يعدُّ الزئبق أحد المعادن الثقيلة التي تتواجد بصورة طبيعية في القشرة الأرضية، وينطلق إلى البيئة من خلال النشاط البركاني وتعرّي الصخور، وكذلك نتيجة النشاط البشري، حيث يعتبر النشاط البشري هو السبب الرئيسي لانبعاث الزئبق في البيئة، خصوصًا بسبب المحطات الكهربائية التي تعمل على الوقود الحجري. كما يدخل الزئبق في الصناعة بكثرة فقد يدخل في البطاريات وبعض الأدوات الطبية مثل أجهزة قياس الحرارة وضغط الدم، وكذلك يتم استخدامه كحشوة أسنان دائمة (سنتحدث عن هذا في منشورٍ منفصل، لا تقلق)، وبعض الأجهزة الكهربائية والأدوية.
يوجد الزئبق في الطبيعة بأشكال متعددة، ولهذا أهميته في موضوع التسمم به:
– الشكل العنصري أو المعدني.
– الشكل غير العضوي: وهو الشكل الذي يتعرض الناس له في إطار العمل وحالات التعرض المهني للزئبق.
– الشكل العضوي: ومثال ذلك ميثيل الزئبق، الذي قد يتعرّض له الناس عن طريق الطعام.
وهذه الأنواع من الزئبق تختلف في درجة سميِّتها وتأثيرها على الجهاز العصبي، والهضمي، والمناعي، وكذلك على الرئتين والكلى والعيون. عندما يتواجد الزئبق في البيئة، يمكن للجراثيم أن تحوله إلى ميثيل الزئبق، والذي بدوره يتراكم في الكائنات الحية (السمك والمحار).
إليك القصة: بين عامي 1932 و1968م في اليابان وبالتحديد على شاطئ مدينة تدعى ميناماتا minamata، قام معمل لصنع حمض الخل بطرح مخلفاته السائلة في مياه خليج ميناماتا، وكانت هذه المخلفات تحتوي على تراكيز عالية من ميثيل الزئبق، وهذا النوع من الزئبق يتراكم في الأسماك والمحار. وعلى مرِّ السنين كان أغلب أهل المدينة يعتمدون على المأكولات البحرية والأسماك في غذائهم غير مدركين حقيقة أن هذه الأسماك تحتوي على نسب عالية من الزئبق، فبدأت تظهر عليهم أعراض مَرَضية بلغت ذروتها عام 1950م مسببة حالات شديدة من أذيات الدماغ والشلل، والهذيان، وظلَّ الأطباء لفترة طويلة لا يعلمون السبب في ظهور هذه الأعراض، إلى أن عرفوا أن الأسماك ملوّثة بنسبة عالية من مركب ميثل الزئبق العضوي methylmercury. وإلى يومنا هذا أصبحت تُعرف أعراض التسمم بالزئبق أو مركباته بمرض ميناماتا على اسم المدينة minamata disease.
كما يتضح من القصة: تكمن سميِّة الزئبق في تأثيره على الجهاز العصبي للإنسان، وكذلك له تأثيرات سلبية على معظم أجهزة الجسم وأعضائه، فهو يؤذي الجهاز المناعي والكلى والرئة والجهاز الهضمي، لذلك يمكن أن تظهر كل الأعراض التي لها علاقة بهذه الأجهزة مثل الرجفان والنسيان، واضطراب بالاستيعاب والإدراك، والأرق والصداع، وكذلك تخريش الجلد والعيون والجهاز الهضمي ويمكن أن تسبب سمية كلوية تصل لحد القصور الكلوي.
تختلف طريقة التسمم به حسب نوعه، إن كان عضويًا أو بصورته الخام:
1- الزئبق الخام: إن سمية هذا الزئبق تحدث عند تبخره واستنشاقه عن طريق النفس، فعندما يكون الهواء ملوثًا به قد يحدث تسمم، وأكثر من يتعرض لهذا النوع من التسمم هم العاملون في القطاعات الصناعية التي تعتمد على الزئبق في صناعتها مثل تعدين الذهب باستخدام الزئبق.
كذلك يمكن أن يحدث هذا التسمم بسبب الحوادث مثل تحطم أجهزة قياس الحرارة الزئبقية وعدم إزالته بصورة كاملة أو تركه، فذلك قد يؤدي إلى تبخره وتعريض الأطفال لخطر التسمم به، ومن الجيد أنه اليوم يجري الاستغناء عن هذه الأجهزة واستخدام الأجهزة الإلكترونية بدلًا منها، وبالرغم من أن الأسواق تقريبًا تخلو منها إلا أن البعض قد يُصرُّ على النوع الزئبقي لجهاز قياس الحرارة.
وأخيرًا، حشوات الأسنان وأطباء الأسنان.
سنفرد مقالًا لهذا، لكن نقول لك الآن: لا تقلق!
.
2- الزئبق العضوي، وهنا أكثر ما نتحدث عن المأكولات البحرية والأسماك ومعلبات السردين والتونا، لأنها تتمتع بخاصية تمكنها من تخزين مركبات الزئبق العضوية في أجسامها كما ذكرنا، وكلما زاد عُمْرُ السمكة زادَ تخزينها للزئبق.
لذلك تناول الأسماك التي تكون ملوثة بمركبات الزئبق قد يؤدي إلى التسمم، ولكن تختلف نسبة التلوث بالزئبق من منطقة لمنطقة وكذلك حسب نوعه وعمره فليست كل الأسماك ملوثة لدرجة تهدد الصحة وخصوصًا في ظلَّ الرقابة عليه وعلى صيده، لذلك نحن لا نقول بعدم تناول الأسماك، ولكن على الأقل الانتظام في تناولها وخصوصًا المعلّبات منها وندعو لمعرفة مصدرها جيدًا.
وفي النهاية ننصح أيضًا بعدم الإصرار على الصيدلي بجهاز قياس الحرارة الزئبقي فهو ليس أكثر دقة من الإلكتروني.
وكذلك عند تبديل بطارية ساعتك لا تطلب البطارية القديمة لكي تحتفظ بها، فلا فائدة من الاحتفاظ بها سوى تعريض الأطفال لخطر ابتلاعها!
دمتم بصحة وعافية!