#منكوشات_تطورية – بنور العلم نهدم خرافة التطور – 22 : مقال في الصميم
إن فن خرافة التطور : هو فن القدرة على تأليف القصص الافتراضية والخيالية التي تتلاءم مع أي استكشافات حديثة تهدم خرافات الصدفة والعشوائية !! فكما قلنا من قبل وباعتراف تطوريين أنفسهم في نقدهم لأدلة بعضهم البعض : خرافة التطور تعتمد على مغالطة الاستدلال الدائري – العربة أمام الحصان – وضع خرافة التطور كحقيقة أولا ثم (تلفيق) أي شيء ليصير دليلا عليها حتى لو كان يهدمها أصلا !!
ومن هنا : فلما عجز التطوريون (كعادتهم) عن تفسير كيف نشأت آليات تصحيح الحمض النووي (لأنها تحوي معلومات ووعي بما يجب وما يكون وكيف يكون) ليضموها لفشلهم الذريع عن تفسير آليات النسخ المبهرة : فقد حاولوا قلب الفشل إلى نجاح كعادتهم للتشويش على البسطاء وغير المختصين فزعموا أن وقوع الأخطاء يطعن أولا في الخالق (يقصدون المؤمنين بخالق) – وثانيا : وقوع الأخطاء هو الطريق الذي ظهرت به أسطورة الطفرات التي تضيف تتابعات ذات فائدة للجينات – فهل صح كلامهم ؟!
أما بالنسبة لمحاولة إبعاد الانتباه عن فشلهم إلى الطعن في الخالق : فهذا بالضبط كالذي يستدل بوجود ورش تصليح السيارات ليقول أن صناعة السيارات سيئة لأنها تتعرض للكسر والتلف !! وهذا كما هو ظاهر من أغبى الاستدلالات التي لا تصدر إلا ممَن تربوا على كتابات ريتشارد دوكينز الملحد التطوري !! حيث بدلا من الوقوف أمام مشكلة الإبداع في النسخ وفي تصليح الأخطاء الذي يتطلب وعيا (وخصوصا معلومات وهو ما يعد خارج منظومة المادة والصدفة والعشوائية أصلا) : راحوا يطعنون في الحوادث التي يتعرض لها الحمض النووي نتيجة أسباب من خارجه (كما قلنا الإشعاعات الضارة التي تصل للخلايا وكذلك ارتفاع درجات الحرارة وأيضا الكيماويات مثل الأدوية والعقاقير والخمر والتدخين وغيرها) !! فمَن يزعم هذا الزعم السخيف : قل له كلام صحيح فعلا – سيارات مرسيدس وشيفورلية وفورد وتويتا وكيا وماتشوبيسي وهوندا وهيونداي وفولكس فاجن وكل السيارات التي سيصنعها كبار عباقرة الهندسة من البشر : هي صناعات فاشلة كلها لأنها عندما تتعرض إلى حوادث فإنها تنخدش وتنكسر وتتحطم وتتأثر والدليل : وجود ورش تصليحها !! استدلال رائع الصراحة !!
وأما بالنسبة لقولهم أن تلك الأخطاء (وهي تتقلص كثيرا بجانب آليات التصليح كما سنرى بعد قليل) : فلا علاقة لها في الحقيقة بأسطورة الطفرات التي تضيف تتابعات مفيدة للجينات – وهذه المرة لن نقول أن الجينات كفصل في كتاب يستحيل الضرب العشوائي على الكيبورد لتضيف شيئا مفيدا إليه – لا – هذه المرة نقول أن أكثر المناطق التي تتعرض للأخطاء هي المناطق البعيدة أصلا عن منطقة التشفير للجينات !! (مفاجأة صح ؟)
إنه شيء شبيه بعندما أقول لك أن فصول الكتاب بينها صفحات كثيرة فيها مرجع وأسماء ومصطلحات (ليست من موضوع الكتاب نفسه) – وأن هذه الصفحات هي التي يقع فيها اخطاء غالبا وليس الجينات أو الفصول نفسها التي تعتبر أقل بكثير جدا !!
