يرجى الضغط على الرابط التالي للاستماع للمقال :
يَحتلُّ تسخيرُ جمالِ المرأةِ في الإعلانِ مكانةً مهمةً في التأثيرِ النفسيِّ على المشاهدين، ويُلاحظُ أنَّ المعلنينَ عادةً ما يَسعونَ إلى تكوينِ صورةٍ ذهنيةٍ للمنتجِ ملتصقةً بصورِ الإغراء، ولا شكَّ أنَّ هذا النموذج، يُقدِّمُ المرأةَ كمخلوقٍ مجردٍ مِنْ عواطفهِ وقدراتهِ العقلية، فَلقدْ أصبَحنَا مُؤخرًا نَشهدُ استعمالاً مرناً ومتحرراً للجسدِ الكاشفِ وسلعنةِ للجسدِ الأنثوي! فقد وجدَ مُهندسو الإشهار بالمرأةِ أنَّها أداةٌ مناسبةُ يَستندونَ عليها لترويجِ منتوجاتِهم وسِلَعهم وأفكارهم.
وتقومُ الإعلاناتُ على تقديمِ نموذجِ المرأةِ الغربيةِ كقدوةٍ في مظهرِها ونموذجٍ يُحتذى به، وخاصةً عندما تَظهَرُ في الإعلاناتِ نجماتُ هوليوود أو عارضاتُ الأزياءِ أو حتَّى المطربات… للإعلانِ عن منتجٍ ما بلباسٍ يَمَسُّ صميمَ الحياءِ والحشمةِ في الحركاتِ والإيماءات.
أُجرِيَت دراسةٌ بعنوانِ (عرضُ المرأةِ في الإعلان) (Nagi, 2014) تَمّت على عينةٍ مؤلفةٍ من 300 (ثلاثمئةِ) مستجيبٍ في (Amritsar) في الهند، وأظهرت النتائجُ ضَعفاً في المستوى الأخلاقيِّ عِندَ تصويرِ النساءِ من قِبلِ وسائلِ الإعلان، وتُشيرُ النتائجُ إلى أنَّ الهدفَ هو الحصولُ على مزيدٍ من الاهتمامِ من المشاهدين عن طريقِ فتياتِ الإعلاناتِ اللواتي يَكُنَّ متكاملاتِ عناصرِ الجمالِ (بعد جلوسِهنَّ لساعاتٍ متواصلةٍ في غرفِ التجميل).
تَناولَت دراسةٌ بعنوان (عُريِّ نماذجَ من الإناثِ والذكورِ في الإعلاناتِ التلفزيونيةِ المعروضةِ في ساعاتِ المشاهدةِ القُصوى ضِمنَ سبعةِ بُلدان) (Nelson & Jin Paek, 2008) موضوعُ العُري من خلالِ فحصِ الإعلاناتِ التِلفزيونيةِ في (البرازيل وكندا والصين وألمانيا وكوريا الجنوبية وتايلاند والولايات المتحدة)، وقد أظهرَتِ النتائج أنَّ مُستوى العُرِي اِختلفَ بشكلٍ كبيرٍ عبرَ البلدان، حيثُ أظهرتِ الإعلاناتُ التجاريةُ الأمريكيةُ والصينية أدنى مُستوى من التَّعرِّي، بينما أظهرتِ الإعلاناتُ الألمانيةُ والتايلانديةُ المستوى الأعلى، بالإضافةِ إلى تصويرِ الإناثِ في حالاتِ العُري بنسبةٍ أكبرَ منَ الذكور، وتُؤكِّد العديدُ من الدراساتِ على ذلك، ومنها دراسةٌ أُجريت من قبلِ (Emory University Health Sciences Center, 2004)، وقد أكَّدتْ على أنَّ الذكورَ يَنجذبونَ إلى المؤثراتِ الجنسيةِ البصريةِ أكثرَ من الإناثِ وهذا يُفسّرُ زيادةَ عددِ حالاتِ ظهورِ الإناثِ عن الذكورِ في الإعلاناتِ ذاتِ العُري.
أظهرتْ نتائجُ دراسةِ (Nagi, 2014) عدمَ مُمانعةِ هؤلاءِ النساءِ التَّعري، حيثُ يُعتبرُ السَّعيُّ وراء الشهرةِ مِن أهمِّ دوافعَ امتهانِ المرأةِ للإعلانِ ويُشكلُّ الإعلانُ أولَ خطوةٍ في مشوار الألفَ ميل بالنسبةِ لِمن تَسعَينَ خلفَ الشُّهرة، ويُضافُ إلى ذلكَ عاملَ فترةِ المراهقةِ وجَهلَ الفتاةِ بفلسفةِ الحياةِ وقلةِ اطِّلاعها على القضايا الفكريةِ والثقافية، وسطحية ِمُستواها مِن النّواحي العلميةِ الأخرى، مع امتيازِها بدرجةٍ كبيرةٍ من الفضولِ العلميِّ وحُبِّ التجريب، مِمَّا يَجعلها لُقمةً سائغة.
