تطور علم الجغرافيا عند المسلمين وكروية الأرض – الجزء الثاني
والآن نكمل لمحتنا حول علم الجغرافيا عند المسلمين مبتدئين بـعلماء المسلمين الذين برعوا في علم الجغرافيا فنذكر منهم:
1- محمد بن موسى الخوارزمي , ت 232هـ: لمع في العلوم الرياضية والفلكية والجغرافية، قام بتلخيص كتاب المجسطي , لبطليموس، وسماه السند هند، كما ألف كتابه الشهير، رسم الربع المغمور، المعروف بـصورة الأرض : تحدث فيه عن الجبال والمدن والطرق في العالم. وله كتاب مهم في تاريخ البلدان سماه التاريخ .
2- أبو الوليد الأزرقي المكي, ت 250هـ : ألف كتابه أخبار مكة ، قدم فيه عرضا جغرافيا وتاريخيا لمكة ؛ لكي يستخدمه الناس كدليل جغرافي للتعرف على معالم مكة والمدن المجاورة لها والطرق المؤدية لها.
3- أبو يوسف يعقوب الكندي , ت 256هـ : صاحب المؤلفات العديدة في الجغرافيا منها : رسم المغمور من الأرض، ورسالة في أبعاد مسافات الأقاليم، رسالة في المساكن , رسالة في معرفة أبعاد الجبال، رسالة في استخراج مركز القمر من الأرض ، وغيرها.
4- أبو العباس المروزي, ت 340هـ : صنف كتابا نادرا سماه المسالك والممالك ، كان مرجعا هاما استمد منه العلماء معلوماتهم الجغرافية.
5- ابن بطوطة, ت 779هـ : شيخ الرحالة زار الكثير من البلدان في رحلته المشهورة, ووصف فيها بلدانا وقدم حقائق جغرافية جمعت في كتاب رحلة ابن بطوطة.
وعلماء آخرين برعوا وقدموا الكثير في الجغرافيا من بينهم البلاذري وابن خرداذبه, اليعقوبي, ابن رستة, الحسن الوزان الملقب بليون افريقيا، ابن ماجد, ابن خلدون, العمري, الدمشقي, الإدريسي, الحموي، المسعودي، ابن حوقل، الإصطخري, الرازي ، وابن الحائك وغيرهم خلق كثير.
إن ابداعات علماء المسلمين التي أنجزوها كثيرة ، مستفيدين مما ذكرنا، وأهمها إثبات كروية الأرض… نعم كما قلنا، كيف لا, وفي كتاب الله ما يدل على ذلك، في الوقت الذي كانت فيه الكنيسة ترفض أن تكون الأرض كروية وأنها مسطحة، قام المسلمون بإحياء نظرية كروية الأرض وأثبتوها، ومن أهم أسباب ذلك ما جاء في كتاب الله من الآيات صريحا بكرويتها مثل قوله تعالى : « خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ ۖ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ » ( الزمر:5 ) ومن العلماء المسلمين الذين أثبتوا كروية الأرض نذكر منهم :
1- أبو القاسم ابن خرداذبه , ت 272 هـ ، في كتابه المسالك والممالك قال: ” إن الأرض مدورة كدوران الكرة، موضوعة كالمحة [صفار البيض]، في جوف البيضة “.
2- أحمد ابن رستة , ت 300 هـ , في كتابه الأعلاق النفيسة حيث قال: ” إن الله عز وجل وضع الفلك مستديرا كاستدارة الكرة، أجوف دوارًا، والأرض مستديرة أيضا ومصمتة في جوف الفلك “.
3- ونقل ابن حزم إجماع أئمة المسلمين على كروية الأرض في كتابه الفصل في الملل، فيقول : ” قالوا إن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية والعامة تقول غير ذلك، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق ؛ إن أحدًا من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم , لم ينكروا تكوير الأرض, ولا يُحفظ لأحد منهم في دفعة كلمة، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل : ” يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ” (الزمر : 5). وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخوذ من كور العمامة وهو: إدارتها، وهذا نص يدل على تكوير الأرض “.
4- الشريف الإدريسي , ذكر في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ما نصه :” وإن الأرض مدورة كتدوير الكرة، والماء لاصق بها، وراكد عليها ركودا طبيعيا لا يفارقها، والأرض والماء مستقران في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة، ووضعها وضع متوسط، والنسيم محيط بها [ الغلاف الجوي ] من جميع جهاتها “.
وهذه شهادة بعض الغربيين، عما قدمه علماء المسلمين في علم الجغرافيا نذكر منها لا على الحصر:
– يقول ( وول ديورانت ) في كتابه قصة الحضارة, تعليقًا على خرائط الشريف الإدريسي: ” كانت هذه الخرائط أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط في العصور الوسطى، لم ترسم قبلها خرائط أتم منها أو أدق أو أوسع وأعظم تفصيلا، وكان الإدريسي يجزم كما تجزم الكثرة الغالبة من علماء المسلمين بكروية الأرض، ويرى أن هذه حقيقة مسلم بصحتها “.
– يقول ( جوستاف لوبون ) في كتاب حضارة العرب :” كتب العرب التي انتهت إلينا في علم الجغرافيا مهمة للغاية وكان بعضها أساسا لدراسة هذا العلم في أوربا قرونا كثيرة ” , ويضيف في موضع آخر : ” يكفي أن نقابل بين الأمكنة التي عينها الأفارقة والأمكنة التي عينها العرب، ليظهر لنا مقدار التقدم الذي تم على يد العرب “.
– يقول ( مارتن بلسنر ) في كتاب تراث الاسلام : ” كان للخرائط الإسلامية وما كتبه المسلمون في علوم البحار أثر بالغ في تقدم الملاحة الغربية ” , ويضيف في موضع آخر: ” ما زالت مؤلفات المسلمين في الجغرافيا تحتل مكانا مهما حتى يومنا هذا، لأن المعلومات التي تتضمنها تزيد في علمنا بالجغرافيا التاريخية المتعلقة بالبلدان التي تناولتها هذه المؤلفات , فتراث الإسلام في هذا الميدان له أهمية خاصة “.