حيث بالإضافة لما سيذكره الدكتور محمد بعد لحظات : فإن معظم جينات الحمض النووي هي في مناطق على سلاسل الـ DNA تسمى جزر isochores – وهذه الجزر تتكون أساسا من العلاقة G-C من قواعد الحمض النووي الأربعة – وهي الروابط الأكثر تماسكا في الحمض النووي (لأن بينها رابطة هيدروجينية ثلاثية وليس ثنائية مثل AT) !! ولذلك يتم عن طريقها قياس درجة تحمل الحمض النووي للتفكك الحراري – بمعنى آخر : إن نسبة GC ratio of genomes تقف عائقا أمام ترك الحبل على الغارب لتخيل الطفرات المؤثرة على الكائن !! بعكس الطفرات التي تقع في الأجزاء التي أكثرها تتابعات متكررة من AT مثل اطراف ومنتصف الكروموسومات والمناطق المحيطة بالجينات إلخ
التطور وأخطاء إنزيم التضاعف
لم يدرك شارلز دارون مؤسس نظرية التطور وصاحب كتاب “أصل الأنواع”، عصر التقدم الهائل في علوم الوراثة والبيولوجيا الجزيئية الذي نعيشه الآن. وبالرغم من ذلك فإن معظم مؤيدي النظرية يستخدمون هذا الكم الهائل من المعلومات الناتجة من هذا التقدم كدلائل لإثبات النظرية وإلى هذه اللحظة مازال الخلاف مستمر بين مؤيد ومعارض. والسؤال هنا هل كل ما يستخدمه مؤيدي النظرية والمعروفين بالتطوريين يأتي بالفعل في صفهم ويساهم في إثبات النظرية أم أن الأمر ما هو إلا محاولات؟.
سنستعرض هنا واحدة من هذه الدلائل التي تُستخدم من قبل التطوريين كإثبات للنظرية و هي “أخطاء إنزيم التضاعف” كمصدر للاختلافات الوراثية و مدى تأثيرها على تطور الأنواع. تتم عملية التضاعف في الخلايا الحية بطريقة منظمة و غاية في الدقة و ذلك قبل انقسام الخلايا. و يوجد نوعان من الإنقسامات الخلوية، أولهما الانقسام الميتوزي الذي يتم في الانسجة الجسمية، و الهدف منه هو النمو وتكاثر الخلايا مع الحفاظ على نوعيتها وعلى محتوها من المادة الوراثية كماً و نوعاً. و النوع الثاني هو الانقسام الميوزي الذي يحدث في الأنسجة الجنسية، و هو يهدف إلى تنصيف عدد الصبغيات (الكروموسومات) و تكوين التوليفات المختلفة بين الجينات و بعضها فيما يعرف بعملية العبور الوراثي التي تعتبر جزءاً أساسياً في عملية التنوع الوراثي وذلك قبل تكوين الجاميطات (النطف).
و يقوم بعملية التضاعف إنزيم التضاعف ويساعده في ذلك عدة إنزيمات لها وظائف محددة. ومن المثبت أن إنزيم التضاعف يتسبب بنسبة من الخطأ أثناء تضاعف المادة الوراثية و ينشأ ذلك نتيجة وضع نيوكليوتيدة (وحدة بناء المادة الوراثية) تحمل قاعدة نيتروجينية في مكان خاطئ (غير مكمل للخيط القالب). ولكن تكرار حدوث هذا الخطأ صغير جداً و هو يحدث بمعدل قاعدة واحدة لكل 100,000 (مائة ألف) قاعدة تقريباً. فلو أخذنا مثالاً على خلية في الانسان و التي تحوي ما يقرب من 6 بليون قاعدة نيتروجينية، فإن الخطأ الناتج من إنزيم التضاعف أثناء تضاعف المادة الوراثية يكون ما يقرب من 60,000 قاعدة تقريباً. و لكن هل هذه النسبة من الأخطاء ثابتة و غير قابلة للتصحيح؟ و هل هي مؤثرة فعلاً على الشكل الظاهري للكائن الحي؟ و هل تتوارث من جيل لآخر؟؟
توجد أثناء و بعد عملية تضاعف المادة الوراثية عدة آليات الهدف منها هو إصلاح الأخطاء التي قد تحدث من إنزيم التضاعف. و أول هذه الآليات هو عملية تصحيح أخطاء القراءة Proofreading و هي خاصية لأحد إنزيمات التضاعف، و هي تقوم بتعديل الأخطاء بشكل كبير يصل لـ 90%. وهذه أول آلية تقلل من النسبة السابقة إلى 10% أي تجعلها تصل إلى قاعدة من كل مليون قاعدة. تأتي بعدها آليه أخرى، و هي تصحيح الارتباط الخاطئ بين القواعد في خيطي المادة الوراثية Mismatch correction وتتم بإزالة القاعدة الخاطئة و استبدالها بقاعدة أخرى صحيحة.