(اليزابيث جاكستادت) الفتاةُ الألمانيةُ التي كانت تَظهرُ في الإعلاناتِ منذُ كان عُمرُها 15 (خمسةَ عشرَ) عامًا، والتي تحدثَت عن طريقةِ مُعاملةِ صُنَّاعِ الإعلاناتِ وأسلوبِ التعامُلِ معها، حيثُ تمَّ إِخبارَها أنَّهم لم يعودوا يَملكونَ الرغبةَ للتعامُلِ مَعها نظراً لازديادِ وزنِها بعضَ الشيء وهو ما جَعلها تَشعرُ بالخجلِ الشديدِ لتَحدُّثِهم عن جسدِها بهذهِ الطريقةِ وتقولُ مستهجنةً “أنا إنسان ولست سلعة”! وتستكملُ بعد ذلكَ حديثَها لتقول…. “أشعرُ بهذا الشعورِ في كل الإعلانات، فالجنسُ يُحقِّقُ المبيعات، ويتمُّ اِستخدامُ الجنسِ لترويجِ البضائعِ ولا أريدُ أنْ أُستخدمَ كأداة، خاصَّةً وأنِّي كنتُ أشعرُ بِأعيُنِ الرجالِ تأكلُ جسدي”.
وكمثالٍ عن عالَمِنا العربي بدأت (س خ) بالتصويرِ لصالحِ إحدى وكالاتِ العرضِ وهي في ال 17 (السابعةِ عشرَ) من عُمرِها، في بدايةِ اِلتحاقِها بالجامعة، وعن تجرِبَتها تقول: “اِختارني مجالُ الإعلانِ ولم أَختره، فلقد حصلتُ على لقبِ Miss Photogenic في مسابقاتِ الجمالِ في كُليّتي، وبعدَها اِنهالت عليَّ العروضُ للعملِ في حملاتٍ إعلانيةٍ مختلفةٍ بما في ذلك تسويقُ منتجاتِ تجميلٍ وعنايةٍ بالشعرِ وسبقَ أن ظَهرت صُورتِي على غلافِ مَجلاتٍ معروفةٍ في لُبنان”.
وتُضيفُ (س خ) “كانَ هذا العملُ مُمتعاً بفضلِ ما يُؤمّنَه من مواردَ إضافيةٍ لفتاةٍ في سنّي دون الالتزامِ بشركةٍ معينة، إذ كُنت أقبلُ عروضًا وأرفضُ أخرى”.
لكنَّها تُبيّنُ أنّها ترفضُ العملَ أو السّماحَ بتصويرِها ضِمنَ مشاهدَ عاريةٍ لتسويقِ أيّ مُنتجٍ أو خِدمة، وتُضيفُ في هذا الإطارِ قائلةً: “لم أقبل عروضاً كثيرةً مِنها الظهورُ عاريةً في دعاياتٍ لأحدِ مُصممي المجوهراتِ المعروفين، الذي أراد أن يُصوِّرَ اِمرأةً عاريةً ترتدي الحُلّي والمجوهراتِ فقط، وهذا أعتبرهُ بمثابةِ بيعٍ للجسد وليس شيءٌ آخرَ!”.
يرى (Acevedo & others, 2006) في دراسةٍ بعنوان (كيف يتمُّ تصويرُ النِساءِ في الإعلانات؟ دراسةُ تحليلِ مُحتوى الإعلاناتِ البرازيلية) أنّ هناك العديدُ من الصّورِ النمطيةِ المستخدمةِ للنساءِ وتُستخدمُ هذهِ الصورُ غالباً في إمتاعِ الرجل.
وتتعدَّدُ النماذجُ التي يتمُّ تصويرُ المرأةِ من خلالِها في الإعلاناتِ مثلَ نموذجِ المرأةِ الجسد: حيثُ يتمُّ ربطُ المرأةِ بدلالاتِ الجنسِ والإغراء، وقد لُوحِظَ اِزديادُ كمِّ الإعلاناتِ في الآونةِ الأخيرة التي تتناولُ هذا النموذج، وخاصّةً إعلاناتُ السياراتِ العاديةِ الرياضية، الموادُ الصحيةُ الخاصّةُ بالرجال، والأدواتُ الرياضية، وغيرَها…! وكذلكَ نموذجُ المرأةُ كشيء: من خلالِ ربطِ صورةِ المرأة بصورةِ المُنتَجِ أو الخِدمة، فإنَّما تسعى إلى النّظرِ للمرأةِ على أنَّها مجردُ (شيء) يتمُّ تجريدُهُ ليس فقط من إنسانيَّتهِ من خلالِ التركيزِ عليها كأنثى، وإنّما من خلالِ حرمانِها من أيَّةِ سُلطةٍ يُعتدُّ بِها، وهي بهذا تغدو كالسِّلعةِ التي يتمُّ الترويجُ لها. ونموذجُ المرأةُ السطحية: حيثُ تُقدِّمُ الإعلاناتُ نموذجَ المرأةِ التي لا همَّ لها إلا الموضةُ والأزياءُ وموادُ التجميلِ وتَفتقرُ للطاقات العقلية والفكرية المتطورة التي تَحُولُ دونَ مُشاركتِها الجادةِ في الحياةِ العامة.
