مع ارتفاع درجة حرارة المناخ العالمي، تذوب بعض الصفائح الجليدية والأنهار الجليدية العظيمة في القارة القطبية الجنوبية. أحد هذه الأنهار هو نهر دينمان الجليدي في شرق القارة القطبية الجنوبية، الذي تراجع خلال ما يقارب ثلاثة عقود نحو خمسة كيلومترات (ما يقارب ثلاثة أميال) وفقد أكثر من 250 مليار طن من الجليد.
في نهاية العام الماضي، كشفت الأبحاث للمرة الأولى أن نهر دينمان الجليدي يغطي أعمق وادٍ في العالم، إذ يبلغ عمقه 3500 متر تحت مستوى سطح البحر (يعادل تقريبا العمق المتوسط للمحيط وأعمق ثمان مرات من سواحل البحر الميت) مما يجعله أعمق نقطة على الأرض لا تغطيها المياه السائلة.
خريطة تفصيلية لنهر دينمان الجليدي (وهي الأكثر دقة حتى الآن) كشفت عن أساس متزعزع لهذا النهر يمكن أن يجعله ضعيفاً بشكل كبير أمام تغير المناخ.
ومن الجدير بالذكر أنه بخلاف أنهار جليدية أخرى في القارة القطبية الجنوبية، فإن دينمان سميك بشكل بارز، إضافة إلى أنه ينحدر في الاتجاه المعاكس، فيتجه بعيداً عن المحيط عوضاً عن الانحدار نحوه، وهذا مهم جداً قد يتساءل بعضهم: ألن يجعل هذا الأمر النهر الجليدي أكثر استقراراً؟ في الحقيقة لا، قد يبدو هذا غير متوقع، لكن هذه الصورة تسمح بانزلاق المزيد من مياه المحيط الدافئة والتسرب إلى أجزاء أساسية من قاعدة النهر الجليدي. ومع استمرار ارتطام المحيط القوي بحافات هذه الصفيحة الجليدية، قد يعمل المنحدر مزلاقاً، آخذاً المحيط والجليد المذاب أكثر فأكثر نحو الداخل، ولما كان خط التأريض (وهو النقطة التي يطفو فيها النهر الجليدي فوق البحر) يتراجع إلى الوراء فإنه سيلتقي حتما -كما يقول الباحثون- جليداً أكثر سماكة، مما يسمح بتدفق كميات متزايدة من المياه الذائبة إلى المحيط، وإذا استمر الخط بالتراجع وصولاً إلى حوض أورورا (قرابة 160 كيلومترا أو 100 ميل نحو الداخل) فإن الوضع قد يخرج عن السيطرة.
تقول فيرجينيا برانكاتو (Virginia Brancato)، عالمة الجيولوجيا في ناسا: “بسبب شكل الأرض تحت الجانب الغربي لنهر دينمان، فإن هناك احتمالاً لتراجع سريع ولا رجعة فيه، وهذا يعني زيادات كبيرة في مستويات البحار العالمية في المستقبل”.
كما يتوقع معدو الدراسة أنه إذا إنهار النهر الجليدي بأكمله فقد يتسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 1.5 متر (5 أقدام)، وهذا ليس بالمقدار القليل.
إذاً، على الرغم من أن غرب القارة القطبية الجنوبية يعد بشكل عام الأكثر عرضة للذوبان، فإن هذه النتائج تدعم فكرة أن شرق القارة القطبية الجنوبية قد يكون أكثر عرضة للخطر مما كنا نعتقد فيما مضى.
يقول إريك ريجنوت (Eric Rignot)، عالم النظام الأرضي في جامعة كاليفورنيا-إرفاين: “إن الجليد في غرب القارة القطبية الجنوبية يذوب بشكل أسرع في السنوات الأخيرة، لكن الحجم الهائل للنهر الجليدي دينمان يعني أن تأثيره المحتمل على ارتفاع مستوى سطح البحر على المدى الطويل لا يقل أهمية”.
باستخدام الأقمار الصناعية من وكالة الفضاء الإيطالية بين العامين (1996 و2018)، اكتشف عدم تناسق واضح في خط تأريض النهر، وبمقارنة الجانب الشرقي للنهر الجليدي يظهر أن الجانب الغربي أضعف بكثير وقابل للذوبان السريع مقارنةً بالشرقي.
وهكذا يبدو أننا نفقد الكثير من الجليد ولم ندرك هذا الأمر إلا الآن!!!
نُشرت الدراسة في رسائل البحوث الجيوفيزيائية.
المصدر :
https://www.sciencealert.com/this-glacier-in-antarctica-has-retreated-with-astonishing-speed-threatening-collapse