و هذه الآلية تقلل أيضاً من تكرار الخطأ بنسبة كبيرة. بعد إنتهاء التضاعف يأتى تشكل المادة الوراثية لتأخذ التركيب الثانوي، و أثناء هذا التشكل تتكون بعض المناطق الشاذة Deformities نتيجة لبعض الأخطاء المتبقية من الآليتين السابقتين، فتقوم بعض الانزيمات بالتعرف على هذه المناطق واستبدال القواعد الخاطئة بإخرى صحيحة. و الآن لا يتبقى في الغالب أي أخطاء. ولكن ماذا يحدث إذا تبقى القليل من الاخطاء، هل سيكون له تأثير؟؟
بعد استعراض آليات الإصلاح التي تعمل على تقليل نسبة الأخطاء الناتجة من إنزيم التضاعف، سيتم الآن عرض إحتمالات وجود بعض هذه الأخطاء و التي لم تتمكن آليات الإصلاح من تصحيحها. في البداية يجب الإشارة إلى أن جميع الطفرات و التغيرات التي تحدث أثناء التضاعف وغيرها على مستوى الخلايا الجسمية لا يكون لها أي تأثير على النسل القادم و لا تشارك بأي نسبة في تركيب المادة الوراثية الموّرثة، أي أنها لا تشارك في عملية تطور الأنواع. و بمعنى آخر أنه يلزم أن تحدث هذه الأخطاء في الأنسجة الجنسية أثناء تضاعف المادة الوراثية في الانقسام الميوزي لكي يكون لهذه الاختلافات تأثير في خلايا النسل القادم ومن ثم تضمن الاستمرار في النوع. ولو فرض أن هذه الاخطاء المتبقية حدثت في الخلايا الجنسية و إنتقلت إلى الجاميطات (النطف) ومن ثم إلى النسل الجديد فيشترط لكي تستمر هذه التغيرات وتؤثر في النسل القادم عدة أمور.
أولاً: يجب أن تحدث التغيرات في الكروماتين الحقيقي، حيث يوجد في الكروموسوم نوعين من الكروماتين، الكروماتين التركيبي والمعروف بالـ Heterochromatin وهو يكون في مناطق السنترومير والتيلومير (أطراف الكروموسومات) و لا يوجد به جينات تشفر لبروتين. والكروماتين الوظيفي أو الحقيقي Euchromatin و هو الذي يحتوي على الجينات المشفرة للبروتينات المختلفة. فإذا حدثت الأخطاء في البروتين التركيبي فلا يكون لها أي تأثير على الشكل الظاهري للفرد لأنها خارج نطاق الجينات. أما إذا حدثت الأخطاء أثناء التضاعف في الكروماتين الحقيقي فيمكن أن يكون لها تأثير في الشكل الظاهري للفرد نتيجة لتأثرها في تغيير تركيب الجين.
ثانياً: لو حدثت الأخطاء كما ذكرنا سابقاً في المناطق ذات الكروماتين الحقيقي (التي تحوي الجينات) فيكون هناك إحتمالين أيضاً. أن تحدث هذه الاخطاء في مناطق الإكسونات و هى المناطق التي تشفر فعلياً لبروتينات وفي هذه الحالة يكون هناك تأثير لهذه الأخطاء. أما إذا حدثت هذه الأخطاء في مناطق الانترونات وهي المناطق التي يتم إزالتها من الحمض النووى المرسال mRNA بعد عملية النسخ و لا تدخل في عملية الترجمة، و هذا في أغلب أنواع الكائنات الحية، فلن يكون لها تأثير على الناتج النهائي من البروتين.
ثالثاً: الشفرة الوراثية، حيث يوجد عشرين حمض أميني قياسي يشفر لها 61 نوع من الشفرات الوراثية من أصل 64 شفرة وراثية بالإضافة لثلاث شفرات مسئولة عن الايقاف لعملية النسخ. و باقي الشفرات خاصة بالأحماض الأمينية، و لكن يتم توزيع الشفرات بهذا الترتيب: يوجد نوعين من الأحماض الأمينية لكل منهما نوع واحد فقط من الشفرات، بينما تسعة أحماض أمينية لكل منها نوعين من الشفرات، و حمض واحد له ثلاث أنواع من الشفرات، و خمسة أحماض لكل منها أربعة أنواع من الشفرات، و أخيراً ثلاث أحماض لكل منهما ستة أنواع من الشفرات. و بهذا يكون إجمالي الأحماض عشرون و أجمالي الشفرات 61 بالإضافة للثلاثة الخاصة بالإيقاف ليكون المجموع 64.
و الآن نرى بوضوح أن أغلب الأحماض الأمينية لها أكثر من نوع من الشفرات بحيث إذا تغيرت القاعدة الأخيرة لا تؤثر على نوع الحمض الأميني و بالتالي لا تؤثر على البروتين الناتج. وبهذا يتضح أن بعض الأخطاء القليلة و الناتجة أثناء تضاعف المادة الوراثية قد لا يكون لها تأثير بالمرة إذا لم يتغير نوع الحمض الأميني. وهذا يقلل بدرجة كبيرة جداً إحتمال حدوث تغير في الشكل المظهري.
