوب شديدة الخطورة وغير المقبولة خصوصاً في الأرصفة والبلاطات والأرضيات، وليس السؤال هنا عن كيفية الحصول على خرسانة بلا انكماش أو تشقق؛ إذ يصعب ذلك عملياً، وإنما عن التحكم في مقدار ذلك الانكماش والشروخ الناتجة عنه وكيفية تقليصه.
يستخدم مصطلح الانكماش عموماً ليصف أشكال التغير الحجمي المختلفة في الخرسانة نتيجة فقد الرطوبة على مراحل مختلفة ولأسباب عدة، ولفهم هذه العلاقة أكثر يمكننا تصنيف الانكماش إلى أربعة أنواع:
• الانكماش اللدن
• انكماش الجفاف
• الانكماش الذاتي
• انكماش الكربنة
ونتناول في هذا المقال شرح النوع الأول:
الانكماش اللدن:
هو تقلص حجم الخرسانة نتيجة خروج الماء منها في حالتها اللدنة أي قبل الشك، وهذا الخروج يمكن أن يكون أثناء عملية الإماهة أو لظروفٍ بيئيةٍ أدت إلى تبخر المياه، والتي تتجمع بدورها على سطح الصب حيث الخرسانة ما زالت رطبة؛ لذا فإنه كلما زاد معدل نضح الخرسانة زاد تأثير الانكماش اللدن، وتكون شروخ الانكماش اللدن سطحية(غير عميقة) ومتوازية غالباً، ويعتمد هذا النوع من الانكماش على المحتوى الأسمنتي؛ وعليه فإنه يتناسب عكسياً مع نسبة المياه إلى الأسمنت(W/C) في الخرسانة، وسرعان ما يظهر هذا النوع من الانكماش من وقت صب الخرسانة وحتى وصولها إلى مرحلة الشك(أي في الحالة اللدنة) ولأن كثافة الركام النوعية أكبر من كثافة الماء؛ يميل الركامُ إلى الهبوط والمياهُ إلى الخروج إلى سطح الصب؛ وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في كل الخرسانات، لكنها تختلف عن بعضها في مقدار هذا الهبوط، ويكون النضحُ نتيجةً لذلك.
السبب الرئيس للانكماش اللدن هو فقد الماء، سواء أكان بالتبخر من سطح الخرسانة أم بامتصاص الركام أو أرضية الصب للماء، وينتج عن فقد الماء تقلصاتٌ في الحجم، وتبدأ حبيبات الركام وكذلك التسليح في الهبوط؛ مما يؤدي إلى حدوث التشققات التي إما أن تكون ظاهريةً على السطح أو باطنيةً حول الركام أو التسليح.
وفي حالة الأرضيات أو البلاطات أو الأرصفة، حيث تكون المساحة السطحية المُعرَّضة للجفاف كبيرةً إذا ما قورنت بسمك الصب (أو سمك العنصر الإنشائي) فإنه عندما تتعرض هذه المساحة الكبيرة إلى الشمس الحارة والرياح الجافة، يجف الجزء السطحي للخرسانة سريعاً مسبباً الانكماش اللدن، وفي بعض الأحيان حتى وإن لم تتعرض الخرسانة إلى التجفيف الشديد لكنها كانت قد خُلطت بشكل سيئ بنسبة ماء إلى أسمنت عالية، فإن كميةً كبيرةً من المياه تنضح وتتراكم على السطح، وعندما يكون معدل التبخر أكبر من معدل النضح، تجف خرسانة الطبقة السطحية وتنكمش وبينما لا تنكمش الطبقة السفلى تنتج هذه الشروخ (الأمر أشبه بتلك الطبقة الرفيعة التي تظهر على المرق) كما تتعرض الخرسانة اللدنة أحياناً إلى اهتزازاتٍ غير مقصودة أو حدوث خضوع لركائز الشَّدَّة؛ مما يتسبب في تشققات الانكماش اللدن أيضاً؛ لأن الخرسانة في هذه الحالة لمّا تقوَ بعدُ ولم تصل إلى القوة الكافية لمقاومة هذه الشروخ، مما سبق نخلُصُ إلى أن نسبة الماء إلى الأسمنت، والخرسانةَ غير متناسبة المكونات، وسرعة التجفيف، والنضح الهائل، والاهتزازات غير المقصودة، كل ذلك من أسباب الانكماش اللدن، ويمكننا أن نقول إن الخرساناتِ الأغنى بالمياه تعاني انكماشاً لدناً أكثر وتتأثر به بصورةٍ بالغةٍ عن غيرها.
يمكن الحدُّ من الانكماش اللدن في الخرسانة بشكلٍ رئيسٍ عن طريق منع الفقد السريع للمياه من السطح، وذلك بواسطة طبقة أو غطاء من البولي إيثيلين بعد التشطيب مباشرة، أو عن طريق الرش (الغشائي) فيبقى السطح رطباً، أو عن طريق صب الخرسانة ليلاً، وكذلك استخدام كميات صغيرة من مسحوق الألومنيوم من المتوقع أن يحد من الانكماش اللدن، كما يمكن أن نستخدم الأسمنت المتمدد أو الأسمنت المعوِّض للانكماش؛ للتحكم في الانكماش في مرحلة ما قبل الشك، تظليل السطح وإعادة تصميم الخلطة من شأنهم أن يقللوا من تأثير الانكماش أيضاً.
ومن خلال المخطط المُرفق في التعليقات يمكننا معرفة إذا ما كان معدل التبخر الحادث أثناء الصب طبيعياً أم فوق الطبيعي، وكذلك أرفقنا لكم رابطاً يمكنكم من خلاله الحصول على هذا المعدل مباشرة وكلتا الطريقتين تستخدمان درجة حرارة الجو ودرجة حرارة الخرسانة والرطوبة النسبية وسرعة الرياح أثناء الصب في تحديد معدل التبخر، وبشكل عام يمكن القول بأنه إذا كانت سرعة الرياح أقل من 10 أميال\ساعة والرطوبة النسبية أكبر من 50% ودرجة حرارة الخرسانة أقل من F ̊85 وحرارة الجو أقل من F ̊80 فإن الانكماش اللدن لن يكون ذا تأثيرٍ كبيرٍ، لكن انتبه! «لن يكون ذا تأثيرٍ كبيرٍ» تعني أنه لا يزال موجوداً.
ذكرنا آنفاً أنَّ للزمن أهميةً كبيرةً في انكماش الخرسانة، وإذا كان الانكماش اللدن يحدث في مرحلة الخرسانة اللدنة؛ فعلينا أن نتعامل معه من وقت الصب وحتى ست ساعات منه وأخذ الاحتياطات التي ذكرناها خلال هذه المدة، لكن ماذا إن وجدت هذه الشروخ بعد الصب؟ وماذا إذا تصلبت الخرسانة بالفعل وبها هذه الشروخ؟