في الأول من هذا الشهر، نُشر في دوريتي Nature وScience ثلاث ورقات علمية، تعزف كلها معاً معزوفة يمكن أن نسميها “حين ينكشف بؤس التلفيق”!.
توثق الدراسات الثلاث ذلك التضارب الذي لا ينتهي في تطور الإنسان المزعوم، وتلك الحلقات “الوسيطة” المفترضة التي لا يلبث أن ينكشف أنها لا أسلاف ولا غيره، حتى أن موقع Science Alert العلمي عنون خبر إحدى الدراسات بعنوان (تغيير قصة أسلاف الإنسان.. مرة أخرى!)
توثق الدراسة الأولى [1] اختلاف عمر إحدى الحفريات التي افترضوا من قبل أنها سلف للإنسان المعاصر، والتي عُثر عليها في زامبيا واصطلحوا على تسميتها إنسان هايدلبيرغ Homo heidelbergensis.
توثق الدراسة أن عمر هذه الحفرية أقل كثيراً مما كان يُعتقد، وأن عمرها ليس 500-600 ألف عام كما كان يعتقد، بل في حدود 300 ألف عام.. وتوثق الدراسة أيضاً أن كل الأشكال التي زعموا أنها “أسلاف للبشر” قد وُجدت جميعاً في وقت واحد!
تقول الدراسة: “تشير النتيجة إلى أن إفريقيا في الحقبة البليستوسينية الوسطى قد احتوت على العديد من الأنساب البشرية المتعاصرة، مثل: الإنسان المعاصر، وإنسان هايدلبيرغ، وإنسان ناليدي.. على غرار تلك الأنساب المتعاصرة أيضاً في أوراسيا من النياندرتال والدينيسوفان، وإنسان فلوريس، وإنسان كالاو، وحتى الإنسان المنتصب (هومو إيريكتس)”.
“The result suggests that later Middle Pleistocene Africa contained multiple contemporaneous hominin lineages (that is, Homo sapiens8,9, H. heidelbergensis/H. rhodesiensis and Homo naledi10,11), similar to Eurasia, where Homo neanderthalensis, the Denisovans, Homo floresiensis, Homo luzonensis and perhaps also Homo heidelbergensis and Homo erectus12 were found contemporaneously.”
تؤكد هذه الدراسة ما ذكر في الواقع منذ عام 2000 في مؤتمر سينكنبرج والتي وثقت مناقشتها في مجلة American Scientist [2] حيث ذكرت: “إن أغلب المشاركين فى مؤتمر سينكنبرج انخرطوا فى مناظرة حامية حول الوضع التصنيفى للهومو إيريكتس، فلقد انتصروا بضراوة لفكرة أن الهومو إيريكتس ليس له أية صلاحية فى أن يكون نوعاً مستقلاً ولابد أن يمحى كليةً. فالأعضاء المنتمية للجنس البشرى منذ مليوني عام وحتى الآن هى نوع واحد متنوع لدرجة عالية وواسع الانتشار ألا وهو (الهومو سابينز) بلا أية أقسام فرعية. ولذلك فموضوع المؤتمر وهو الهومو إيريكتس، لم يكن موجوداً يوماً من الأيام”.
وأما الدراسة الثانية (أيضاً من Nature)، فهي دراسة جزيئية توثق فحص مجموعة من البروتينات القديمة المستخرجة من إحدى حفريات الإنسان “السلف” أو Homo antecessor والتي يرجع عمرها إلى 800 ألف عام [3]. توثق الدراسة أيضاً أن تحليل DNA يُظهر أن التحليل الجزيئي من أسنان هذه الحفرية شديد الشبه بالإنسان المعاصر الحالي والنياندرتال والدينيسوفان، وأن تركيب الوجه لها مشابه أيضاً للإنسان المعاصر.
” We provide evidence that H. antecessor is a close sister lineage to subsequent Middle and Late Pleistocene hominins, including modern humans, Neanderthals and Denisovans. This placement implies that the modern-like face of H. antecessor—that is, similar to that of modern humans—may have a considerably deep ancestry in the genus Homo”
مرة أخرى، تثبت لنا النتائج الحقيقية للدراسات أن كل الأنواع التي يتم تسميتها Homo هي في الواقع نوع واحد متنوع ذو (أعراق) مختلفة من البشر، وأن هذه الحفريات السابقة ليست أشكالاً وسيطةً ولا أنواعاً مختلفة، وأن الفجوة بين هذه الأعراق كلها بداية من الإنسان المنتصب Homo Erectus وبين القردة العليا واضحة وبعيدة!
أما الدراسة الثالثة المنشورة في اليوم نفسه، فهي حجر آخر يسقط من بناء الحكاية المتهالكة أصلاً، نشرت هذه الدراسة في إحدى دوريات Science الشهيرة [4] عن أحد الأسلاف المزعومين للبشر وهي الشهيرة لوسي، وحفريات أخرى من نوع القردة الجنوبية نفسه. إذ قام الباحثون بفحص مجموعات من هذه الجماجم فوجدوا أنّ التنظيم الدماغي- شكل الدماغ وتعقيده- مماثل للقردة “Ape-like brain organization”، وأن وتيرة النمو الدماغي عندها بطيئة “Prolonged brain growth”، أما وتيرة نمو دماغ الإنسان فسريعة “High growth rates”، وحتى طريقة تكلّس الأسنان ونموها مماثل للشمبانزي:
“Internal accentuated lines in the first molar were matched to the canine, yielding an age of 2.4 years, which is markedly younger than human calcification standards but similar to chimpanzees”
تحاول الدراسة كما تقول أن تجيب عن سؤالين مهمين، وهما:
– هل هناك دليل على وجود إعادة تنظيم لنمو الدماغ في القردة الجنوبية ليشبه الإنسان؟
– وهل كان نمط نمو الدماغ في القردة الجنوبية أكثر تشابهًا مع الشمبانزي أم الإنسان؟
يخلص الباحثون في الدراسة إلى أنّ الادعاء السابق بأنّ دماغ لوسي انتقالي بشكل ما بين أدمغة القرود والبشر هو ادعاء خاطئ، وأن دماغها شبيه بدماغ القردة وليس فيه صفات تتجه نحو الصفات البشرية:
“Contrary to previous claims, sulcal imprints reveal an ape-like brain organization and no features derived toward humans”
فضلاً عن الدراسات السابقة والتي تخبرنا أن لوسي قردة متسلقة ويرجح أنها ماتت إثر سقوطها من على شجرة [5].
وهكذا فإن كل الأدلة الملموسة تشير إلى أنّ لوسي مجرد قردة عاشت قبل 3 ملايين سنة، وليست شبه إنسان انتقالياً كما تصوره الرسومات الخيالية في الوثائقيات والصحف شبه العلمية!
وهكذا تستمر الافتراضات التطورية في السقوط، واحدة تلو الأخرى، من دون أي دليل على حدوث هذا التطور المزعوم غير الإصرار على أنه قد حصل تطور فقط، وعلى الرغم من أن البيانات بين أيدينا تشير باستمرار إلى تعاصر الأعراق المختلفة التي يزعم التطوريون أنها أسلاف بعضها لبعض، وبالرغم من استمرار وجود الفجوة الواضحة بين صفات القردة العليا وبين البشر.