تطور علم الجغرافيا عند المسلمين وكروية الأرض – الجزء الأول
“ إن الأرض مدورة كدوران الكرة، موضوعة كالمحة [صفار البيض]، في جوف البيضة ” [ابن خرداذبه ت 272 هـ / 912م] .
الجغرافيا كلمة يونانية تتكون من مقطعين : الأول هو ( جيو ) بمعنى أرض، و( غرافيا )بمعنى وصف، فتعني وصف الأرض : وهو علم يُتعرف منه على أحوال الأقاليم السبعة الواقعة في الربع المسكون من الكرة الأرضية، وكذلك عروض وأطوال البلدان الواقعة فيها، وأيضا عدد المدن والجبال والبحار والأنهار والبراري إلى غير ذلك. ويُعرف عند مؤرخي تاريخ العلوم أن أول من كتب في موضوع علم الجغرافيا كتابة علمية هو( بطليموس القلوذي ) ، فقد كتب كتابة ( الجغرافيا ) إضافة إلى ما ورد في كتابه المجسطي من معلومات قيمة في الجغرافيا الفلكية.
يُقسم علم الجغرافيا عبر العصور إلى ثلاثة أقسام رئيسية, وقد يتفرع عنها عدة فروع كما هو الحال في العصر الحديث، والأقسام الرئيسية هي:
أولاً- الجغرافيا الطبيعية : تهتم بطبيعة الأرض من حيث البنية الجيولوجية والظواهر الميتورولوجية والمحصولات النباتية والحيوانية.
ثانيًا – الجغرافيا الفلكية : وتهتم بشكل الأرض وكذا حجمها وحركتها وكرويتها وعلاقتها بالكواكب الأخرى وغيرها.
ثالثًا- الجغرافيا السياسية : تبحث في أقطار الأرض من حيث حدودها السياسية وفي السكان من حيث العدد والحياة الاجتماعية.
أما في اللغة العربية فتعتبر كلمة ( جغرافيا ) دخيلة وحديثة، فعند العرب والمسلمين كانوا يستعملون صورة الأرض، أو قطع الأرض، أو خريطة العالم والأقاليم، أو تقويم البلدان، أو المسالك والممالك، أو علم الطرق، وغيرها.
فالنظريات الجغرافية كانت متقدمة عند اليونانيين؛ لذا نجد أنهم يعللون وجود الأصداف والقوافل البحرية في الأرض اليابسة البعيدة عن البحر , أنها كانت في ما مضى بحرًا ثم تحولت أرضا ؛ وذلك بسبب حرارة الشمس التي قلصت مساحة البحر. ولهم آراء أخرى في هذا الموضوع مما يدلل على تقدمهم في هذا العلم.
كان لعلماء المسلمين قبول للنظريات اليونانية خاصة، وللتراث الجغرافي النظري الذي ورثوه من الحضارات السابقة عموما؛ فبنوا عليها وطوروها وازدهرت في عهدهم، وصححوا كثيرا من الأغلاط التي ارتكبها اليونانيون، على سبيل المثال لا الحصر : مبالغة بطليموس في تحديد طول البحر الأبيض المتوسط وامتداد الجزء المعمور من الأرض. ولم يتوقفوا عند النقل من السابقين, بل كانت لهم ابداعات وابتكارات علمية فأضافوا أفكارًا ومفاهيم جديدة . وقد كان لدى العلماء العرب والمسلمين الرغبة الصادقة, بل العارمة ليس فقط لمعرفة المسالك والطرق للأمة الاسلامية الفسيحة, ولكن للعالم أجمع، لقد تفوقوا في علم الجغرافيا, في تقديم معلومات صحيحة عن الصين والقارة الأفريقية، مما دفع علماء الغرب خلال العصور الوسطى أن يتلقوا معلوماتهم عن أفريقيا والصين من هذه المصادر لأنهم كانوا يجهلونها تماما.
ومن أهم المصادر التي أخذ منها علماء المسلمين علم الجغرافيا :
أولاً- القرآن الكريم والسنة النبوية , فقد أخذوا منها الكثير من المعلومات الجغرافية من وصف للمدن والأرض والفلك وغير ذلك.
ثانيًا – الشعر العربي القديم والجاهلي , فهو غني بأعلام وأماكن جغرافية كانت معروفة عند البدو الرحل.
ثالثًا –علماء اللغة العربية , حيث أن العلاقة بين اللغويين والجغرافيين كانت متينة ,بل , هناك من جمع بينهما ويظهر ذلك من خلال المعاجم العربية.
رابعًا- قصص تناولها اليهود والنصارى تحتوي على معلومات جغرافية متينة.
خامسًا- ترجمة موروث الحضارات السابقة, مما كان عند الفرس والمصريين والفينيقيين واليونانيين والهنود والرومان وغيرهم.
سادسًا – الرحلات الجغرافية, التي قام بها رحالة المسلمين محاولين معرفة المسالك والممالك، فقد كانت رحلات البعض منهم تستغرق سنوات ينتقل فيها الرحالة من منطقة إلى أخرى.
لقد اعتمد علماء العرب والمسلمين في علم الجغرافيا كذلك على الرحلات الميدانية أشد الاعتماد ؛ لكي يحصلوا على الخبرة الشخصية التي لا تقدر بثمن, وذلك لاهتمام المسلمين بالنواحي التجارية والفتوحات، لذا تميزوا عن غيرهم في الأسفار للمعاينة الميدانية, ويظهر ذلك في مؤلفاتهم، ونتيجة لرحلاتهم الكثيرة عرفوا الجزء المعمور من الأرض،( الجزء الشمالي )، وغير المعمور،( الجزء الجنوبي ), وخط الاستواء, والمنطقتين الاستوائية والقطبية وغير ذلك. فقد تحملوا مشاق ومخاطر الطرق للطواف في البلدان النائية للحصول على معلومات جغرافية جديدة، وكان تشجيع الحكام والتجار آنذاك نابعا من أهمية المعلومات التي يحصل عليها علماء الجغرافيا, والتي ساعدت هؤلاء الحكام والتجار في معرفة الطرق والأقاليم وعادات السكان والمحصولات الزراعية والمعدنية، ومما لا شك فيه ، أن الدراسات التي قام بها علماء المسلمين في ميدان علم الجغرافيا كانت أهم المصادر لتقوية نفوذهم.