بيري ريَّس الجزء الثاني
” الأدمرال الحاج احمد محي الدين بري ” المُسّتَكشف التُّركي و خريطة العالم
بشكل أساسي فإن ريس مشهور اليوم بأنه صاحب خرائط، ومنذ اكتشاف خريطتيه فقد توسعت دوائر البحث حوله في كل من الثقافة الشعبية والدوائر العلمية.
حتى الآن اكتشفت خريطتان له، وهما موجودتان بشكل جزئي، الأولى هي التي حضرت عام ١٥١٣ واكتشفت عام ١٩٢٩ في قصر طوبى کابى في اسطنبول، وهي ممهورة بتوقيع بيري ريس مع تاريخ محرم ٩١٩ هجري -آذار نيسان ١٥١٣- والموجودة الآن في المتحف هي فقط جزء من تلك الخريطة المقدمة إلى السلطان سليم الأول عام ١٥١٧ في القاهرة. والجانب الأكثر إثارة في الأمر هو وجود الأمريكيتين عليها. كما أنها أول خريطة تركية تظهر عليها أراضي العالم الجديد وإحدى أوائل الخرائط في العالم التي تظهر عليها الأمريكيتان والباقية حتى الآن.
يشار إلى أن أقدم خريطة تظهر أمريكا ولاتزال قائمة هي خريطة خوان دي لا كوسا والتي رسمها عام ١٥٠٠ وتحفظ الآن في متحف البحرية في مدريد.
خريطة عام ١٥١٣٣ والعائدة إلى بيري كان قد رسمها استنادًا إلى عشرين خريطة وإلى رسوم أقدم منها، والتي جمعها بيري. منها ما كان قد رسمه كولومبوس بنفسه، وذلك بعد أن قام عمه كمال ريس بالسيطرة على سبع سفن تابعة لكولومبوس مع طاقمها قبالة سواحل بلنسية ”فالنسيا“ في العام ١٥٠١.
والسمة الأبرز في هذه الخريطة هي الدقة العالية في موقع القارات، وخصوصًا العلاقة بين أمريكا الجنوبية وأفريقيا، وتلك الدقة كان لا يضاهيها مثيل في ذلك الوقت. وقد رسمت عدة خرائط في عقود لاحقة لنفس المنطقة لكنها لم تكن بنفس الدقة كما يمكن ملاحظة تلك الدقة في خرائط أخرى ضمن كتابه ”كتاب البحرية“، وتلك الخريطة تتركز في المنطقة القريبة من خط الاستواء وحتى مدار السرطان. كما تعد الأجزاء الباقية لتلك الخريطة هي أول خريطة لبري ريس. ويظهر فيها أجزاء من أوروبا والساحل الغربي لإفريقيا وشرق ووسط وجنوب أمريكا وجزء كبير من ساحل أمريكا الجنوبية.
إن النمط البروتولانية الذي يظهر في تلك الخريطة كان هو النمط المعروف للخرائط في ذلك الوقت فبدلًا من الشبكة المشكّلة لخطوط العرض والطول استخدمت بوصلات وردية عند النقاط المركزية، تنطلق منها خطوط السمت إلى باقي المناطق. إن الخط الواصل بين الشرق والغرب والعابر للوردة الصغيرة المتمركزة في الخريطة أعلى قليلًا من أمريكا الجنوبية هو تقريب جيد لخط الاستواء، كذلك فيما يتعلق بإفريقيا. والخط الأفقي العابر للوردة الصغيرة في أعلى الخريطة والمصطدم بشواطئ فرنسا يعد تقديرًا جيدًا للدائرة ٤٥ شمال خط الاستواء، أما الوردتان الكبيرتان فربما كانتا بمثابة مدار السرطان 23-1/2 ومدار الجدي جنوبي وشمالي خط الاستواء، أو أنه قصد بهما ربع المسافة بين خط الاستواء والدوائر القطبية 22-1/2 شمالي وجنوبي خط الاستواء. وبالنظر إلى المسافة بينهما –حوالي ٤٥ درجة- فالاحتمال الأكبر أنه قصد بهما المدارين.
أما الخريطة الثانية المرسومة في عام ١٥٢٨-15٢٩٩ والتي نجا منها حوالي سدسها؛ فتظهر الجزء الغربي من المحيط الأطلسي بما في ذلك الطرف الجنوبي من غرينلد وأمريكا الشمالية من لابرادور و نيوفاوندلاند في الشمال حتى فلوريدا، وكذلك كوبا وأجزاءً من أمريكا الوسطى. وفي الجنوب تعرض المنطقة من فنزويلا حتى نيوفاوندلاند.
العالم الألماني بول كال كان قد أجرى دراسات على دقة وشروحات خرائط بري ريس، وأشار أن بري كان رسام خرائط ممتازة وموثوق بها، ويشير كال أن معظم خرائط وبيانات كولومبوس قد تم تشويهها حتى أن مجلة سفينته المحفوظة ليست النسخة الأصلية، إنما هي منسوخة ومعدلة وعلى يد المطران لاس لاكساس تحديدًا.
كذلك وبعد فترة طويلة من كال تطرق هابغود hapgooddd إلى هذا الموضوع انطلاقًا من الخريطة المحفوظة في طوبى کابى، والتي أذهلته لذكرها وتحدثها عن حضارات متقدمة من العصر الجليدي. فقد ذكر هابغود بأن بري قد ذكر في حواشي خرائطه الرئيسية معلومات عن حضارات لم تكن معروفة. كما استخدم هابغود العديد من الخرائط الأرشيفية والتي يقول أنها تظهر شواطئ مشابهة للقارة القطبية الجنوبية في الشكل. ورأى أنه منذ ١١٦٠٠ عام كانت أجزاء من القارة قد انزاحت بمقدار ١٥ درجة، وأن جزءًا من تلك المنطقة كان خاليًا من الجليد في ذلك الوقت. وموقف هابغود هذا يبدو الآن أقرب للسخرية، ليس فقط بسبب تأكيداته المندفعة،أو أفكاره الخيالية، كذلك بسبب حديثه عن تاريخ رسم الخرائط.
أما العمل الضخم الأخير عن هذا الموضوع كان على يد العالمين هارلي و ودوارد harley, woodward ويظهر دور التفاصيل الغنية وجدارتها في الخرائط الإسلامية و علوم البحرية.
أما بالنسبة لبحث كال الأصلي؛ فقد أعرب فيه عن أسفه بسبب العثور على جزء صغير فقط من الخريطة الأصلية والتي كانت تشمل البحار السبع ( البحر الأبيض المتوسط، البحر الأحمر، بحر الهند، بحر فارس، بحر شرق إفريقيا، والمحيط الأطلسي)، ولذلك كانت خريطة واسعة بالنسبة لذلك الوقت الباكر. والبحث عن أجزاء أخرى لها لم يجد حتى الآن.
للموضوع بقية ..
إلى اللقاء إن شاء الله مع جزء آخر نستعرض فيه معا منجزات و تفاصيل أكثر عن أحد العباقرة العثمانيين في القرن السادس عشر ..
دمتم سالمين مع أطيب المنى رمضان مبارك كريم
لمن فاته الإطلاع على الجزء الأول من حياته هذا الرجل فليتفضل مشكورا بدخول هذا الرابط أسفله :
https://goo.gl/0cXJuA
المصدر :
https://www.muslimheritage.com/article/piri-reis-genius-16th-century-ottoman-cartographer-and-navigator