رابعاً: كل نسيج له مجموعة من الجينات التي تعبر عن نفسها وتشفر لبروتينات خاصة و متخصصة فقط لهذا النسيج، بالإضافة للبروتينات العامة التي توجد في جميع الأنسجة. و بالتالي فليس كل الجينات يتم التعبير عنها في جميع الخلايا. و هذا يعمل على تقليل فرصة التأثير الناتج من حدوث الأخطاء أثناء عملية التضاعف، لأنه لا يكون هناك تأثير إلا إذا حدث الخطأ في الجينات التي تعبر عن نفسها في نسيج معين، أما باقي الأخطاء في باقي الجينات (إن وجدت) فلا يكون لها أي تأثير. وهذا بدوره يقلل من فرصة تأثير الأخطاء.
خامساً: كل بروتين سواء كان تركيبي أو وظيفي هو عبارة عن سلسلة من العديد من الأحماض الأمينية. حيث تتشكل هذه السلسلة بشكل فراغي معين يحدد وظيفة البروتين و يكون هنا مواضع خاصة بنشاط هذا البروتين. و غالباً لا يحدث إختلاف في الشكل الفراغى للبروتين إلا بتغير في عدد معين من الأحماض الأمينية الموجود في مواضع محددة، أما بقية الأحماض فلا يكون لها تأثير على الوظيفة أو التركيب النهائي للبروتين. وهنا نجد أنه إذا حدثت بعض الأخطاء أثناء التضاعف وتسببت في تغيير بعض الأحماض الأمينية فلا يكون لها تأثير على وظيفة البروتين أو شكله الفراغي إلا إذا حدثت في بعض الأحماض الأمينية الأساسية التي تؤثر في الشكل الفراغي و المواضع الوظيفية لهذا البروتين. و هذا أيضاً يتسبب في خفض التأثير الذي قد يحدث من أخطاء إنزيم التضاعف.
سادساً: إن معظم الصفات في الكائنات الحية وخاصة الحيوية منها عبارة عن صفات كمية. بمعنى أن هذه الصفات يتحكم فيها عدد كبير وغير معروف من الجينات التي يكون بينها علاقات تفاعلية مختلفة مثل التفاعل الجيني وأنواع التفوق الوراثي المختلفة بالإضافة لتأثر هذه الصفات بالظروف البيئية بدرجة كبيرة. فلا يمكن القول بسهولة أن أي تغير وراثي في تتابع المادة الوراثية وإن كان صغير سيتسبب في تغيير هذه الصفات لأن كل جين له دور معين وأحياناً تشترك عدة جينات في دور واحد. وهذا يعنى أن فرصة ظهور التغيرات الناتجة من أخطاء تضاعف المادة الوراثية قليلة جداً في هذه الصفات.
والخلاصة مما سبق أنه لا يجب استخدام أخطاء إنزيم التضاعف كدلالة لإثبات نظرية التطور وكما تبين لنا لكي يحدث ذلك يجب أن يكون تكرار حدوث الاخطاء أعلى مما هو عليه و إن حدث فسيواجه آليات الاصلاح المختلفة (تصحيح القراءة – الارتباط الخاطئ – التكوينات الشاذة) و يلزم أن يكون هذا الخطأ في الأنسجة الجنسية أثناء تكوين الجاميطات على أن تشارك هذه الجاميطات (النطف) المحتوية على التغيرات في تكوين النسل القادم لضمان الاستمرارية وبقاء الطفرة في الأجيال القادمة. وأن يحدث ذلك أيضاً في الكروماتين الحقيقي و أيضاً يلزم أن يكون في المناطق التي تشفر لبروتين (الاكسونات) و يجب أن يكون لها تأثير على تغيير الحمض الأميني أثناء الترجمة و أن تتفادى التباديل الممكنة للشفرات الخاصة بكل حمض أميني، و أيضاً يجب أن تعمل على تغيير أحماض أمينية معينة التي توجد في مواضع خاصة بالبروتين و تؤثر على تغيير شكله الفراغي و أن يحدث لهذه التغيرات نفاذية و تعبير على الشكل الظاهري و أن يكون ذلك في الجينات الرئيسية التي تؤثر بشكل كبير على الصفات الكمية.
وأخيراً لو أننا قمنا بحساب كل إحتمال مما سبق على حدة و قمنا بضرب هذه الاحتمالات معاً للحصول على الاحتمال النهائي، سنجد أن هذا الاحتمال يساوي صفر، و معنى هذا أنه بالرغم من وجود بعض الأخطاء أثناء عمل إنزيم التضاعف فإن ليس لهذه الأخطاء أي تأثير على التركيب الوراثي أو الشكل الظاهري للفرد أو نسله و بالتالي لا تساهم في أي تطور.
.