للتطوريين ترسانة من الأمثلة لحدوث التطور أمامنا (في الطبيعة أو المختبر) يستخدمونها كلما ناقشوا معارضاً لهذه النظرية.
سأعطيكم أهم الفئات التي تقع تحتها الأغلبية الساحقة لأمثلتهم (إن لم تكن كلها).
1 – التكيّفات:
التكيفات هي التغيرات المبرمجة في الكائنات الحية و التي تُفَعٌَلْ حسب الأوساط التي يوجد فيها الكائن. آليات التكيف لا تزال غير معروفة بالكامل, لكن إحدى أهم هذه الآليات هي الوراثة فوق الجينية حيث يتم توريث تغيرات فوق جينية (تغيرات لا تمس تسلسل النيكليوتيدات في الجينوم) إلى الأجيال!!! هذا مجال بحثي واسع و حديث جدا وسميت هذه الفترة التي شهدت انفجاراً في الأبحاث في هذا المجال ب”الثورة فوق جينية” Epigenetics revolution” (1)”.
2 – التطور الصُّغروي:
التطور الصُّغروي أُعَرِّفه كما يلي :
كل التغيرات الطفيفة النافعة (أي التي تزيد من صلاحية الكائن في وسطه) و التي تطرأ علي كائن حي وليست ناتجة عن برمجة مسبقة في هذا الكائن.
التطور الصغروي أقسمه لثلاثة أنواع, بالاعتماد علي تقسيم أنواع الطفرات المفيدة لبروفيسور الكيمياء الحيوية مايكل بيهي (2) :
2 – 1 – تطور صغروي ناتج عن هدم للعناصر المشفرة :
في هذه الفئة التطور (أو الأنسب تسميته تدهور) يكون عبر هدم عناصر مشفرة في الجينوم (جينات, مواقع تثبت في البروتينات, Promoters, Inhencers..الخ) و هذا الهدم يكون نافعا لحامله.
قد يبدو الأمر غريبا كيف للهدم إن يكون نافعا؟!!
اعطيكم مثلا من مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
بعض آليات المقاومة مبنية على هدم (حذف) لجينات تشفير البروتينات التي تعمل كبوابات تسمح بدخول بعض المضادات الحيوية للخلية البكتيرية مما يجعلها تصبح مقاومة لها (4). على الرغم من أنها طفرة هادمة إلا أن الهدم نافع في هذه الحالة الطارئة.
2 – 2 – تطور صغروي ناتج عن تغير وظيفة العناصر المشفرة:
هذه الفئة تتكون من تغيرات طفيفة جدا تطرأ على العناصر المشفرة الموجودة, فتجعلها تقوم بوظيفة “جديدة” مشابهة جدا للوظيفة التي تطورت منها.
دائما نضرب أمثلة من المقاومة البكتيرية, هناك أنزيم مسمى “بيتالاكتماز” في بعض البكتيريا وهو أنزيم يهدم المضادات الحيوية المنتمية لعائلة البينيسلين.
عندما يتم إستعمال مضادات حيوية تنتمي لنفس عائلة البنيسيلين (تسمى بيتالاكتامين) يمكن للطفرات العشوائية (طفرة واحدة أو إثنتين) تغير “وظيفة” هذا الأنزيم فيصبح قادرا على هدم هذه المضادات الحيوية الجديدة و يصبح إسم الإنزيم “بيتالاكتماز ذات طيف واسع” (Broad spectrum Betalactamase). (3)
يجدر الذكر أن هذه المضادات الحيوية متشابهة جدا, و أن الإنزيم يقوم بنفس العملية الكيميائية تماما.
2 – 3 – تطور صغروي ناتج عن بناء عناصر مشفرة:
هذه الفئة تتكون من تغيرات تنتج عنصر مشفر جديد, هذه الفئة نادرة جدا إن لم أقل غير موجودة.
كل الأمثلة الموجودة تحت هذه الفئة (أمثلة قليلة جدا) عبارة عن ظهور لعناصر بسيطة جدا (لم يتم مشاهدت ظهور جينات جديد في المختبر بدون تدخل “ذكي” من العلماء أبدا).
مثال على هذه الطفرات البسيطة جدا هو طفرة مقاومة الملاريا (2), هذه الطفرة تصيب جين الهيموجلوبين (تغير حمض أميني واحد فقط) تجعل جزيئات الهيموغلوبين تلتصق مع بعض (تشكل مكان تثبيت بروتينات جديد) و تُشكل سلاسل طويلة جدا داخل كرية الدم الحمراء.
هذا يجعل طفيلي الملاريا غير قادر علي العيش داخل خلايا الدم الحمراء (يتكاثر داخلها). لكن هذا التغير أيضا يجعل حامله عرضة لظهور أعراض مرض خطير جدا و مميت يسمى “فقر الدم المنجلي” في حالة ما كان يحمل جين واحد فقط متطفر من أبويه. في حال ما ورث جينين من أبويه يحملان الطفرة, المرض يظهر فيه حتما و ينتج عنه الموت في سن مبكرة في أغلب الأحيان إن لم يتم علاجه.
الخلاصة:
كل الأمثلة التي تنتمي إلي هذه الفئات لا تمثل التغير النوعي المنشود و الذي يبرهن أن التطور قادر على بناء الحياة. التغيرات التي يجب أن نشاهدها يجب ان تتصف علي الأقل بالخصائص التالية:
– التغير يجب أن يكون مفيد وذا منفعة لحامله دون إلحاق أضرار جسيمة به (أي المنفعة تكون عامة و ليست نسبية خاصة لموقف معين).
– التغير يجب أن يكون بناءا, أي يضيف شي جديد لم يكن موجودا من قبل وليس هدم ما كان موجودا من أجل ربح سريع.
– التغير يجب أن يكون معقدا (كما هي معظم مكونات الحياة) و ليس بسيطا جدا, فالتطور يحاول شرح الحياة كما هي (أي كما نراها في الواقع) وليس كما يمكنه أن ينتجها (إن إستطاع أصلا).
أي مثال يفشل في تلبية هذه الخصائص الثلاثة (على الأقل) لا يصلح لأن يكون مثالا يقاس عليه لإثبات حدوث تطور كبروي!!
التطور يحتاج مئات الآلاف وربما ملايين من التغيرات التي يجب أن تلبي كل هذه الخصائص ليكون صحيحا!
الى حد اليوم لم نشاهد ولا واحدة!!
بقلم : محمد الأمين طالي معمر.
المراجع :
(1)
(2)
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/m/pubmed/21243963/
(3)
https://www.clinicalmicrobiologyandinfection.com/article/S1198-743X(14)60472-9/fulltext
(4)
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3485749/