ذكرَ (Nagi, 2014) أنَّ هناكَ حاجةً لأنْ تَتّخذَ النساءُ موقفًا جريئاً تجاهَ عرضِهنَّ بشكلٍ مهين، ويُشيرُ إلى أنَّ تصويرَ المرأةِ بهذا الشكلِ يَحِلُّ مَحلَّ صورةِ العلامةِ التجارية التي تحمِلُها بينما تُستخدمُ النماذجُ النسائيةُ سِحرَها الجسدي لكسبِ المزيدِ من المالِ أو من أجلِ الشهرة.
كان هناكَ إجماعاً واضحاً من المستجيبين فيما يتعلقُ بنقصِ المستوى الأخلاقي في تصويرِ النساءِ في الإعلانات، حيثُ أنَّ من أهمِ التأثيراتِ السلّبيةِ لهذه الإعلاناتِ التي تُظهرُ المرأةُ على هذه الأشكال:
تكوين قدوةٍ سيئةٍ للمراهقات: تنبعثُ من الإعلاناتِ بعضُ الإشارات التي لها العديدُ من التبعاتِ السلبية لِكونِها تُقدمُ نماذجَ يُحتذى بها للجمهورِ من الشاباتِ المراهقات اللواتي يَتقمَّصنَ حركاتِها وأشكالها ولباسها وطُرُقَ حديثِها، فعندما تُقدم وسائلُ الإعلامِ المرأةَ بهذا الشكلِ فإنّها تُسهمُ في ترسيخِ مفاهيمَ وممارساتٍ في أوساطِ الفتياتِ تؤكدُ على الرؤيةِ الذاتيةِ غير السَّوية، فالفتاةُ التي تنشأُ لترى في نفسها جسدًا لإغراءِ الآخرينَ وجذبِهم وشدِّ انتباهِهم ستغدو أداةَ هدمٍ وليسَ بناءٍ في المجتمع. وكذلك طمسُ المضامينِ والاهتمامِ بالقشور: لقد أصبحت الإعلاناتُ وسيلةً سهلةً لتحويلِ الفكرِ العام عنِ الموضوعاتِ الجوهرية على مُستوى الأممِ إلى التفكيرِ بموضوعاتٍ تافهةٍ سطحيةٍ وتنويمها، حيثُ أنَّ مخاطرَ الإعلاناتِ هنا تتمثلُ في كونِها تُحوِّلُ نَظَرَ المرأةِ -وغيرَ المرأة– عن مسؤوليتِها الحقيقية، فعلى المرأةِ مسؤولةٌ اِتجاهَ نفسِها وأُسرَتِها وكذلكَ مجتمعها.
بعدَ الجدلِ الكبيرِ حولَ استغلالِ أنماطٍ جنسيةٍ في الإعلاناتِ أطلقَت بعضُ الجهاتِ بعضَ الحملاتِ ومنها مثلاً حملاتُ كبارِ المعلنين الفرنسيين وهيئةُ مراقبةِ البثِّ في البلاِد التي أطلقت خطةً عامةً لمكافحةِ القوالبِ النمطيةِ الجنسيةِ بالإعلانات، من نساءٍ نصفَ عارياتٍ يبعنَ مكانسَ إلى ألعابِ الفيديو العنيفة التي يتمُّ تسويقُها للصبية، وقد قالَ ستيفان مارتن للأسوشيتد برس عن هذه الحملة “العُري ممكن أن يكونَ مقبولًا”! في الإعلان عن أحواِض الاستحمامِ وكريماتِ الجسمِ على سبيل المثال “ولكن ليس في بيعِ سيارة”.
أخيرًا مع غلبةِ القيمِ الاجتماعية والثقافية المحلية وظهورٍ واضحٍ للقيم الغربية في الإعلان الدولي الغربي وغيرِه الذي أصبح ينتشرُ في مجتمعاتنا، أصبحنا نرى الكثيرَ من التأثيراتِ السلبية على الكثيرِ من هذه المجتمعات، مما يدفعُ للانصرافِ إلى توجهاتٍ غيرَ مرغوبةٍ إضافةً إلى تفشي الانحلالِ الأخلاقي وتصرفاتٍ غريبةٍ يقومُ بها البعض، فما كان مرفوضًا بالأمس، أصبح يُنادى بوجوده وتعميمه.
أمّا أنتَ صديقي القارئ… ما رأيُكَ حولَ الموضوع؟